الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا يحل شيء منها إلا بدليل شرعي.
والمراد بالإجازة على الجريح، والإجهاز، والتذفيف: أن يتمم قتله ويسرع فيه.
(
[بيان أنه لا قصاص في أيام الفتنة] :)
وما حكاه الزهري من الإجماع على عدم القود؛ يدل على أنه لا قصاص في أيام الفتنة، وقد أخرج هذا الأثر - عن الزهري - البيهقي؛ بلفظ:
هاجت الفتنة الأولى، فأدركت - يعني: الفتنة - رجالا ذوي عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ممن شهد معه بدرا، وبلغنا أنهم يرون أن هذا أمر الفتنة؛ لا يقام فيها على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاص فيمن قتل، ولا حد في سبي امرأة سبيت، ولا يرى عليها حد، ولا بينها وبين زوجها ملاعنة، ولا يرى أن يقذفها أحد إلا جلد الحد، ويرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد عدتها من زوجها الآخر، ويرى أن يرثها زوجها الأول ". انتهى.
قال في " البحر ": ولا يجوز سبيهم، ولا اغتنام ما لم يجلبوا به إجماعا؛ لبقائهم على الملة.
وحكى عن النفس الزكية، والحنفية، والشافعية: أنه لا يغنم منهم شيء.
(
[بيان حكم من حارب عليا رضي الله عنه] :)
أقول: وأما الكلام فيمن حارب عليا - كرم الله وجهه -؛ فلا شك ولا
شبهة أن الحق بيده في جميع مواطنه.
أما طلحة والزبير ومن معهم؛ فلأنهم قد كانوا بايعوه، فنكثوا بيعته بغيا عليه، وخرجوا في جيوش من المسلمين، فوجب عليه قتالهم.
وأما قتاله للخوارج؛ فلا ريب في ذلك، والأحاديث المتواترة قد دلت على أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
وأما أهل صفين؛ فبغيهم ظاهر؛ لو لم يكن في ذلك إلا قوله صلى الله عليه وسلم لعمار: " تقتلك الفئة الباغية "؛ لكان ذلك مفيدا للمطلوب.
ثم ليس معاوية ممن يصلح لمعارضة علي، ولكنه أراد طلب الرياسة والدنيا بين قوم أغتام (1) ؛ لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا، فخادعهم بأنه طلب بدم عثمان، فنفق ذلك عليهم، وبذلوا بين يديه دماءهم وأموالهم، ونصحوا له؛ حتى كان يقول علي لأهل العراق أنه يود أن يصرف العشرة منهم بواحد من أهل الشام صرف الدراهم بالدينار.
وليس العجب من مثل عوام الشام؛ إنما العجب ممن له بصيرة ودين كبعض الصحابة المائلين إليه، بعض فضلاء التابعين، فليت شعري؛ أي أمر اشتبه عليهم في ذلك الأمر؛ حتى نصروا المبطلين وخذلوا المحقين؛ وقد سمعوا قول الله - تعالى -:{فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله} ، وسمعوا الأحاديث المتواترة في تحريم عصيان
(1) الغتمة - بضم الغين المعجمة وإسكان التاء -: عجمة في المنطق؛ ورجل أغتم: لا يفصح شيئا. (ش)
الأئمة ما لم يروا كفرا بواحا، وسمعوا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار أنه:" تقتله الفئة الباغية "؟ {
ولولا عظيم قدر الصحابة، ورفيع فضل خير القرون؛ لقلت: حب الشرف والمال قد فتن سلف هذه الأمة كما فتن خلفها} اللهم غفرا (1){}
ثم اعلم أنه قد جاء القرآن والسنة بتسمية من قاتل المحقين باغيا كما في الآية المتقدمة، وحديث عمار بن ياسر المتقدم، فالباغي مؤمن يخرج عن طاعة الإمام التي أوجبها الله - تعالى - على عباده، ويقدح عليه في القيام بمصالح المسلمين، ودفع مفاسدهم من غير بصيرة، ولا على وجه المناصحة، فإن انضم إلى ذلك المحاربة له والقيام في وجهه؛ فقد تم البغي، وبلغ إلى غايته، وصار كل فرد من أفراد المسلمين مطالبا بمقاتلته؛ لقوله سبحانه وتعالى:{فإن بغت إحداهما} الآية.
وليس القعود عن نصرة الحق من الورع؛ بعد قول الله عز وجل: {فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي} .
