الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قيل: أي فائدة في الحل لهم؛ وهم كفار ليسوا من أهل الشرع؟ {
فقال الزجاج: معناه حلال لكم أن تطعموهم، وأقول: معناه: حلال لهم إذا التزموا شريعتنا أكلوها.
وكان اليهود يزعمون أن بني إسرائيل لا يحل لهم ذبائح العرب، فبين الله - تعالى - أن الأحكام الشرعية لا تتفاوت بالنسبة إلى قوم دون قوم.
وعليه أهل العلم؛ أن ذبائح اليهود والنصارى حلال لنا، وذبائح المجوس لا تحل ".
وفي " الموطإ ": سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى العرب؟ فقال: لا بأس بها، وتلا هذه الآية:{ومن يتولهم منكم فإنه منهم} .
قلت: عليه أبو حنيفة.
وقال الشافعي: لا تحل ذبيحة المتنصر بعد التحريف والنسخ (1) ، والمشكوك فيه.
(
[ذبائح المسلمين على اختلاف نحلهم حلال] :)
أقول: ذبائح جميع المسلمين - على اختلاف نحلهم، وتبيان طرائقهم -
(1) • وقد ضعف هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاختيارات "(3 / 193) ؛ وهو حري بالضعف، واستغرب هذا القول من مثل الإمام الشافعي؛ لأن أهل الكتاب الذين كانوا في عهده صلى الله عليه وسلم وفيهم نزلت الآية المذكورة -؛ إنما كان كتابهم محرفا بنص القرآن، ولا فرق بين من كان منتسبا إلى من كان أبوه أو جده في ذلك الدين قبل التحريف أو بعده} (ن)
حلال؛ لأن الله جل جلاله إنما نهانا عن أكل ما لم يذكر عليه اسمه، وكل مسلم لا يذبح إلا ذاكرا لاسم الله تحقيقا أو تقديرا؛ على أي مذهب كان.
وذبائح أهل الكتاب تابعة لتحليل أطعمتهم؛ إما لصدق اسم الطعام عليها؛ أو لأنها من الإدام اللاحق للطعام.
ويؤيده أكله صلى الله عليه وسلم للشاة التي أهدتها له اليهودية من خيبر بعد طبخها لها.
ولا نسلم أن ذبائحهم مما لم يذكر عليه اسم الله، فإنهم يذبحون لله، وليسوا كأهل الكفر من غيرهم.
فالحاصل: أن الذبح الذي تحل به الذبيحة ما في حديث رافع بن خديج بلفظ: " ما أنهر الدم وذكر الله عليه فكلوا "؛ أخرجه الجماعة كلهم.
وذبيحة المسلم - على أي مذهب كان، وفي أي بدعة وقع - هي مما يذكر عليه اسم الله، ومع الالتباس؛ هل وقعت التسمية من المسلم أو لا؟
قد دل الدليل على الحل؛ لما أخرجه البخاري، والنسائي، وأبو داود، وابن ماجه، من حديث عائشة: قالت: يا رسول الله! إن قوما حديثو عهد بجاهلية يأتوننا باللحمان؛ لا ندري أذكروا اسم الله عليها؛ أم لم يذكروا؛ أنأكل منها أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اذكروا اسم الله وكلوا ".
فأمره صلى الله عليه وسلم بإعادة التسمية مشعر بأن ذبيحة من لم يسم - سواء كان مسلما أو غير مسلم - حلال.
ويحمل قوله - تعالى -: {ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} على عدم الذكر الكلي عند الذبح، وعند الأكل، وهو الظاهر من نفي ذكر اسم الله.
فاللحم إذا سمى عليه الآكل عند الأكل - والذابح كافر لم يسم - يكون مما ذكر عليه اسم الله - تعالى -، وهذا من الوضوح بمكان، ولا عبرة بخصوص السبب؛ وهو كون عائشة كان سؤالها عن اللحمان التي يأتي بها من المسلمين من كان حديث عهد بالجاهلية؛ بل الاعتبار بعموم اللفظ - كما تقرر في الأصول -.
والحق: أن ذبيحة الكافر حلال إذا ذكر عليها اسم الله، ولم يهل بها لغير الله؛ كالذبح للأوثان ونحوها.
فإن قلت: الكافر لا يذكر اسم الله على الذبيحة، وقد قال - تعالى -:{ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه} وقال: {فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه} وقال صلى الله عليه وسلم: " ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه "،
قلت: هذا لا يتم إلا بعد العلم بأن الكافر لا يذكر اسم الله على ذبيحته.
