الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مئة والرجم "، وجمع علي - كرم الله وجهه - بين الرجم والجلد:
فقالوا: الجلد منسوخ فيمن وجب عليه الرجم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية واليهوديين، ولم يجلد واحدا منهم، وقال لأنيس الأسلمي:" فإن اعترفت فارجمها "، ولم يأمر بالجلد، وهذا آخر الأمرين؛ لأن أبا هريرة قد رواه، وهو متأخر الإسلام، فيكون ناسخا لما سبق من الحدين: الجلد والرجم، ثم رجم الشيخان أبو بكر، وعمر في خلافتهما، ولم يجمعا بين الرجم والجلد.
قال في " المسوى ":
" في حديث عبادة ما يدل على أنه من آخر أحكام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن لفظه: " خذوا عني " إلخ؛ فيه إشارة إلى قوله - تعالى -: {أو يجعل الله لهن سبيلا} ، فهو متأخر عن هذه الآية، وهذه الآية في سورة النساء، وهي من آخر ما نزل، فلا تدل رواية أبي هريرة إياه على النسخ.
بل الظاهر عندي؛ أنه يجوز للإمام أن يجمع بين الجلد والرجم، ويستحب له أن يقتصر على الرجم؛ لاقتصار النبي صلى الله عليه وسلم على الرجم.
والحكمة في ذلك: أن الرجم عقوبة تأتي على النفس، فأصل الرجم المطلوب حاصل به، والجلد زيادة عقوبة رخص في تركها، فهذا هو وجه الاقتصار على الرجم عندي، والعلم عند الله تعالى ".
(
[يثبت الزنا بالإقرار مرة والتربيع فيه للتثبت] :)
(ويكفي إقراره مرة، وما ورد من التكرار في وقائع الأعيان فلقصد
الاستثبات) ؛ لأن أخذ المقر بإقراره هو الثابت في الشريعة.
فمن أوجب تكرار الإقرار في فرد من أفراد الشريعة؛ كان الدليل عليه، ولا دليل ههنا بيد من أوجب تربيع الإقرار؛ إلا مجرد ما وقع من ماعز من تكرار الإقرار، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمره أو أمر غيره بأن يكرر الإقرار، ولا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن إقرار الزنا لا يصح إلا إذا كان أربع مرات.
وإنما لم يقم على ماعز الحد بعد الإقرار الأول؛ لقصد التثبت في أمره، ولهذا قال له صلى الله عليه وسلم:" أبك جنون؟ "، ووقع منه صلى الله عليه وسلم السؤال لقوم ماعز عن عقله؟ وقد اكتفى صلى الله عليه وسلم بالإقرار مرة واحدة.
كما ثبت في " الصحيحين "، وغيرهما من قوله صلى الله عليه وسلم:" واغد يا أنيس {إلى امرأة هذا؛ فإن اعترفت فارجمها ".
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه رجم الغامدية، ولم تقر إلا مرة واحدة؛ كما في " صحيح مسلم "، وغيره.
وكما أخرجه أبو داود، والنسائي من حديث خالد بن اللجلاج، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم رجلا أقر مرة واحدة (1) .
(1) • رواه أبو داود (2 / 232 - 233) ، وكذا البيهقي (8 / 218)، وأحمد (3 / 479) ؛ من طريق محمد بن عبد الله بن علاثة: ثنا عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن خالد
…
به.
وهذا سند فيه ضعف؛ لأن ابن علاثة، وشيخه عبد العزيز؛ كلاهما صدوق سيئ الحفظ؛ كما في " التقريب ".
ثم إن في الاستدلال بالحديث نظرا؛ لأن الاعتراف وقع من الرجل مرتين - عند أبي داود، والبيهقي -} (ن)
ومن ذلك: حديث الرجل الذي ادعت المرأة أنه وقع عليها، فأمر برجمه، ثم قام آخر فاعترف أنه الفاعل، فرجمه.
وفي رواية: أنه عفا عنه، والحديث في " سنن النسائي " و " الترمذي "(1) .
ومن ذلك رجم اليهودي واليهودية؛ فإنه لم ينقل أنهما كررا الإقرار، فلو كان الإقرار أربع مرات شرطا في حد الزاني؛ لما وقع منه صلى الله عليه وسلم المخالفة له في عدة قضايا.
فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد - بعد صدور الإقرار مرة - على من كان أمره ملتبسا في ثوب العقل وعدمه، والصحو والسكر؛ ونحو ذلك.
وأحاديث إقامة الحد - بعد الإقرار مرة - على من كان معروفا بصحة العقل ونحوه.
وأما اعتبار كون الشهود أربعة؛ فذلك لمزيد الاحتياط في الحدود؛ لكونها تسقط بالشبهة، ولا وجه للاحتياط بعد الإقرار؛ فإن إقرار الرجل على نفسه لا يبقى بعده ريبة؛ بخلاف شهادة الشهود عليه، وهذا أمر واضح.
(1) • في " سننه "(2 / 334 - 335) ؛ وصححه بالرواية الأولى.
والرواية الأخرى عند البيهقي (8 / 284) واشار إلى أنها خطأ.
قلت: وفي سند هذه أسباط بن نصر؛ وهو كثير الخطأ، كما في " التقريب ".
وللرواية الأولى طريق آخر عند الترمذي والبيهقي (8 / 235) .
ولها شاهد من حديث سهل بن سعد عند الحاكم (4 / 270) ؛ وصححه، ووافقه الذهبي؛ وفيه نظر؛ لأنه من طريق مسلم بن خالد الزنجي؛ وفيه ضعف، لكن لا بأس فيه في الشواهد. (ن)