الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4 -
باب حد الشرب)
شرب الخمر كبيرة، وعليه أهل العلم.
(
[شروط وجوب الحد] :)
(من شرب مسكرا مكلفا مختارا) ؛ وقد تقدم دليله.
(
[كم حد شارب الخمر، وبم يضرب
؟] :)
(جلد على ما يراه الإمام؛ إما أربعين جلدة أو أقل أو أكثر؛ ولو بالنعال) ؛ لما ثبت في " الصحيحين " من حديث أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين.
وفي " مسلم " من حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر، فجلده بجريدتين نحو أربعين، قال: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر؛ استشار الناس، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر.
وفي " البخاري " وغيره من حديث عقبة بن الحارث، قال: جيء بالنعيمان - أو ابن النعيمان (1) - شاربا، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان في البيت أن يضربوه، فكنت فيمن ضربه بالنعال والجريد.
(1) • الراجح أنه النعيمان - لا ابنه -؛ كما حققه الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المسند "(9 / 71 - 72) . (ن)
وفيه أيضا من حديث السائب بن يزيد، قال: كنا نؤتى بالشارب - في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي إمرة أبي بكر، وصدرا من إمرة عمر -؛ فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا؛ حتى كان صدرا من إمرة عمر؛ فجلد فيها أربعين؛ حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين (1) .
وفيه أيضا من حديث أبي هريرة نحوه.
وفي الباب أحاديث يستفاد من مجموعها: أن حد السكر لم يثبت تقديره عن الشارع، وأنه كان يقام بين يديه على صور مختلفة؛ بحس ما يقتضيه الحال.
فالحق: أن جلد الشرب غير مقدر؛ بل الذي يجب فعله؛ هو إما الضرب باليد، أو بالعصا، أو النعل، أو الثوب على مقدار يراه الإمام؛ من قليل أو كثير، فيكون على هذا من جملة أنواع التعزير.
وفي " الصحيحين "؛ عن علي أنه قال: ما كنت لأقيم حدا على أحد فيموت، وأجد في نفسي شيئا؛ إلا صاحب الخمر؛ فإنه لو مات وديته؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه.
قلت: وعليه أهل العلم؛ إلا أن الشافعي يقول: أصل حد الخمر أربعون، وما زاده عمر على الأربعين كان تعزيرا (2) ؛ لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) عتوا؛ من العتو: وهو التجبر، والمراد هنا انهماكهم في الطغيان، والمبالغة في الفساد في شرب الخمر؛ قاله ابن حجر (ج 12: ص 59) .
ولفظ الحديث الذي هنا؛ ليس لفظ البخاري؛ بل هو لفظ أحمد في " المسند "(ج 3: ص 449) . (ش)
(2)
• وهو الأظهر؛ كما قال ابن تيمية في " منهاج السنة "(3 / 139) . (ن)
أتي بشارب، فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب، فلما كان أبو بكر سأل من حضر ذلك المضروب؛ فقومه أربعين، فضرب أربعين حياته، ثم عمر، حتى تتايع الناس، فاستشار عمر؛ فضرب ثمانين، ثم قال علي - حين أقام الحد على وليد بن عقبة لما بلغ أربعين -: حسبك؛ جلد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلي.
قال في " الحجة البالغة ":
" ثم قال: - أي النبي صلى الله عليه وسلم: " بكتوه "، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله؟ {ما خشيت الله؟} ما استحييت من رسول الله (1) ؟ ! وروي أنه صلى الله عليه وسلم أخذ ترابا من الأرض، فرمى به وجهه ". انتهى.
وروى مالك، عن ابن شهاب: أنه سئل عن حد العبد في الخمر؟ فقال: بلغني أن عليه نصف الحد في الحر، وأن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الله بن عمر قد جلدوا عبيدهم نصف حد الحر في الخمر.
ولا يجوز للإمام أن يعفو عن حد.
قال سعيد بن المسيب: ما من شيء؛ إلا يحب الله أن يعفو عنه؛ ما لم يكن حدا.
قلت: وعليه أهل العلم.
(1) • رواه - بنحوه - البيهقي (8 / 312) عن أبي هريرة، ورجاله ثقات؛ غير عبيد بن شريك؛ فلم أعرفه. (ن)