الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافعي: لا تسقط بالإسلام ولا بالموت؛ لأنه دين حل عليه كسائر الديون ". انتهى.
(
[بيان منع المشركين وأهل الذمة من توطن جزيرة العرب] :)
(ويمنع المشركون وأهل الذمة من السكون من (1) جزيرة العرب) ؛ لحديث ابن عباس - في " الصحيحين "، وغيرهما -: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى عند موته بثلاث: " أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم "، ونسيت الثالثة - والشك (2) من سليمان الأحول -.
وأخرج مسلم، وغيره من حديث عمر: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب،؛ حتى لا أدع فيها إلا مسلما ".
وأخرج أحمد من حديث عائشة: أن آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن قال: " لا يترك بجزيرة العرب دينان ":
وهو من رواية ابن إسحاق؛ قال: حدثني صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عنها (3) .
(1) سكن: يتعدى بنفسه وبالباء وب (في) .
وأما ب (من) ؛ فلم أره، ولا أظنه صحيحا؛ بل هو استعمال ينبو عن كلام الفصحاء. (ش)
(2)
• والصواب: والنسيان. (ن)
(3)
• وسنده حسن (ن) .
والأدلة - هذه - قد دلت على إخراج كل مشرك من جزيرة العرب؛ سواء كان ذميا أو غير ذمي، وقيل: إنما يمنعون من الحجاز فقط؛ استدلالا بما أخرجه أحمد (1) ، والبيهقي من حديث أبي عبيدة بن الجراح، قال: آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: " أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب ".
وهذا لا يصلح لتخصيص العام؛ لما تقرر في الأصول من أن التخصيص بموافق العام لا يصح.
وقد حكى ابن حجر في " فتح الباري " عن الجمهور: أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة؛ قال: وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها؛ لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم الجزيرة (2) .
وعن الحنفية: يجوز مطلقا؛ إلا المسجد الحرام.
وعن مالك: يجوز دخولهم الحرم للتجارة.
وقال الشافعي: لا يدخلون الحرم أصلا؛ إلا بإذن الإمام.
أقول: الأحاديث مصرحة بإخراج اليهود من جزيرة العرب، وذكر الحجاز هو من التنصيص على بعض أفراد العام لا من تخصيصه؛ لأنه قد
(1) • في " المسند "(رقم 1691، 1694، 1699) ، وسنده صحيح. (ن)
(2)
• في " القاموس ": " وجزيرة العرب ما أحاط به بحر الهند وبحر الشام، ثم دجلة والفرات، أو ما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا، ومن جدة إلى أطراف ريف العراق عرضا ".
قال: " والحجاز: مكة، والمدينة، والطائف، ومخاليفها؛ لأنها حجزت بين نجد وتهامة ".
تقرر في الأصول: أن مفاهيم اللقب لا يجوز العمل بها إجماعا؛ إلا عند الدقاق.
ولفظ الحجاز يدل على أن غيره من مواضع الجزيرة يخالفه بمفهوم لقبه؛ هذا هو الصواب الذي ينبغي التعويل عليه.
وقد جمع المغربي - مؤلف شرح " بلوغ المرام " - رسالة رجح فيها التخصيص، وقد دفعها الماتن رحمه الله بأبحاث، ليس هذا موضع ذكرها.
قال في " المسوى " - في باب لا يدخل المسجد الحرام كافر -:
" قال الله - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله} ".
قلت: قوله {فلا يقربوا المسجد الحرام} : معناه المسجد الحرام وما حوله من الحرم (1) ؛ يدل عليه قوله - تعالى -: {وإن خفتم عيلة} ، وعليه أهل العلم؛ قالوا: لا يجوز لكافر أن يدخل الحرم بحال؛ سواء كان ذميا أو لم يكن، وإذا جاء رسول من دار الكفر إلى الإمام، وهو في الحرم؛ فلا يأذن في دخوله بل يخرج الإمام إليه، أو يبعث من يسمع رسالته.
قلت: قد صح في غير حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل الكفار في مسجده.
(1) • ويؤيده أمره صلى الله عليه وسلم عليا قبيل حجة الوداع أن ينادي في المشركين: أن لا يحج بعد هذا العام مشرك؛ فإن هذا يستلزم الوقوف بعرفة والمزدلفة وغيرهما (ن) .
من ذلك: ربط ثمامة بن أثال بسارية من سواري المسجد:
فقال الشافعي: لا يدخلون المسجد إلا بإذن مسلم.
وقال آخرون: يجوز له الدخول ولو بغير إذن، وتأويل الآية على قولهم: أنهم أخيفوا بالجزية.
أقول: لا ريب أن مواطن العبادة المعدة للمسلمين ينبغي تنزيهها من أدران المشركين؛ فهم الذين لا يتطهرون من جنابة، ولا يغتسلون من نجاسة، فإن كان تلويثهم لمساجد المسلمين بالنجاسات، او استهزاؤهم بالعبادة مظنونا؛ فذلك مفسدة، وكل مفسدة ممنوعة؛ ما لم يعارضها مظنة إسلام من دخل منهم المسجد؛ لما يسمعه ويراه من المسلمين؛ فإن تلك المفسدة مغتفرة بجنب هذه المصلحة التي لا يقدر قدرها.
وأما إذا كان تلويثهم المسجد غير مظنون؛ فلا وجه للمنع؛ ولا سيما قد تقرر أنه صلى الله عليه وسلم كان ينزل كثيرا من وفود المشركين مسجده الشريف، وهو أفضل من غيره من المساجد؛ غير المسجد الحرام ".
ثم قال في " المسوى ":
" قال مالك: قال ابن شهاب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلى يهود خيبر.
قال مالك: وقد أجلى عمر بن الخطاب يهود نجران، وفدك.
فأما يهود خيبر؛ فخرجوا منها، ليس لهم من الثمر ولا من الأرض شيء.