الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشياء، ويتركون أشياء تقذرا، فبعث الله تعالى نبيه، وأنزل كتابه، فأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، وتلا:{قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما} .
وأخرج الترمذي، وأبو داود، من حديث قبيصة بن هلب [عن أبيه] (1) قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال له رجل: إن من الطعام طعاما أتحرج منه؟ فقال: " ضارعت النصرانية! لا يختلجن في نفسك شيء ".
(
[اختلاف العلماء في جواز الذبح للسلطان] :)
إذا تقرر هذا:
فمسألة السؤال - أعني: ما ذبح من الأنعام لقدوم السلطان -، والاستدلال على تحريم ذلك بقوله - تعالى -:{وما أهل به لغير الله} فاسد.
فإن الإهلال: رفع الصوت للصنم ونحوه، وذلك قول أهل الجاهلية: باسم اللات والعزى؛ كذا قال الزمخشري في " الكشاف "، والذابح عند قدوم السلطان لا يقول عند ذبحه: باسم السلطان، ولو فرض وقوع ذلك؛ كان محرما بلا نزاع، ولكنه يقول: باسم الله.
وقد استدل على ذلك بما رواه أحمد، ومسلم، والنسائي من حديث أمير
(1) في الأصل بحذف (عن أبيه) ؛ وصححناه من " سنن أبي داود " بشرح " عون المعبود "(ج 3: ص 412) ؛ وقبيصة تابعي، وأبوه صحابي.
والحديث حسنه الترمذي كما قال المنذري. (ش)
المؤمنين علي - كرم الله وجهه (1) -: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " لعن الله من ذبح لغير الله
…
" الحديث.
وليس ذلك الاستدلال بصحيح؛ فإن الذبح لغير الله - كما بينه شراح هذا الحديث من العلماء -: أن يذبح باسم غير الله؛ كمن ذبح للصنم، أو للصليب أو لموسى، أو لعيسى، أو للكعبة، أو نحو ذلك؛ فكل هذا حرام، ولا تحل هذه الذبيحة؛ سواء كان الذابح مسلما، أو يهوديا، أو نصرانيا؛ كما نص على ذلك الشافعي وأصحابه.
قال النووي في " شرح مسلم ": " فإن قصد الذابح مع ذلك تعظيم المذبوح له - وكان غير الله تعالى -، والعبادة له؛ كان ذلك كفرا، فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا ". انتهى.
وهذا إذا كان الذبح باسم أمر من تلك الأمور؛ لا إذا كان لله، وقصد به الإكرام لمن يجوز إكرامه؛ فإنه لا وجه لتحريم الذبيحة ههنا كما سلف.
وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحاب الشافعي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه؛ أفتى أهل بخارى بتحريمه؛ لأنه مما أهل به لغير الله.
قال الرافعي: " هذا إنما يذبحونه استبشارا بقدومه، فهو كذبح العقيقة لولادة المولود، ومثل هذا لا يوجب التحريم ". انتهى.
وهذا هو الصواب.
(1) الأصل اجتناب مثل الدعاء؛ لأنه مما يكثر استعماله الروافض، فتنبه.
وفي " روضة الإمام النووي ": " من ذبح للكعبة تعظيما لها لكونها بيت الله؛ أو لرسول الله لأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا لا يمنع الذبيحة؛ بل تحل "(1)، قال:" ومن هذا القبيل الذبح الذي يذبح عند استقبال السلطان استبشارا بقدومه؛ فإنه نازل منزلة الذبح للعقيقة لولادة ". انتهى.
وقد أشعر أول كلامه أن من ذبح للسلطان تعظيما له - لكونه سلطان الإسلام - كان ذلك جائزا؛ مثل الذبح له لأجل الاستبشار بقدومه؛ إذ لا فرق بين ذلك وبين الذبح للكعبة تعظيما لها لكونها بيت الله.
