الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزول الآية (4):
{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ.} .:
أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عرض عليّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي، فسرّني» فأنزل الله: {وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى} وإسناده حسن.
نزول الآية (5):
أخرج الحاكم والبيهقي في الدلائل والطبراني وغيرهم عن ابن عباس قال:
عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته كفرا كفرا-أي قرية قرية- فسرّ به، فأنزل الله:{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} .
التفسير والبيان:
{وَالضُّحى، وَاللَّيْلِ إِذا سَجى، ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى} أي قسما بالضحى: وقت ارتفاع الشمس أول النهار، والمراد به النهار، لمقابلته بالليل، وبالليل إذا سكن وغطى بظلمته النهار مثلما يسجّى الرجل بالثوب، ما قطعك ربك قطع المودّع، وما تركك، ولم يقطع عنك الوحي، وما أبغضك وما كرهك، كما يزعم بعضهم أو تتوهم في نفسك. وهذه الواقعة تدل على أن القرآن من عند الله؛ إذ لو كان من عنده لما توقف.
ثم بشره بأن مستقبله أفضل من ماضيه، فقال:
{وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى} أي وللدار الآخرة خير لك من هذه الدار، إذا فرض انقطاع الوحي وحصل الموت، وكذلك فإن أحوالك الآتية خير لك من الماضية، وأن كل يوم تزداد عزا إلى عز، ومنصبا إلى منصب، فلا تظن أني قليتك، بل تكون كل يوم يأتي أسمى وأرفع، فإني أزيدك رفعة وسموا، وإن شرف الدنيا يصغر عنده كل شرف، ويتضاءل بالنسبة إليه كل مكرمة في الدنيا.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه عن ابن مسعود قال: اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فأثر في جنبه، فلما استيقظ جعلت أمسح جنبه، وقلت: يا رسول الله، ألا آذنتنا حتى نبسط لك على الحصير شيئا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما لي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب، ظلّ تحت شجرة، ثم راح وتركها» .
وبشره بعطاء جزيل فقال:
{وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى} أي ولسوف يمنحك ربك عطاء جزيلا ونعمة كبيرة في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فهو الفتح في الدين، وأما في الآخرة فهو الثواب والحوض والشفاعة لأمتك، فترضى به. وهذا دليل على تحقيق العلو والسمو في الدارين، فيعلو دينه على كل الأديان، ويرتفع قدره على جميع الأنبياء والناس بالشفاعة العظمى يوم العرض الأكبر يوم القيامة. وإنما أتى بحرف التوكيد والتأخير، ليفيد بأن العطاء كائن لا محالة، وإن تأخر لما في التأخير من المصلحة.
ثم عدد الله تعالى نعمه على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل إرساله، وكأنه قال: ما تركناك وما قليناك قبل أن اخترناك واصطفيناك، فتظن أنا بعد الرسالة نهجرك ونخذلك، فقال:
{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى} أي ألم يجدك ربك يتيما لا أب لك، فجعل لك مأوى تأوي إليه، وهو بيت جدك عبد المطلب وعمك أبي طالب، فإنه فقد أباه وهو في بطن أمه، أو بعد ولادته، ثم توفيت أمه آمنة بنت وهب، وله من العمر ست سنين، ثم كان في كفالة جده عبد المطلب، إلى أن توفي، وله من العمر ثمان سنين، فكفله عمه أبو طالب، ثم لم يزل يحوطه وينصره بعد أن ابتعثه الله على رأس أربعين سنة.
ووجدك غافلا عن أحكام الشرائع حائرا في معرفة أصح العقائد، فهداك لذلك، كما قال تعالى:{وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا، ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا} الآية [الشورى 52/ 42].
ووجدك فقيرا ذا عيال لا مال لك، فأغناك بربح التجارة في مال خديجة، وبما منحك الله من البركة والقناعة،
أخرج الشيخان في الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس» .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه» .
روى ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى، وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى، وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى} قال: كانت هذه منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعثه الله عز وجل.
ثم أمره ربه ببعض الأخلاق الاجتماعية وبشكره على هذه النعم، فقال:
1 -
{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ} أي كما كنت يتيما فآواك الله، فلا تستذل اليتيم وتهنه وتتسلط عليه بالظلم لضعفه، بل أدّه حقه، وأحسن إليه، وتلطف به، واذكر يتمك. لذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحسن إلى اليتيم ويبره ويوصي باليتامى خيرا.
2 -
{وَأَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ} أي وكما كنت ضالا، فهداك الله، فلا تنهر السائل المسترشد في العلم، وطلب المال، ولا تزجره، بل أجبه أورد عليه ردا جميلا.
3 -
{وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} أي تحدث بنعمة ربك عليك، واشكر هذه النعمة وهي النبوة والقرآن، وما ذكر في الآيات، والتحدث بنعمة الله