الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ثبت أنهم في الجاهلية كانوا يخيرون المدعى عليهم، بين أن يحلفوا خمسين يمينا أو يسلموا الدية؛ كما في القسامة التي كانت في بني هاشم - كما أخرجه البخاري، والنسائي من حديث ابن عباس - وهي قصة طويلة، وفيها: أن القاتل كان معينا، وأن أبا طالب قال له: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل؛ فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فأخبرهم، فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم،؛ كانت قد ولدت منه، فقالت: يا أبا طالب {أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين، ولا تصبر (1) يمينه حيث تصبر الأيمان، ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب} أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل، فيصيب كل رجل منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما مني، ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان، فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده؛ ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف.
(
[على من تكون الدية إذا التبس الأمر
؟] :)
(وإن التبس الأمر كانت من بيت المال) ؛ لحديث سهل بن أبي حثمة، قال: انطلق عبد الله بن سهل، ومحيصة بن مسعود إلى خيبر وهي يومئذ صلح، فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا، فدفنه، ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة أبناء
(1) الصبر - في الأصل -: الحبس، واليمين المصبورة: المحبوسة.
وقيل لها ذلك؛ وإن كان صاحبها في الحقيقة هو المصبور - لأنه ألزم بها وحبس عليها، وكانت لازمة له من جهة الحكم؛ لأنه إنما صبر - أي: حبس - من أجلها؛ فوصفت بذلك مجازا. (ش)
مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال:" كبر كبر "، وهو أحدث القوم، فسكت، فتكلما، فقال:" أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم؟ "، فقالوا: كيف نحلف ولم نشهد ولم نر؟ {قال: " فتبرئكم اليهود بخمسين يمينا؟ " فقالوا: كيف نأخذ أيمان قوم كفار؟ فعقله النبي صلى الله عليه وسلم من عنده، وهو في " الصحيحين "، وغيرهما.
وفي لفظ: فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة.
وقد اختلف أهل العلم في كيفية القسامة اختلافا كثيرا، وما ذكره الماتن هو أقرب إلى الحق، وأوفق لقواعد الشريعة المطهرة.
وقد وقع في رواية من حديث سهل المذكور: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تقسم خمسون منكم على رجل منهم، فيدفع برمته "، فقالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟}
وقد أخرج أحمد والبيهقي، عن أبي سعيد، قال: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلا بين قريتين، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذرع ما بينهما، فوجد أقرب إلى أحد الجانبين بشبر، فألقى ديته عليهم.
قال البيهقي: تفرد به أبو إسرائيل عن عطية، ولا يحتج بهما.
وقال العقيلي: هذا الحديث ليس له أصل.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، والبيهقي، عن الشعبي: أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر، فأمرهم عمر بن الخطاب أن يقيسوا ما بينهما، فوجدوه إلى وادعة أقرب، فأحلفهم خمسين يمينا؛ كل رجل: ما قتلته، ولا
علمت قاتلا، ثم أغرمهم الدية، فقالوا: يا أمير المؤمنين {لا أيماننا دفعت عن أموالنا ولا أموالنا دفعت عن أيماننا، فقال عمر: كذلك الحق.
وأخرج نحوه الدارقطني، والبيهقي، عن سعيد بن المسيب، وفيه: أن عمر قال: إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر، وفيه عمر بن صبيح (1) ؛ أجمعوا على تركه.
وقال الشافعي: ليس بثابت؛ إنما رواه الشعبي، عن الحارث الأعور.
وهذا لا تقوم به حجة؛ لضعف إسناده - على فرض رفعه -.
وأما مع عدم الرفع؛ فليس في ذلك حجة؛ سواء ورد بإسناد صحيح أو غير صحيح، والرجوع إلى قسامة الجاهلية التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم هو الصواب، وقد تقدم ذكرها.
وقد أخرج أبو داود (2) من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار، عن رجل من الأنصار: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لليهود - وبدأ بهم -:
(1) صبيح؛ بالتصغير؛ كذا هو في " التقريب ".
وفي " التهذيب ": " صبح " بإسكان الباء؛ وضبطه بذلك الخزرجي في " الخلاصة ".
والحديث في " سنن الدارقطني "(ص 359) ؛ وفيه عمر بن صبيح؛ كما هنا؛ وعمر - هذا - كذاب يضع الحديث. (ش)
(2)
• في " سننه "(2 / 248) ، وعنه البيهقي (8 / 122) ؛ من طريق معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن يسار
…
به، وهذا سند صحيح.
لكن خولف معمر في لفظه، كما بينه البيهقي، ثم ابن القيم في " التهذيب "(6 / 323) ، فراجعه} (ن)
" يحلف منكم خمسون رجلا "، فأبوا، فقال للأنصار:" استحقوا "، فقالوا: نحلف على الغيب يا رسول الله؟ ! فجعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم دية على اليهود؛ لأنه وجد بين أظهرهم.
وهذا - إذا صح - لا يخالف ما ذكرناه من وجوب الدية على المتهمين إذا لم يحلفوا، ولكنه مخالف لما ثبت في " الصحيحين " إن كانت هذه القصة هي تلك القصة.
وقد قال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث ضعيف لا يلتفت إليه (1) .
(1) • أخذ المصنف هذا عن المنذري في " مختصره "، وهذا هو الصواب: أن الحديث ضعيف للمخالفة التي سبقت الإشارة إليها؛ فلا تغتر بما في " الجوهر النقي " لابن التركماني. (ن)