الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة العصر يوم الخندق
قال: «ملأ الله بطونهم وقبورهم نارا» فقال الله تعالى:
كما قدّمت حقي على حقك، فأنا أيضا أقدم حقك على حقي، فمن ترك الصلاة طول عمره لم يكفر، ومن طعن فيك بوجه يكفر، ثم إن أهل الكتاب طعنوا فيك، فقدّمتهم في الوعيد على المشركين الذين طعنوا فيّ. ثم إن أهل الكتاب أولى بالإيمان بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، فهم في الجملة يؤمنون بدين، ويقرون بنبي آخر الزمان، وعلاماته في كتبهم، فطعنهم به في غير محله، فاستحقوا التقديم في الوعيد لذلك
(1)
.
التفسير والبيان:
يخبر الله تعالى عن مآل الفجار الكفار فيقول:
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ، خالِدِينَ فِيها، أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} أي إن الذين خالفوا كتب الله المنزلة، وأنبياء الله المرسلة، من اليهود والنصارى وعبدة الأصنام، مآلهم يوم القيامة في نار جهنم المستعرة، يصيرون إليها، ماكثين فيها على الدوام، لا يخرجون منها ولا يموتون فيها، وهم حالا شر الخليقة التي برأها الله وذرأها؛ لأنهم تركوا الحق حسدا وبغيا، فسيكونون شر الخليقة مصيرا. والسبب في أنه لم يقل هنا خالدين فيها أبدا، كما فعل في الأبرار؛ لأن رحمته أزيد من غضبه. وقوله:{هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} لإفادة النفي والإثبات، أي هم دون غيرهم.
ثم أخبر الله تعالى عن حال الأبرار، فقال:
{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ، أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} أي إن الذين آمنوا بقلوبهم بربهم وكتبه ورسله واليوم الآخر، وعملوا الصالحات بأبدانهم، هم أفضل الخلق حالا ومآلا.
(1)
غرائب القرآن: 153/ 30، تفسير الرازي: 49/ 32
وقد استدل بهذه الآية أبو هريرة وطائفة من العلماء على تفضيل المؤمنين الأبرار على الملائكة؛ لقوله تعالى: {أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} .
ثم ذكر جزاءهم فقال:
{جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً، رضي الله عنهم، وَرَضُوا عَنْهُ، ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ} أي جزاؤهم يوم القيامة عند خالقهم ومالكهم على الإيمان والعمل الصالح جنات أو بساتين إقامة دائمة تجري من تحت أشجارها وغرفها الأنهار، ماكثين فيها على الدوام، لا يخرجون منها، ولا يرحلون عنها، ولا يموتون، بل هم دائمون في نعيمها، مستمرون في لذاتها إلى الأبد، لا نهاية لنعيمهم. وكلمة الجزاء تفيد معنيين:
أحدهما-أن يعطيه الجزاء الوافر من غير نقص، والثاني-أنه تعالى يعطيه ما يقع به الكفاية؛ لأن الجزاء اسم لما يقع به الكفاية، فلا يبقى في نفسه شيء إلا ويحققه له، كما قال:{وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ} [فصلت 31/ 41]. وقوله:
{تَجْرِي} إشارة إلى أن الماء الجاري ألطف من الراكد.
رضي الله عنهم؛ لأنهم أطاعوا أمره، وقبلوا شرائعه، ورضوا عنه، بما منحهم من الثواب والفضل العميم، وتحقيق المطالب مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
وهذا الجزاء والرضوان حاصل لمن خاف الله واتقاه حق تقواه، وعبده كأنه يراه، وانتهى عن معاصيه بسبب ذلك الخوف.
وفي ذلك تحذير من خشية غير الله، وتنفير من إشراك غيره به في جميع الأعمال، وترغيب في تقوى الله ورهبته، حتى يصبح العمل خالصا لله وحده.
كما أن فيه إيماء إلى أن شرط أداء العبادة كالصوم والصلاة: خشية الله والخشوع له.