والحاصل: أنه إذا تبين الباغي ولم يلتبس، ولا دخل في الصلح؛ كان
(1) دخل الشارح في مأزق لا قبل له به، ولا قوة لديه فيه {فما له وما للصحابة؟} ورحم الله امرءا عرف قدر نفسه {والحاضر يرى ما لا يرى الغائب} وهذه الفتن قد تنسي الحليم نفسه، والذكي عقله {فلا ندري عذر من كان مع معاوية من الصحابة رضي الله عنهم؟}
وقد غلب على الشارح ما يغلب على الأعجام من التشيع المزري بأهل الأنصاف {
وظهور الحجة، وقيام الأدلة على أن الحق بجانب علي؛ لا يسيغ لنا أن نحكم بالبغي على الصحابة الذين خالفوه؛ فقد تكون لهم أعذار لا نعلمها}
ومآل الجميع إلى مولاهم؛ يحاسبهم ويقضي بينهم يوم الفصل؛ والله أعلم! (ش)
القعود عن مقاتلته خلاف ما أمر الله به، وأما مع اللبس؛ فلا وجوب حتى يتبين المحق من المبطل؛ لكن يجب السعي في الصلح كما أمر الله به.
وليس من البغي إظهار كون الإمام سلك في اجتهاده في مسألة أو مسائل طريق مخالفة لما يقتضيه الدليل؛ فإنه ما زال المجتهدون هكذا، ولكنه ينبغي لمن ظهر له غلط الإمام أن يناصحه، ولا يظهر الشناعة عليه على رؤوس الأشهاد؛ بل كما ورد في الحديث: أنه يأخذ بيده، ويخلو به ويبذل له النصيحة (1) ، ولا يذل سلطان الله.
ولا يجوز الخروج على الأئمة - وإن بلغوا في الظلم أي مبلغ -؛ ما أقاموا الصلاة (2) ، ولم يظهر منهم الكفر البواح، والأحاديث الواردة بهذا المعنى متواترة، ولكن على المأموم أن يطيع الإمام في طاعة الله، ويعصيه في معصية الله؛ فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وقد ابتلي علي رضي الله عنه بقتال البغاة على اختلاف أنواعهم، وإذا كانت الإمامة الإسلامية مختصة بواحد، والأمور راجعة إليه مربوطة به كما كان في أيام الصحابة والتابعين وتابعيهم -؛ فحكم الشرع في الثاني الذي جاء بعد ثبوت ولاية الأول؛ أن يقتل إذا لم يتب عن المنازعة.
وأما إذا بايع كل واحد منهما جماعة في وقت واحد؛ فليس أحدهما أولى من الآخر؛ بل يجب على أهل الحل والعقد أن يأخذوا على أيديهما، حتى يجعل الأمر في أحدهما، فإن استمرا على التخالف؛ كان على أهل
(1) انظر " السنة "(1096) لابن أبي عاصم.
(2)
• كما في حديث عوف بن مالك في " صحيح مسلم "(6 / 24) .
ونحوه حديث أم سلمة عنده (6 / 23) .
وحديث عوف يأتي. (ن)
الحل والعقد أن يختاروا منهما من هو أصلح للمسلمين، ولا تخفى وجوه الترجيح على المتأهلين لذلك.
وأما بعد انتشار الإسلام، واتساع رقعته، وتباعد أطرافه؛ فمعلوم أنه قد صار في كل قطر أو أقطار الولاية إلى إمام، أو سلطان، وفي القطر الآخر أو الأقطار كذلك، ولا ينفذ لبعضهم أمر ولا نهي في غير قطره، أو أقطاره التي رجعت إلى ولايته.
فلا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، وتجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة على أهل القطر الذي ينفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر.
فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبت فيه ولايته، وبايعه أهله؛ كان الحكم فيه أن يقتل إذا لم يتب، ولا يجب على أهل القطر الآخر طاعته، ولا الدخول تحت ولايته؛ لتباعد الأقطار؛ فإنه قد لا يبلغ إلى ما تباعد منها خبر إمامها أو سلطانها، ولا يدري من قام منهم أو مات.
فالتكليف بالطاعة - والحال هذه -؛ تكليف بما لا يطاق، وهذا معلوم لكل من له اطلاع على أحوال العباد والبلاد؛ فإن أهل الصين والهند لا يدرون بمن له الولاية في أرض المغرب؛ فضلا عن أن يتمكنوا من طاعته، وهكذا العكس، وكذلك أهل ما وراء النهر؛ لا يدرون بمن له الولاية في اليمن، وهكذا العكس.
فاعرف هذا؛ فإنه المناسب للقواعد الشرعية، والمطابق لما يدل عليه