الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني-جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه في نفر من المسلمين، فسخر منهم المنافقون، وضحكوا، وتغامزوا، ثم رجعوا إلى أصحابهم، فقالوا: رأينا اليوم الأصلع، فضحكوا منه، فنزلت هذه الآية قبل أن يصل عليّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
المناسبة:
بعد بيان قصة الفجار وقصة الأبرار وما أعد لكل فئة في الآخرة، حكى الله تعالى بعض قبائح أفعال الكافرين في الدنيا بالاستهزاء بالمؤمنين، ومعاملتهم بالمثل في الآخرة، جزاء ما فعلوا في الدنيا. والمقصود منه تسلية المؤمنين وتقوية قلوبهم.
التفسير والبيان:
حكى الله تعالى عن رؤساء الشرك وأمثالهم أربعة أشياء من المعلومات القبيحة، فقال:
1 -
{إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} أي إن كفار قريش ومن وافقهم على الكفر كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، ويسخرون منهم. وهكذا شأن الأقوياء والأغنياء في كل عصر يسخرون من المؤمنين المصلّين أو الفقراء المتأدبين بآداب الإسلام والقرآن، ويهزؤون من المتدينين ومن دينهم، اعتمادا منهم على قوتهم، أو سلطتهم ونفوذهم، أو ثروتهم وغناهم. قال ابن عباس في تفسير {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا..}.: هو الوليد بن المغيرة، وعقبة بن أبي معيط، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد يغوث، والعاص بن هشام، وأبو جهل، والنضر بن الحارث. وأولئك الذين آمنوا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم مثل عمار، وخبّاب، وصهيب، وبلال.
(1)
تفسير الرازي: 101/ 31
2 -
{وَإِذا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغامَزُونَ} أي وإذا مر الكفار بالمؤمنين يتغامزون عليهم محتقرين لهم، يعيرونهم بالإسلام، ويعيبونهم به. والتغامز: صيغة تفاعل تقتضي المشاركة، من الغمز: وهو الإشارة بالجفن والحاجب استهزاء، ويكون الغمز أيضا بمعنى العيب، يقال: غمزة: إذا عابه، وما في فلان غميزة، أي ما يعاب به، والمعنى: أنهم يشيرون إليهم بالأعين استهزاء، ويعيبونهم، ويقولون: انظروا إلى هؤلاء يتعبون أنفسهم، ويحرمونها لذاتها، ويخاطرون بأنفسهم في طلب ثواب لا يتيقنونه.
3 -
{وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} أي وإذا رجع الكفار إلى أهلهم في منازلهم من مجالسهم في السوق، رجعوا معجبين بما هم فيه، متلذذين به، يتفكهون بما فعلوا بالمؤمنين، وبما قاموا به من استهزاء وطعن فيهم، واستهزاء بهم، ووصفهم بالسخف والطيش وضعف الرأي وقلة العقل.
4 -
{وَإِذا رَأَوْهُمْ قالُوا: إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ} أي وإذا رأى المشركون المؤمنين، ووصفوهم بالضلال؛ لكونهم على غير دينهم وعقائدهم الموروثة، ولاتباعهم محمّدا، وتمسكهم بما جاء به، وتركهم التنعم الحاضر بسبب طلب ثواب لا يدرى: هل له وجود أم لا.
فرد الله تعالى عليهم ما قالوه بقوله:
{وَما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ} أي وما بعث هؤلاء المجرمون من قبل الله رقباء على المؤمنين، يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم وأقوالهم، ولا كلّفوا بهم؟ وإنما كلفوا بالنظر في شؤون أنفسهم.
ثم قرر الله تعالى مبدأ المعاملة بالمثل في الآخرة، تسلية للمؤمنين وتقوية قلوبهم، فقال: