الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النساء المشركات لا يقتلن، وليس ذلك محل النزاع.
ثم قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قتل عدة نساء؛ كاللاتي أمر بقتلهن يوم الفتح؛ لما كان يقع منهن السب له، وكذلك قتل امرأتين من بني قريظة، وغير ذلك.
ثم ليس النهي عن قتل النساء مستلزما لتركهن على الكفر؛ إذا امتنعن من الإسلام والجزية؛ فإنه لا يجوز التقرير على الكفر.
فإذا قالت امرأة: لا أسلم أبدا، ولا أعطي الجزية، وصممت على ذلك؛ كان تركها حينئذ كافرة غير جائز لأحد من المسلمين.
ومن ههنا؛ يلوح لك أن النهي عن قتل النساء؛ إنما هو لأجل كونهن مستضعفات، يحصل منهن الانقياد للإسلام بدون ذلك، وليس عندهن غناء في القتال.
ولهذا كان سبب النهي عن قتلهن: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة؛ فقال: " ما كانت هذه لتقاتل {"، ثم نهى عن قتلهن.
فانظر كيف جعل النهي عن قتلهن معللا بعدم المقاتلة؟}
(
[بيان خطإ من قال: إن المتأول كالمرتد] :)
وأما قول بعض أهل العلم: إن المتأول كالمرتد؛ فههنا تسكب العبرات، ويناح على الإسلام وأهله، بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين؛ من الترامي بالكفر لا بسنة ولا قرآن، ولا لبيان من الله ولا لبرهان.
بل لما غلت مراجل العصبية في الدين، وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين؛ لقنهم الزمان بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء، والسراب في البقيعة (1) .
في الله وللمسلمين من هذه الفاقرة (2) التي هي أعظم فواقر الدين، والرزية التي ما رزئ بمثلها سبيل المؤمنين!
وأنت - إن بقي فيك نصيب من عقل، وبقية من مراقبة الله عز وجل، وحصة من الغيرة الإسلامية -: علمت - وعلم كل من له علم بهذا الدين - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام؟ قال - في بيان حقيقته وإيضاح مفهومه -: إنه إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان، وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والأحاديث بهذا المعنى متواترة.
فمن جاء بهذه الأركان الخمسة، وقام بها حق القيام؛ فهو المسلم على رغم أنف من أبى ذلك؛ كائنا من كان، فمن جاءك بما يخالف هذا - من ساقط القول، وزائف العلم بالجهل -؛ فاضرب به في وجهه، وقل له: قد تقدم هذيانك هذا: برهان محمد بن عبد الله - صلوات الله وسلامه عليه -:
(دعوا كل قول عند قول محمد
…
فما آمن في دينه كمخاطر)
(1) كذا الأصل، وصوابه القيعة: جمع قاع؛ كالجيرة: جمع جار.
والقاع: ما انبسط من الأرض واتسع، وفيه يكون السراب. (ش)
(2)
الفاقرة: الداهية التي تكسر الظهر. (ش)
وكما أنه تقدم الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قام بهذه الأركان الخمسة بالإسلام؛ فقد حكم لمن آمن - بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره - بالإيمان، وهذا منقول عنه نقلا متواترا.
فمن كان هكذا؛ فهو المؤمن حقا، وقد ورد من الأدلة المشتملة على الترهيب العظيم من تكفير المسلمين، والأدلة الدالة على وجوب صيانة عرض المسلم واحترامه: ما يدل - بفحوى الخطاب - على تجنب القدح في دينه بأي قادح، فكيف بإخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية؟ {فإن هذه جناية لا تعدلها جناية، وجرأة لا تماثلها جرأة}
وأين هذا المجترئ على تكفير أخيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في " الصحيح " أيضا -: " المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه "؟ {
ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في " الصحيح " أيضا -: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر "؟}
ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم؛ عليكم حرام "؟ {وهو أيضا في " الصحيح ".
وكم يعد العاد من الأحاديث الصحيحة والآيات القرآنية؟}
والهداية بيد الله عز وجل: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء} ": هذا ما أفاده الماتن العلامة في " السيل ".
وقال أيضا: " اعلم أن الحكم على الرجل المسلم - بخروجه من دين
الإسلام ودخوله في الكفر -؛ لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه؛ إلا ببرهان أوضح من شمس النهار؛ فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة - المروية من طريق جماعة من الصحابة - أن: " من قال لأخيه: يا كافر {فقد باء بها أحدهما "؛ هكذا في " الصحيح ".
وفي لفظ آخر في " الصحيحين "، وغيرهما:" من دعا رجلا بالكفر؛ أو قال: عدو الله} وليس كذلك؛ إلا حار عليه "؛ أي: رجع.
وفي لفظ في " الصحيح ": " فقد كفر أحدهما ".
ففي هذه الأحاديث - وما ورد موردها - أعظم زاجر، وأكبر واعظ عن السراع في التكفير.
وقد قال عز وجل: {ولكن من شرح بالكفر صدرا} ؛ فلا بد من شرح الصدر بالكفر، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه.
فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك؛ لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام.
ولا اعتبار بصدور فعل كفري؛ لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر.
ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر؛ وهو لا يعتقد معناه.
فإن قلت: قد ورد في السنة ما يدل على كفر من حلف بغير ملة الإسلام، وورد في السنة المطهرة ما يدل على كفر من كفر مسلما؛ كما تقدم،
وورد في السنة المطهرة إطلاق الكفر على من فعل فعلا يخالف الشرع؛ كما في حديث: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "، ونحوه مما ورد مورده، وكل ذلك يفيد أن صدور شيء من هذه الأمور يوجب الكفر؛ وإن لم يرد قائله أو فاعله به الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر {
قلت: إذا ضاقت عليك سبل التأويل، ولم تجد طريقا تسلكها في مثل هذه الأحاديث؛ فعليك أن تقرها كما وردت، وتقول: من أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الكفر؛ فهو كما قال.
ولا يجوز إطلاقه على غير من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين كافرا؛ إلا من شرح بالكفر صدرا، فحينئذ تنجو من معرة الخطر، وتسلم من الوقوع في المحنة؛ فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه، ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولا عائدة.
فكيف إذا كان على نفسه - إذا أخطأ - أن يكون في عداد من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا؟}
أفهذا يقود إليه العقل؛ فضلا عن الشرع؟ !
ومع هذا؛ فالجمع بين أدلة الكتاب والسنة واجب، وقد أمكن هنا بما ذكرناه، فتعين المصير إليه.
فحتم على كل مسلم؛ أن لا يطلق كلمة الكفر؛ إلا على من شرح به صدرا، ويقصر ما ورد مما تقدم على مورده: