الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- مطولا -، وفيه: أن مدة الصلح بينه صلى الله عليه وسلم وبين قريش عشر سنين.
وقد اختلف أهل العلم في جواز مصالحة الكفار على رد من جاء منهم مسلما، وفعله صلى الله عليه وسلم قد دل على جواز ذلك، ولم يثبت ما يقتضي نسخه.
(
[بيان قدر مدة الصلح مع الكفار] :)
وأما قدر مدة الصلح؛ فذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز أن يكون أكثر من عشر سنين؛ لأن الله - سبحانه - قد أمرنا بمقاتلة الكفار في كتابه العزيز، فلا يجوز مصالحتهم بدون شيء من جزية أو نحوها، ولكنه لما وقع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان دليلا على الجواز إلى المدة التي وقع الصلح عليها، ولا تجوز الزيادة عليها رجوعا إلى الأصل، وهو وجوب مقاتلة الكفار ومناجزتهم الحرب.
وقد قيل: إنها لا تجوز مجاوزة أربع سنين، وقيل: ثلاث سنين، وقيل: لا تجوز مجاوز سنتين.
(
[تفصيل القول في جواز تأبيد المهادنة بالجزية] :)
(ويجوز تأبيد المهادنة بالجزية) ؛ لما تقدم من أمره صلى الله عليه وسلم بدعاء الكفار إلى إحدى ثلاث خصال؛ منها الجزية.
وحديث عمرو بن عوف الأنصاري - في " الصحيحين "، وغيرهما -: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين، أمر
عليهم العلاء ابن الحضرمي.
وأخرج أبو عبيد (1)، عن الزهري - مرسلا - قال: قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجزية من أهل البحرين، وكانوا مجوسا.
وأخرج أبو داود (2) من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خالدا إلى أكيدر دومة (3) ، فأخذوه فأتوا به، فحقن دمه، وصالح على الجزية.
وأخرج أبو عبيد في كتاب " الأموال "، عن الزهري: أن أول من أعطى الجزية أهل نجران، وكانوا نصارى.
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم على أهل اليمن؛ على كل حالم دينارا كل سنة، أو قيمته من المعافري (4)، يعني: أهل الذمة منهم؛ رواه الشافعي في " مسنده " عن عمر بن عبد العزيز، وهو ثابت في حديث معاذ المشهور عند أبي داود.
وأخرج البخاري، وغيره من حديث المغيرة بن شعبة: أنه قال لعامل كسرى: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده، أو تؤدوا الجزية.
(1) في " الأموال "(203) ، وابن زنجويه (642) ؛ وعبد الرزاق في " المصنف "(10 / 326) ، وهو ضعيف لإرساله!
(2)
• في " سننه "(2 / 44) ، ورجاله ثقات؛ لكن محمد بن إسحاق مدلس؛ وقد عنعنه.
وسكت عنه المنذري في " مختصره "(4 / 249) . (ن)
(3)
• وهو رجل من العرب؛ يقال: هو من غسان؛ قاله الخطابي في " المعالم ". (ن)
(4)
• ثياب تكون باليمن، كما صرح به بعض الرواة في آخر حديث معاذ - المشار إليه فيما يأتي في الكتاب -؛ وهو عند أبي داود (2 / 44) بسند صحيح. (ن)
وأخرج البخاري عن ابن أبي نجيح، قال: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير؛ وأهل اليمن عليهم دينار؟ {قال: جعل ذلك من قبيل اليسار.
وقد وقع الاتفاق على أنها تقبل الجزية من كفار العجم؛ من اليهود، والنصارى، والمجوس.
قال مالك والأوزاعي وفقهاء الشام: إنها تقبل من جميع الكفار؛ من العرب وغيرهم (1) .
وقال الشافعي: إن الجزية تقبل من أهل الكتاب؛ عربا كانوا أو عجما، ويلحق بهم المجوس في ذلك.
وقد استدل من لم يجوز أخذها إلا من العجم فقط؛ بما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد (2)، والترمذي - وحسنه -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقريش؛ أنه يريد منهم كلمة، تدين لهم بها العرب، ويؤدي إليهم بها العجم الجزية؛ يعني: كلمة الشهادة.
(1) • وهذا الذي رجحه ابن تيمية، حتى ولو كانوا مشركين غير أهل كتاب؛ انظر رسالته:" قاعدة في قتال الكافر ". (ن)
(2)
• في " المسند "(رقم 2008، 3419) ، والترمذي (4 / 172 - 173) ، وكذا الحاكم (2 / 432)، وقال:" صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي - كلهم -؛ من طريق يحيى بن عمارة، عن سعيد بن جبير، عنه وقال الترمذي:" حسن صحيح ".
كذا قالوا} ويحيى - هذا - في اسمه اختلاف؛ ولم يوثقه غير ابن حبان، والذهبي يقول فيه:" تفرد عنه الأعمش "؛ فهو في حكم المجهول، ولهذا قال الحافظ: إنه مقبول، يعني: عند المتابعة وإلا فلين الحديث.
فالحديث في نقدي ضعيف، والله أعلم. (ن)
وليس هذا مما ينفي أخذ الجزية من العرب؛ ولا سيما مع قوله صلى الله عليه وسلم في حديث سليمان بن بريدة - المتقدم -: " وإذا لقيت عدوك من المشركين؛ فادعهم إلى ثلاث خصال - أو خلال - "، وفيها الجزية.
قال في " المسوى " - في باب أخذ الجزية من أهل الكتاب -:
" قال - تعالى -: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} .
قلت: عليه أهل العلم في الجملة.
وقال الشافعي: الجزية على الأديان لا على الأنساب؛ فتؤخذ من أهل الكتاب؛ عربا كانوا أو عجما، ولا تؤخذ من أهل الأوثان.
والمجوس لهم شبهة كتاب.
وقال أبو حنيفة: لا يقبل من العرب إلا الإسلام أو السيف.
وفي حديث ابن شهاب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس البحرين، وأن عمر بن الخطاب أخذها من البربر (1) .
وفي حديث جعفر بن علي بن محمد، عن أبيه: أن عمر بن الخطاب ذكر المجوس، فقال: ما أدري كيف أصنع في أمرهم؟ ! فقال عبد الرحمن بن
(1) • " البربر: جيل، الجمع: البرابرة، وهم بالغرب، وأمة أخرى بين الحبوش والزنج ": " قاموس ". (ن)