الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان أحدهما يتهاون بالذنب الصغير، ويقول: لا شيء عليّ من هذا، فرغب الله تعالى في القليل من الخير؛ لأنه يوشك أن يكثر، وحذر من الذنب اليسير، فإنه يوشك أن يعظم، فلهذا
قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم: «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيّبة» .
التفسير والبيان:
{إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها} أي إذا تحركت الأرض من أسفلها حركة شديدة، واضطربت اضطرابا هائلا حتى يتكسر كل شيء عليها، كما قال تعالى:
{يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج 1/ 22] وقال سبحانه: {إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا} [الواقعة 4/ 56].
{وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها} ألقت ما في جوفها من الأموات والدفائن، كما قال تعالى:{وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق 3/ 84 - 4].
وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيجيء القاتل، فيقول: في هذا قتلت، ويجيء القاطع فيقول: في هذا قطعت رحمي، ويجيء السارق فيقول: في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئا» .
وتخرج الأرض الأموات في النفخة الثانية.
{وَقالَ الْإِنْسانُ: ما لَها؟} أي قال كل فرد من أفراد الإنسان لما يبهره أمرها ويذهله خطبها: ما لهذه الأرض، ولأي شيء زلزلت، وأخرجت أثقالها؟ {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها} أي في ذلك الوقت المضطرب، وقت الزلزلة، تخبر الأرض بأخبارها، وتحدّث بما عمل عليها من خير وشر، ينطقها الله
سبحانه، لتشهد على العباد. قال ابن عباس في الآية: قال لها ربها: قولي، فقالت.
أخرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي-واللفظ له-عن أبي هريرة قال:
(1)
. وقال الطبري: إن هذا تمثيل، والمراد أنها تنطق بلسان الحال، لا بلسان المقال.
ثم أبان الله تعالى مصدر هذه الواقعة، فقال:
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها} أي تحدّث أخبارها بوحي الله وإذنه لها بأن تتحدث وتشهد. فقوله: {أَوْحى لَها} أي أذن لها وأمرها، أو أوحى إليها أي ألهمها.
{يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ} أي في هذا اليوم المضطرب وفي يوم الخراب المدمر، يصدر الناس من قبورهم إلى موقف الحساب، مختلفي الأحوال، فبعضهم آمن، وبعضهم خائف، وبعضهم بلون أهل الجنة، وبعضهم بلون أهل النار، ليريهم الله أعمالهم معروضة عليهم. هذا ما يراه بعض المفسرين كالشوكاني. فالصدر على هذا الرأي: هو قيامهم للبعث بعد أن كانوا مدفونين في الأرض، و {أَشْتاتاً} فرقا مؤمن وكافر وعاص، سائرون إلى العرض، ليروا أعمالهم.
وقال آخرون كابن كثير: يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا، أي أنواعا وأصنافا، ما بين شقي وسعيد، مأمور به إلى الجنة، ومأمور به إلى النار،
(1)
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب.
ليجازوا بما عملوه في الدنيا من خير وشر، فيكون المراد بقوله:{لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ} ليروا جزاء أعمالهم وهو الجنة والنار، ولهذا قال:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} أي فمن يعمل في الدنيا وزن نملة صغيرة أو هباء لا يرى إلا في ضوء الشمس، والمراد أي عمل مهما كان صغيرا، فإنه يجده يوم القيامة في كتابه، ويلقى جزاءه، فيفرح به، أو يراه بعينه معروضا عليه. وكذلك من يعمل في الدنيا أي شيء من الشر ولو كان حقيرا أو قليلا، يجد جزاءه يوم القيامة، فيسوؤه. والذرّ كما تقدم: ما يرى في شعاع الشمس من الهباء، أو هو النملة الصغيرة.
ونظير الآية قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ، فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ} [الأنبياء 47/ 21] وقوله سبحانه: {وَوُضِعَ الْكِتابُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ، وَيَقُولُونَ: يا وَيْلَتَنا مالِ هذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها، وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف 49/ 18].
وفي صحيح البخاري عن عدي مرفوعا: «اتقوا النار ولو بشقّ تمرة، ولو بكلمة طيبة»
وفي الصحيح له أيضا: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا، ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تلقى أخاك، ووجهك إليه منبسط»
وفي الصحيح أيضا: «يا معشر نساء المؤمنات لا تحقرنّ جارة لجارتها، ولو فرسن شاة» يعني ظلفها.
وفي الحديث الآخر الذي أخرجه أحمد والبخاري في التاريخ والنسائي عن حوّاء بنت السكن: «ردّوا السائل، ولو بظلف محرق» .
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة استتري من النار، ولو بشق تمرة، فإنها تسدّ من الجائع مسدّها من الشبعان» .
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن أنس قال: «كان أبو بكر يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