وأما الاحتجاج لعدم اشتراط التسمية بحديث اللحمان المتقدم؛ فليس فيه دليل على عدم اشتراط التسمية مطلقا؛ بل عدم اشتراطها عند الذبح.
وأما حديث: " ذبيحة المسلم حلال؛ ذكر اسم الله أو لم يذكر (1) "؛ فهو إما مرسل؛ أو موقوف؛ فكيف ينتهض لمعارضة الكتاب العزيز؟ !
(1) ضعفه شيخنا في " الإرواء "(2537) .
ثم هو خاص بالمسلم، والنزاع في الكافر، وكذلك الحديث الأول خاص بالمسلم؛ لقوله:" إن قوما حديثو عهد بالجاهلية "، فلا يتم الاستدلال به على عدم اشتراط التسمية مطلقا.
وحاصل البحث: أنه إذا ذبح الكافر ذاكرا لاسم الله عز وجل، غير ذابح لغير الله، وأنهر الدم، وفرى الأوداج؛ فليس في الآية ما يدل على تحريم هذه الذبيحة الواقعة على هذه الصفة.
فمن زعم أن الكافر خارج من بعد ذلك بعد أن ذبح لله تعالى وسمى؛ فالدليل عليه (1) .
وأما ذبح الكافر لغير الله؛ فهذه الذبيحة حرام؛ ولو كانت من مسلم.
وهكذا إذا ذبح غير ذاكر لاسم الله عز وجل؛ فإن إهمال التسمية منه كإهمال التسمية من مسلم حيث ذبحا جميعا لله عز وجل.
وإذا عرفت هذا؛ لاح لك أن الدليل على من قال باشتراط إسلام الذابح؛ لا على من قال بأنه لا يسقط، فلا حاجة إلى الاستدلال على عدم الاشتراط بما لا دلالة فيه على المطلوب؛ كالاحتجاج بقوله (2) صلى الله عليه وسلم:" لم ينه عن ذبائح المنافقين "؛ فإن المنافقين كان يعاملهم صلى الله عليه وسلم معاملة المسلمين في جميع الأحكام؛ عملا بما أظهروه من الإسلام، وجريا على الظاهر.
(1) • الدليل هو مفهوم قوله - تعالى -: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} . (ن)
(2)
لعل صوابه: بأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه
…
الخ. (ش)
قلت: بل هو نص حديث مرفوع رواه أبو داود في " المراسيل "(رقم 378) ، وضعفه الزيلعي في " نصب الراية "(4 / 183) .
وأما ما يقال من حكاية الإجماع على عدم حل ذبيحة الكافر؛ فدعوى الإجماع غير مسلمة، وعلى تقدير أن لها وجه صحة؛ فلا بد من حملها على ذبيحة كافر ذبح لغير الله، أو لم يذكر اسم الله تعالى.
وأما ذبيحة أهل الذمة؛ فقد دل على حلها القرآن الكريم: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} .
ومن قال: إن اللحم لا يتناوله الطعام؛ فقد قصر في البحث، ولم ينظر في كتب اللغة، ولا نظر في الأدلة الشرعية المصرحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل ذبائح أهل الكتاب؛ كما في أكله صلى الله عليه وسلم للشاة التي طبختها يهودية، وجعلت فيها سما، والقصة أشهر من أن تحتاج إلى التنبيه عليها.
ولا مستند للقول بتحريم ذبائحهم؛ إلا مجرد الشكوك والأوهام التي يبتلى بها من لم يرسخ قدمه في علم الشرع.
فإن قلت: قد يذبحونه لغير الله، أو بغير تسمية، أو على غير الصفة المشروعة في الذبح.
قلت: إن صح شيء من هذا (1) ؛ فالكلام في ذبيحته كالكلام في ذبيحة المسلم، إذا وقعت على أحد هذه الوجوه، وليس النزاع إلا في مجرد كون كفر الكتابي مانعا؛ لا كونه أخذ بشرط معتبر. انتهى.
(1) • يشير إلى أنه لا يشترط شيء من ذلك في طعام أهل الكتاب؛ كأنه تمسك بعموم الآية: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} .
واختار شيخ الإسلام اشتراط ذلك في بحث له مفيد في " اقتضاء الصراط المستقيم "(ص 120 - 123) .
ومن حجته؛ أن آية {وما أهل لغير الله به} ) - وما في معناها - عمومه محفوظ لم يخص منه صورة؛ بخلاف طعام الذين أوتوا الكتاب؛ فإنه يشترط له الذكاة المبيحة؛ فلو ذكى الكتابي في غير المحل المشروع لم تبح ذكاته
…
الخ كلامه؛ فراجعه. (ن)