الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} لما حدث من إهلاك الأقوام، فلا يرعوون عن تكذيبهم، ومعنى الجملة والإضراب: أن حال كفار قريش أعجب من الأمم السابقة، فإنهم سمعوا قصتهم، ورأوا آثار هلاكهم، وكذبوا أشد من تكذيبهم. {وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ} لا يفوتونه، ولا عاصم لهم منه، فهم في قبضته وحوزته. {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} عظيم معظم، والمعنى: بل هذا الذي كذبوا به كتاب شريف، وحيد في النظم والمعنى. {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} من الزيادة والنقص، والتغيير والتحريف.
المناسبة:
بعد بيان وعيد الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات، ووعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وجزاء كل فريق، أكّد الله تعالى الوعد والوعيد بما يدل على تمام قدرته على ذلك. ثم بيّن أن حال الكفار في كل عصر، مع الأنبياء، شبيه بحال أصحاب الأخدود، في إلحاق أذى الكفار بالمؤمنين، فهم دائما في صراع معهم وعداوة وإيذاء. والقصد من هذا كله ترهيب الكفار، وتثبيت المؤمنين على إيمانهم، وشدّ عزائمهم بالصبر، وتطمينهم بأن كفار قريش سيلقون مثلما أصاب الأقوام السابقة: فرعون وأتباعه وثمود.
التفسير والبيان:
{إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أي إن جزاء ربك وانتقامه من الجبابرة والظلمة، ومن أعدائه الذين كذبوا رسله، وخالفوا أمره، لشديد عظيم قوي، مضاعف إذا أراد، فإنه تعالى ذو القوة المتين، الذي ما شاء كان، ويكون ما يريد مثل لمح البصر أو هو أقرب. وفي هذا تأكيد للوعيد، وإرهاب لكفار قريش وأمثالهم.
ثم زاد الأمر تأكيدا بقوله:
{إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} أي إنه تعالى تام القدرة، فهو الذي يبدأ الخلق ويخلقهم أولا في الدنيا، ثم يعيدهم أحياء بعد الموت. أو هو الذي يبدأ البطش
ويعيده، أي يبطش بالجبابرة في الدنيا والآخرة. وفيه وعيد للكفرة بأنه يعيدهم ليبطش بهم؛ إذ كفروا بنعمة الإبداء إبداء الخلق، وكذبوا بالإعادة.
ثم أكّد الله تعالى الوعد بإيراد خمس صفات لجلاله وكبريائه وهي:
1 -
2: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} أي والله سبحانه بالغ المغفرة لذنوب عباده المؤمنين إذا تابوا وأنابوا إليه، يغفر ذنب من تاب إليه، وخضع لديه، مهما كان الذنب كبيرا أو صغيرا، وهو تعالى بالغ المحبة للمطيعين من أوليائه، بليغ الوداد، والمراد به: إيصال الثواب لأهل طاعته على الوجه الأتم، فيكون كقوله تعالى:
{يُحِبُّهُمْ} [المائدة 54/ 5]، أو هو بمعنى مفعول فيكون كقوله:{وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة 54/ 5].
3 -
4: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} أي هو تعالى ربّ العرش العظيم العالي على جميع الخلائق، وصاحب الملك والسلطان، والعظيم الجليل المتعالي، صاحب النهاية في الكرم والفضل، وبالغ السمو والعلو.
5 -
{فَعّالٌ لِما يُرِيدُ} أي صاحب القدرة المطلقة على فعل ما يريد، فمهما أراد فعل شيء، لا معقّب لحكمه، ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره، وحكمته وعدله. فإذا أراد إهلاك الظالمين الجاحدين، ونصر المؤمنين الصادقين، فعل دون أن يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يصرفه عنه صارف.
ثم ذكّر الله تعالى الكفار وغيرهم، وسلّى نبيه صلى الله عليه وسلم بقصة فرعون وثمود من متأخري الكفار ومتقدميهم، فقال:
{هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ: فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} أي هل أتاك يا محمد خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائهم، والتي جندت جنودها لقتالهم؟ أو هل بلغك ما أحلّ الله بهم من البأس، وأنزل عليهم من النقمة بسبب تماديهم في الكفر
والضلال؟ ومن هؤلاء الجنود وأشهر حديثهم وخبرهم المتعارف: فرعون وجنوده، وقبيلة ثمود من العرب البائدة قوم صالح عليه السلام. والمراد بحديثهم: ما وقع منهم من الكفر والعناد، وما حلّ بهم من العذاب. والمراد بفرعون: هو وجنوده. أما فرعون وأتباعهم فأغرقهم الله في اليمّ: البحر الأحمر، وأما ثمود الذين عقروا ناقة نبيهم صالح، فدمّر الله بلادهم وأهلكهم بالطاغية أي الصيحة المجاوزة للحدّ في الشدة.
ثم أشار الله تعالى إلى أن هذا شأن الكفار وصنيعهم في كل زمان، فقال:
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ} أي فالواقع القائم أن هؤلاء المشركين العرب في تكذيب شديد لك أيها النبي، ولما جئت به، ولم يعتبروا بمن كان قبلهم من الكفار.
وفي هذا إضراب عن التذكير بقصة الجنود إلى التصريح بتكذيب كفار قريش.
وبعد تطييب قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بحكاية أحوال الأولين وموقفهم من الأنبياء، سلاّه بعد ذلك من وجه آخر، فقال:
{وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ} أي إن الله تعالى قادر على أن ينزل بهم ما أنزل بأولئك، قاهر الجبارين لا يفوتونه ولا يعجزونه، فهو مقتدر عليهم، وهم في قبضته لا يجدون عنها مهربا. وهذا دليل على أنه تعالى عالم بهم فيجازيهم، وعلى أنه لا داعي للجزع من تكذيبهم وإصرارهم على الكفر وعنادهم.
ثم ردّ على تكذيبهم بالقرآن، فقال:
{بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} أي إن هذا القرآن الذي كذبوا به شريف الرتبة في نظمه وأسلوبه حتى بلغ حدّ الإعجاز، متناه في الشرف والكرم والبركة، وليس هو كما يقولون: إنه شعر وكهانة وسحر. وإنما هو كلام الله