الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بينكم بالباطل} ، وكل ما دل على تحريم مال الغير دل على ذلك؛ لأنه مال.
وإنما خص منه ما ورد فيه دليل يخصه؛ كالضيف إذا حرمه من يجب عليه ضيافته؛ كما مر.
(
[أمثلة على أكل مال الغير] :)
(ومن ذلك: حلب ماشيته، وأخذ ثمرته وزرعه لا يجوز إلا بإذنه؛ إلا أن يكون محتاجا إلى ذلك؛ فليناد صاحب الإبل، أو الحائط، فإن أجابه؛ وإلا فليشرب، وليأكل غير متخذ خبنة (1)) ؛ للأدلة العامة والخاصة.
أما العامة؛ فظاهر كالآية الكريمة، وحديث خطبة الوداع، ونحو ذلك.
وأما الأدلة الخاصة فمثل: حديث ابن عمر في " الصحيحين ": أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" لا يحلبن أحدكم ماشية أحد إلا بإذنه؛ أيحب أحدكم أن يؤتى مشربته فينتثل (2) طعامه؟ وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه ".
وأخرج أحمد من حديث عمير مولى آبي اللحم، قال: " أقبلت مع سادتي نريد الهجرة، حتى إذا دنونا من المدينة، قال: فدخلوا وخلفوني في ظهرهم، فأصابتني مجاعة شديدة، قال: فمر بي بعض من يخرج من المدينة،
(1) • الخبنة: معطف الإزار وطرف الثوب؛ أي: لا يأخذ منه في ثوبه. (ن)
(2)
انتثله؛ أي: استخرجه وأخذه. (ش)
فقالوا: لو دخلت المدينة فأصبت من تمر حوائطها، قال: فدخلت حائطا، فقطعت منه قنوين، فأتاني صاحب الحائط، وأتى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخبره خبري، وعلي ثوبان، فقال لي:" أيهما أفضل؟ "، فأشرت إلى أحدهما، فقال:" خذه وأعط صاحب الحائط الآخر "، فخلى سبيلي "، وفي إسناده ابن لهيعة (1) .
وله طريق أخرى عند أحمد، وفي إسنادها أيضا أبو بكر بن يزيد بن المهاجر؛ غير معروف الحال.
وقد أعل هذا الحديث بأن في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد ابن زيد، وهو ضعيف (2) .
وأخرج أحمد، والترمذي، وابن ماجه، من حديث ابن عمر، قال: سئل
(1) • وكذا في " النيل "(8 / 127) - نقلا عن " مجمع الزوائد " -!
ولم أجد لهذا الحديث في " المسند " إلا طريقا واحدا؛ أخرجه (5 / 223) من طريق عبد الرحمن ابن إسحاق: حدثني أبي، عن عمه، وعن أبي بكر بن زيد بن المهاجر، أنهما سمعا عميرا
…
قلت: وهذا سند حسن عندي؛ فإن رجاله كلهم ثقات معروفون، وأبو بكر بن زيد بن المهاجر: هو محمد بن زيد بن المهاجر، كما جزم به الحافظ في " التعجيل "، وهو ثقة من رجال مسلم؛ وعبد الرحمن بن إسحاق: هو ابن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري؛ ثقة أيضا من رجال مسلم، وفيه ضعف يسير؛ وأبوه ثقة؛ وعمه لم أعرفه؛ ولا يضر؛ فإنه مقرون بأبي بكر.
ثم وجدت الحديث في " المستدرك "(4 / 132 - 133) ؛ وقال: " صحيح الإسناد "، ووافقه الذهبي. (ن)
(2)
• هذا مشكل؛ فإن محمد بن زيد: هو أبو بكر، وهو ثقة عندنا - كما سلف -، ومجهول الحال عند المؤلف؛ فكيف يقول الآن:" وهو ضعيف ".
وإن رجعنا الضمير إلى عبد الرحمن بن إسحاق؛ فهو خطأ أيضا؛ لأنه ليس في هذه المنزلة من الضعف؛ بحيث يسوغ القول فيه أنه ضعيف. (ن)
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يدخل الحائط؟ فقال: " يأكل غير متخذ خبنة ".
وأخرج أبو داود، والترمذي، - وصححه - من حديث سمرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم على ماشية؛ فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه، فإن أذن له فليحتلب وليشرب، وإن لم يكن فيها أحد فليصوت ثلاثا، فإن أجابه أحد فليستأذنه، فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب، ولا يحمل "، وهو من سماع الحسن عن سمرة، وفيه مقال معروف.
وأخرج أحمد، وابن ماجه، وأبو يعلى، وابن حبان، والحاكم، من حديث أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم حائطا، فأراد أن يأكل؛ فليناد صاحب الحائط ثلاثا، فإن أجابه وإلا فليأكل، وإذا مر أحدكم بإبل؛ فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد: يا صاحب الإبل {أو: يا راعي الغنم} فإن أجابه وإلا فليشرب ".
وأخرج الترمذي، وأبو داود، من حديث رافع، قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني، فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" يا رافع {لم ترمي نخلهم؟ "، قال: قلت يا رسول الله} الجوع. قال: " لا ترم؛ وكل ما وقع؛ أشبعك الله وأرواك "(1) .
وأخرج أبو داود، والنسائي، من حديث شرحبيل بن عباد في قصة مثل قصة رافع، وفيها: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب الحائط: " ما علّمت إذ كان جاهلا، ولا أطعمت إذ كان جائعا؟ ! "(2) .
(1) حديث ضعيف؛ وانظر " الإرواء "(2518) .
(2)
• صححه الحاكم (4 / 133) ، ووافقه الذهبي؛ وهو كما قالا. (ن)
والمراد بالخبنة: ما يحمله الإنسان في حضنه؛ وهي: بضم الخاء المعجمة، وسكون الباء الموحدة، وبعدها نون.
ويمكن الجمع بين الأحاديث: بأن تغريم النبي صلى الله عليه وسلم لآبي اللحم لعدم المناداة منه، ولو فرضنا عدم صحة الجمع بهذا؛ كانت أحاديث الإذن عند الحاجة مع المناداة أرجح.