الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
[الإمام مخير في الحكم على المحاربين بالقتل أو الصلب أو القطع أو النفي] :)
(يفعل الإمام منها ما رأى فيه صلاحا لكل من قطع طريقا - ولو في المصر - إذا كان قد سعى في الأرض فسادا (1)) ؛ هذا ظاهر ما دل عليه الكتاب العزيز؛ من غير نظر إلى ما حدث من المذاهب (2) ؛ فإن الله - سبحانه - قال: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا} ، فضم إلى محاربة الله ورسوله - أي: معصيتهما - السعي في الأرض فسادا، فكان ذلك دليلا على أن من عصى الله ورسوله بالسعي في الأرض فسادا؛ كان حده ما ذكره الله في الآية.
ولما كانت الآية الكريمة نازلة في قطاع الطريق - وهم العرنيون -؛ كان دخول من قطع طريقا تحت عموم الآية دخولا أوليا.
ثم حصر الجزاء في قوله: {أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض} ، فخير بين هذه الأنواع؛ فكان للإمام أن يختار ما رأى فيه صلاحا منها.
فإن لم يكن إمام؛ فمن يقوم مقامه في ذلك من أهل الولايات.
فهذا ما يقتضيه نظم القرآن الكريم، ولم يأت من الأدلة النبوية ما
(1) • وحكاه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(28 / 310) عن بعض أهل العلم.
ولكنه في مكان آخر صرح بأن الآية ليست على التخيير ولا على الترتيب؛ بل بحسب الجرائم؛ في بحث له هام ودقيق؛ فليراجع في (16 / 75 - 79) . (ن)
(2)
• استصوبه ابن تيمية (28 / 315) . (ن)
يصرف ما يدل عليه القرآن الكريم عن معناه الذي تقتضيه لغة العرب.
وأما ما روي عن ابن عباس؛ كما أخرجه الشافعي في " مسنده ": أنه قال في قطاع الطريق: إذا قتلوا وأخذوا الأموال؛ صلبوا.
وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال؛ قتلوا ولم يصلبوا.
وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا؛ قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف.
وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا؛ نفوا من الأرض:
فليس هذا الاجتهاد مما تقوم به الحجة على أحد.
ولو فرضنا أنه في حكم التفسير للآية - وإن كان مخالفا لها غاية المخالفة -: ففي إسناده ابن أبي يحيى؛ وهو ضعيف جدا (1) ، لا تقوم بمثله الحجة.
وأما ما روي عن ابن عباس أيضا: أن الآية نزلت في المشركين - كما أخرجه أبو داود، والنسائي عنه (2) -:
فذلك مدفوع بأنها نزلت في العرنيين، وقد كانوا أسلموا؛ كما في الأمهات.
(1) • بل هو كذاب، كما شهد به يحيى بن سعيد القطان، وابن معين، وابن المديني، وغيرهم؛ واسمه إبراهيم بن محمد. (ن)
(2)
هو إلى الضعف أقرب، وانظر تفصيل ذلك في كتاب " مرويات ابن عباس في التفسير "(1 / 327) للدكتور عبد العزيز الحميدي.
ولو سلمنا ما روي عن ابن عباس؛ لم تقم به حجة من قال باختصاص ما في الآية بالمشركين؛ لما تقرر من أن الاعتبار بعموم اللفظ؛ لا بخصوص السبب.
على أن في إسناد ذلك: علي بن الحسين بن واقد، وهو ضعيف.
وقد ذهب إلى مثل ما ذهبنا إليه جماعة من السلف؛ كالحسن البصري، وابن المسيب، ومجاهد.
وأسعد الناس بالحق: من كان معه كتاب الله.
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرنيين: أنه فعل بهم أحد الأنواع المذكورة في الآية، وهو القطع؛ كما في " الصحيحين "، وغيرهما من حديث أنس.
والمراد بالصلب المذكور في الآية: هو الصلب على الجذوع أو نحوها حتى يموت؛ إذا رأى الإمام ذلك، أو يصلبه صلبا لا يموت فيه؛ فإن اسم الصلب يصدق على الصلب المفضي إلى الموت، والصلب الذي لا يفضي إلى الموت.
ولو فرضنا أنه يختص بالصلب المفضي إلى الموت؛ لم يكن في ذلك تكرار بعد ذكر القتل؛ لأن الصلب هو قتل خاص.
وأما النفي من الأرض؛ فهو طرده من الأرض التي أفسد فيها.
وقد قيل: إنه الحبس؛ وهو خلاف المعنى العربي.