الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجه الدلالة منه أنه لا يعرف الحق إلا من كان مجتهدا.
(
[المقلد لا يجوز له أن يتقلد القضاء] :)
وأما المقلد؛ فهو يحكم بما قال إمامه، ولا يدري أحق هو أم باطل؟ فهو القاضي الذي قضى للناس على جهل، وهو أحد قاضيي النار.
ومن الأدلة على اشتراط الاجتهاد قوله - تعالى -: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} ، و {الظالمون} ، و {الفاسقون} ، ولا يحكم بما أنزل الله إلا من يعرف التنزيل والتأويل.
ومما يدل على ذلك حديث معاذ لما بعثه صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فقال له:" بما تقضي؟ "، قال: بكتاب الله، قال:" فإن لم تجد؟ "، قال: فبسنة رسول الله، قال:" فإن لم تجد؟ "، قال: فبرأيي.
قال الماتن: وهو حديث مشهور (1) ، قد بينت طرقه ومن خرجه في بحث مستقل.
ومعلوم أن المقلد لا يعرف كتابا ولا سنة، ولا رأي له، بل لا يدري بأن الحكم موجود في الكتاب أو السنة فيقضي به، أو ليس بموجود فيجتهد برأيه.
فإذا ادعى المقلد أنه حكم برأيه؛ فهو يعلم أنه يكذب على نفسه؛
(1) • ولكن إسناده ضعيف؛ فيه الحارث بن عمرو؛ مجهول، كما في " التقريب " وغيره.
وقد بين الحافظ ضعف الحديث في " التلخيص "(ص 401) . (ن)
قلت: وانظر " السلسلة الضعيفة "(881) ؛ وقد كنت كتبت منذ أكثر من عشر سنوات جزءا في تخريجه والكلام عليه؛ عنوانه " الإيناس "، ولم يطبع {}
لاعترافه بأنه لا يعرف كتابا ولا سنة، فإذا زعم أنه حكم برأيه؛ فقد أقر على نفسه أنه حكم بالطاغوت.
وللسيد العلامة محمد بن إسماعيل الأمير رسالة مستقلة في تيسير الاجتهاد سماها: " إرشاد النقاد "، فليرجع إليها.
أقول: الحاصل أن المقلد ليس ممن يعقل حجج الله إذا جاءته؛ فضلا عن أن يعرف الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، والراجح من المرجوح.
بل لا ينبغي أن ينسب المقلد إلى العلم مطلقا، ولهذا نقل عضد الدين الإجماع على أنه لا يسمى المقلد عالما (1) .
وأما ما صار يستروح إليه من جوز قضاء المقلد من قلة المجتهدين في الأزمنة الأخيرة، وأنه لو لم يل القضاء إلا من كان مجتهدا لتعطلت الأحكام! فكلام في غاية السقوط، فالمجتهدون في كل قطر، ولكنهم في زمان غربة:
فمنهم من يخفي اجتهاده مخافة صولة المقصرين.
ومنهم من يحتقره المقلدون عن أن يكون مجتهدا لضيق أعطانهم، وحقارة عرفانهم، وتبلد أذهانهم، وجمود قرائحهم، وخمود أفكارهم، ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهله.
ولقد عرفت مشايخي الذين أخذت عنهم العلم؛ فأكثرهم مجتهدون.
(1) • ونقله - أيضا - ابن عبد البر في " جامع بيان العلم "، وابن القيم " في إعلام الموقعين "، وأبو الحسن السندي في حاشيته على " سنن ابن ماجه "، والفلاني في " إيقاظ الهمم "، وغيرهم. (ن)
وفي مدينة صنعاء من المجتهدين من يستغنى به عن القضاة المقلدين في جميع الأقطار اليمنية، مع أنه لا يسلم لهم الاجتهاد إلا من كان مثلهم أو مقاربا لهم.
وأما أسراء التقليد؛ فهيهات أن يذعن واحد منهم لأحد بالاجتهاد مع أن العلوم المعتبرة في الاجتهاد عند هؤلاء المقلدين؛ هي العلوم الخمسة المذكورة في كتب أصول الفقه (1) ، وهي بالنسبة إلى ما يحفظ من وصفناه من المجتهدين شيء يسير.
قال الماتن رحمه الله: " ومن غريب ما أحكيه لك: أنه لما كثر الخلط من قضاة حضرة الخلافة؛ استأذنت الخليفة - حفظه الله - في جمعهم لقصد ترغيبهم في العدل، وترهيبهم عن الجور، فاجتمع منهم نحو أربعين قاضيا، فسألتهم عن شيء مما يتعلق بشروط القضاء المدونة في كتب الفروع؟ فلم يهتد أحد منهم إلى الجواب على وجه الصواب؛ بل اعترفوا جميعا بالقصور عن فهم دقائق التقليد؛ فضلا عن معرفة علوم الاجتهاد أو بعضها!
وليت أنهم إذا قصروا في العلم لم يقصروا في الورع، فإن الورع يردع صاحبه عن المجازفة، ويرشده إلى أن شفاء العي السؤال، ويكفه عن التسلق لأموال المسلمين، ويرده عن التسرع إليها بأدنى شبهة.
ولعمري أن القاضي إذا جمع بين الجهل وعدم الورع أشد على عباد الله من الشيطان؛ لأنه يقضي بين الناس بالطاغوت؛ موهما لهم أنه إنما يقضي
(1) • وهي معرفة العربية، وأصول الفقه والمعاني والبديع، ومعرفة الآيات القرآنية الشرعية، ومعرفة جملة من الأخبار النبوية؛ انظر " تيسير الاجتهاد "(23 - 26) . (ن)