الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أدلة الحل العامة.
وقد قيل: إن من أسباب التحريم الأمر بقتل الشيء كالخمس؛ الفواسق والوزغ (1) ونحو ذلك، والنهي عن قتله؛ كالنملة والنحلة والهدهد والصرد (2) والضفدع ونحو ذلك، ولم يأت عن الشارع ما يفيد تحريم أكل ما أمر بقتله، أو نهي عن قتله حتى يكون الأمر والنهي دليلين على ذلك، ولا ملازمة عقلية ولا عرفية، فلا وجه لجعل ذلك أصلا من أصول التحريم.
بل إن كان المأمور بقتله أو المنهي عن قتله مما يدخل في الخبائث؛ كان تحريمه بالآية الكريمة، وإن لم يكن من ذلك؛ كان حلالا عملا بما أسلفنا من أصالة الحل، وقيام الأدلة الكلية على ذلك، ولهذا قلنا:
(
[الكلام فيما عدا السابق] :)
(وما عدا ذلك فهو حلال)، قال الشافعي: ما لم يرد فيه نص تحريم، ولا تحليل، ولا أمر بقتله، ولا نهي عن قتله؛ فالمرجع فيه إلى العرب من سكان البلاد والقرى دون أجلاف البوادي، فإن استطابته العرب، أو سمته باسم حيوان حلال؛ فهو حلال، وإن استخبثته، أو سمته باسم حيوان حرام؛ فهو حرام.
فأما ما أمر الشرع بقتله، أو نهى عن قتله؛ فلا يكون حلالا، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " خمس يقتلن في الحل والحرم
…
" الحديث، وأمر بقتل الوزغ، ونهى عن قتل أربعة من الدواب:
(1) • هو سام أبرص. (ن)
(2)
• هو طائر ضخم الرأس والمنقار، له ريش عظيم، نصفه أبيض، ونصفه أسود. (ن)
النملة، والنحلة، والصرد، والهدهد.
وبالجملة: فتحل الطيبات، وتحرم الخبائث لقوله - تعالى -:{ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} ، والطيبات: ما تستطيبه العرب، وتستلذه من غير أن [يكون قد] ورد بتحريمه نص من كتاب أو سنة.
قال الماتن في " حاشية الشفاء ":
" إن القول بكراهية أكل الأرنب لا مستند له؛ بخلاف الضب؛ فإنه قد ورد النهي عن أكله؛ كما أخرجه أبو داود (1) .
(1) • أخرجه في " سننه "(2 / 143) ؛ من طريق إسماعيل بن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب.
ومن هذا الوجه أخرجه البيهقي (9 / 326) ؛ وضعفه بقوله: " تفرد به إسماعيل؛ وليس بحجة، وما مضى في إباحته أصح منه ".
وقال الخطابي في " المعالم "(5 / 310) : " ليس إسناده بذاك "؛ وأقره المنذري في " مختصر السنن "، ثم الزيلعي في " نصب الراية "(4 / 195) .
وأما ابن التركماني؛ فرد ذلك بأن ضمضم حمصي، " وابن عياش إذا روى عن الشاميين؛ كان حديثه صحيحا
…
".
وهذا تعقب صحيح! لكن الذي حمل هؤلاء الأئمة على تضعيف حديث ابن عياش هذا؛ كونه مخالفا لما في " الصحيحين " وغيرهما؛ سيما وأن شيخه ضمضم قد ضعفه أبو حاتم، وإن وثقه ابن معين وغيره، والله أعلم.
ثم رأيت الحافظ ابن حجر صرح في " الفتح "(9 / 547) بأن إسناد الحديث حسن، ثم رد على البيهقي والخطابي تضعيفهما، ثم حمله على أن النهي فيه كان أول الأمر عند تجويز أن يكون الضب مما مسخ، كما في حديث مسلم، ثم لما علم أن الممسوخ لا نسل له - كما في قوله: " إن الله لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا؛ وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك؛ رواه مسلم (8 / 55) -؛ أذن فيه، وكان هو صلى الله عليه وسلم يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه. (ن)
وثبت في " صحيح مسلم " أنه صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الله غضب على سبط من بني إسرائيل فمسخهم دواب، ولا أدري لعل هذا منها ".
والنهي حقيقة في التحريم، لولا ما ثبت في " الصحيحين " من حديث جماعة من الصحابة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لهم بأكل الضب، فقال لهم:" كلوه فإنه حلال، ولكن ليس من طعامي "؛ فإن هذا الحديث يصرف النهي عن حقيقته إلى مجازه - وهو الكراهة -.
وحديث تردده صلى الله عليه وسلم في كونه ممسوخا مؤيد لذلك.
وأما أكل التراب؛ فلم يصح في المنع منه شيء؛ لكنه من أسباب العلل الصعبة، التي يتأثر عنها انحلال البنية، وقد نهى الله - سبحانه - عن قتل الأنفس.