وذكر الدواري: أن من ذبح للجن، وقصد به التقرب إلى الله - تعالى - ليصرف عنه شرهم؛ فهو حلال، وإن قصد الذبح لهم فهو حرام ". انتهى.
وهذا يستفاد منه حل ما ذبح لإكرام السلطان بالأولى، وذلك هو الحق؛ لما أسلفناه من أن الأصل الحل، وأن الأدلة العامة قد دلت عليه، وعدم وجود ناقل عن ذلك الأصل، ولا مخصص لذلك العموم، والله أعلم ". انتهى كلام الشوكاني.
وفيه دليل على التفرقة بين ما يذبح للتقرب إلى غير الله - تعالى - وبين ما يذبح لغيره من الاستبشار ونحوه؛ كالذبح للعقيقة، والوليمة، والضيافة، ونحوها، فالأول يحرم، والثاني يحل.
قال ابن حجر المكي في " الزواجر ":
(1) في النفس من هذه الإباحة شيء.
" وجعل أصحابنا مما يحرم الذبيحة أن يقول: باسم الله، واسم محمد، أو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بجر (اسم) الثاني، أو (محمد) إن عرف النحو فيما يظهر، أو أن يذبح كتابي لكنيسة، أو لصليب، أو لموسى، أو لعيسى، ومسلم للكعبة، أو لمحمد صلى الله عليه وسلم؛ أو تقربا لسلطان، أو غيره، أو للجن.
فهذا كله يحرم المذبوح، وهو كبيرة ".
قال: " ومعنى ما أهل به لغير الله: ما ذبح للطواغيت والأصنام؛ قاله جمع.
وقال آخرون: يعني: ما ذكر عليه غير اسم الله.
قال الفخر الرازي: وهذا القول أولى؛ لأنه أشد مطابقة للفظ الآية.
قال العلماء: لو ذبح مسلم ذبيحة، وقصد بذبحه التقرب بها إلى غير الله - تعالى -؛ صار مرتدا، وذبيحته ذبيحة مرتد ". انتهى كلام " الزواجر ".
وقال صاحب " الروض ":
" إن المسلم إذا ذبح للنبي صلى الله عليه وسلم كفر ". انتهى.
قال الشوكاني في " الدر النضيد ":
" وهذا القائل من أئمة الشافعية، وإذا كان الذبح لسيد الرسل صلى الله عليه وسلم كفرا عنده؛ فكيف الذبح لسائر الأموات؟ ! ". انتهى.
قال الشيخ الفاضل - مفتي الديار النجدية - عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي؛ في كتابه " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " في (باب ما جاء في الذبح لغير الله) : " قال شيخ الإسلام تقي الدين أحمد ابن تيمية رحمه الله في كتابه " اقتضاء الصراط المستقيم " (1) في الكلام على قوله - تعالى -: {وما أهل به لغير الله} : إن الظاهر أنه ما ذبح لغير الله؛ مثل أن يقال: هذا ذبيحة لكذا، وإذا كان هذا هو المقصود؛ فسواء لفظ به أو لم يلفظ! .
وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للحم، وقال فيه: باسم المسيح ونحوه، كما أن ما ذبحناه متقربين به إلى الله؛ كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم، وقلنا عليه: باسم الله.
فإذا حرم ما قيل فيه: باسم المسيح، أو الزهرة؛ فلأن يحرم ما قيل فيه: لأجل المسيح أو الزهرة، وقصد به ذلك أولى؛ فإن العبادة لغير الله أعظم كفرا من الاستعانة بغير الله.
وعلى هذا؛ فلو ذبح لغير الله متقربا إليه يحرم؛ وإن قال فيه: باسم الله؛ كما قد يفعله طائفة من منافقي هذه الأمة؛ الذين قد يتقربون إلى الكواكب بالذبح، والبخور، ونحو ذلك.
وإن كان هؤلاء مرتدين لا تباح ذبيحتهم بحال؛ لكونه يجتمع في الذبيحة مانعان:
(1) • (ص 124 - طبعة الخانجي) . (ن)