الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي " مسلم " من حديث أنس: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ الثمانين النفر، الذين هبطوا عليه وأصحابه من جبال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقهم، فأنزل الله عز وجل:{وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة} الآية.
وقد ذهب الجمهور إلى أن الإمام يفعل ما هو الأحوط للإسلام والمسلمين في الأسارى؛ فيقتل، أو يأخذ الفداء، أو يمن.
وقال الزهري، ومجاهد، وطائفة: لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا.
وعن الحسن، وعطاء: لا يقتل الأسير؛ بل يتخير بين المن والفداء.
وعن مالك: لا يجوز المن بغير فداء.
وعن الحنفية: لا يجوز المن أصلا؛ لا بفداء ولا بغيره.
(
[الفصل الثالث: أحكام الأسير والجاسوس والهدنة] )
(
[بيان جواز استرقاق الكفار من عرب أو عجم] :)
(ويجوز استرقاق العرب) ؛ لأن الأدلة الصحيحة قد دلت على جواز استرقاق الكفار؛ من غير فرق بين عربي وعجمي، وذكر وأنثى، ولم يقم دليل يصلح للتمسك قط في تخصيص أسر العرب بعدم جواز استرقاقهم؛ بل الأدلة قائمة متكاثرة على أن حكمهم حكم سائر المشركين.
منها: حديث أبي هريرة في " الصحيحين "، وغيرهما: أنها كانت عند عائشة سبية من بني تميم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أعتقيها؛ فإنها من ولد إسماعيل ".
وأخرج البخاري، وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين جاء وفد هوازن مسلمين، فسألوه أن يرد عليهم أموالهم وسبيهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أحب الحديث إلي أصدقه، فاختاروا إحدى الطائفتين؛ إما السبي، وإما المال
…
" الحديث.
وفي " الصحيحين "، وغيرهما من حديث ابن عمر: أن جويرية بنت الحارث - من سبي بني المصطلق - كاتبت عن نفسها، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يقضي كتابتها، فلما تزوجها؛ قال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم! فأرسلوا ما بأيديهم من السبي.
وأخرجه أحمد من حديث عائشة.
وقد ذهب إلى جواز استرقاق العرب: الجمهور.
وحكى في " البحر " عن الحنفية: أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام، أو السيف، واستدل بقوله - تعالى - {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} الآية.
ولا يخفى أنه لا دليل في الآية على المطلوب، ولو سلم ذلك؛ كان ما وقع منه صلى الله عليه وسلم مخصصا لذلك، وقد صرح القرآن الكريم بالتخيير بين المن
والفداء، فقال:{فإما منا بعد وإما فداء} ، ولم يفرق بين عربي وعجمي.
واستدلوا أيضا بما أخرجه الشافعي، والبيهقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم حنين: " لو كان الاسترقاق جائزا على العرب؛ لكان اليوم؛ إنما هو أسرى "، وفي إسناده الواقدي، وهو ضعيف جدا.
ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد بن عياض، وهو أشد ضعفا من الواقدي.
وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفدية من ذكور العرب في بدر، وهو فرع الاسترقاق.
أقول: فقد سبى صلى الله عليه وسلم جماعة من بني تميم، وأمر عائشة أن تعتق منهم كما تقدم.
وبالغ صلى الله عليه وسلم؛ فقال: " من فعل كذا؛ فكأنما أعتق رقبة من ولد إسماعيل "، وقال لأهل مكة:" اذهبوا فأنتم الطلقاء "(1) .
والحاصل: أن الواجب الوقوف على ما دلت عليه الأدلة الكثيرة الصحيحة؛ من التخيير في كل مشرك بين القتل، والمن، والفداء، والاسترقاق، فمن ادعى تخصيص نوع منهم، أو فرد من أفرادهم؛ فهو مطالب بالدليل.
(1) • هذا الحديث مشهور في السيرة، ولم أقف له على إسناد صحيح.
وإنما رواه ابن إسحاق بسند معضل، كما تبين من مراجعة " تاريخ ابن كثير "(4 / 300 - 301) . (ن)