الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرضي الله عنهم وأرضاهم، وأقمأ (1) المشتغلين بثلبهم وتمزيق أعراضهم المصونة.
وقد رأينا في التواريخ ما صار يفعله أهل مصر والشام والمغرب؛ من قتل من كان كذلك؛ بعد مرافعته إلى حكام الشريعة، وحكمهم بسفك دمائهم.
وهذا؛ وإن كان عندنا غير جائز - لما عرفناك من عصمة دم المسلم، حتى يقوم الدليل الدال على جواز سفكه -؛ ولكن فيه القيام التام بحقوق أساطين الإسلام.
(6 -
[الزنديق] :)
(والزنديق) ؛ وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر، ويعتقد بطلان الشرائع؛ فهذا كافر بالله وبدينه، مرتد عن الإسلام أقبح ردة؛ إذا ظهر منه ذلك بقول أو فعل.
وقد اختلف أهل العلم؛ هل تقبل توبته أم لا؟
والحق: قبول التوبة.
قال في " المسوى " - " في باب حكم الخوارج والقدرية وأشباههم -: " قال الشافعي: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج، وتجنبوا الجماعات وأكفروهم؛ لم يحل بذلك قتالهم.
(1) القماءة: الذلة والصغار.
وأقمأه: صغره وذلّله. (ش)
بلغنا أن عليا - رضي الله تعالى عنه - سمع رجلا يقول: (لا حكم إلا لله) في ناحية المسجد، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل! لكم علينا ثلاث: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نبدؤكم بقتال.
وقال أهل الحديث من الحنابلة: يجوز قتلهم.
أقول: الظاهر عندي - دراية ورواية - قول أهل الحديث:
أما رواية؛ فلقوله صلى الله عليه وسلم: " فأين (1) لقيتموهم فاقتلوهم ".
وأما قول علي؛ فمعناه: أن الإنكار على الإمام والطعن فيه لا يوجب قتلا؛ حتى ينزع يده من الطاعة، فيكون باغيا أو قاطع طريق، وإذا أنكر ضروريا من ضروريات الدين؛ يقتل لذلك لا للإنكار على الإمام.
بيان ذلك: أن المفتي إذا سئل عن بعض أفعال زيد؟ حكم بالجواز، وإذا سئل عن بعضها الآخر؟ حكم بالفسق، ثم إذا سئل عن بعضها الآخر؟ حكم بالكفر؛ فههنا لم يظهر هذا الرجل عنده إلا الإنكار في مسألة التحكيم، فحكم حسبما أظهر، ولو أنه أظهر إنكار الشفاعة يوم القيامة، أو إنكار الحوض [أو] الكوثر، وما يجري مجرى ذلك من الثابت في الدين بالضرورة؛ لحكم بالكفر.
(1) • الصواب: " فأينما "، والحديث في " البخاري " (12 / 241) بلفظ:" سيخرج قوم في آخر الزمان؛ حداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول - وفي رواية: قول خير - البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية؛ فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم يوم القيامة ". (ن)
وأما حديث: " أولئك الذين نهاني الله عنهم "؛ ففي المنافقين دون الزنادقة.
بيان ذلك: أن المخالف للدين الحق؛ إن لم يعترف به، ولم يذعن له لا ظاهرا ولا باطنا؛ فهو الكافر، وإن اعترف بلسانه وقلبه على الكفر؛ فهو المنافق، وإن اعترف به ظاهرا وباطنا؛ لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة؛ فهو الزنديق.
كما إذا اعترف بأن القرآن حق، وما فيه من ذكر الجنة والنار حق؛ لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة، والمراد بالنار هي الندامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة، وليس في الخارج جنة ولا نار؛ فهو الزنديق؛ وقوله صلى الله عليه وسلم:" أولئك الذين نهاني الله عنهم "؛ في المنافقين دون الزنادقة.
وأما دراية؛ فلأن الشرع كما نصب القتل جزاء للارتداد؛ ليكون مزجرة للمرتدين وذبا عن الملة التي ارتضاها؛ فكذلك نصب القتل في هذا الحديث وأمثاله جزاء للزندقة؛ ليكون مزجرة للزنادقة، وذبا عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به.
ثم التأويل تأويلان:
تأويل لا يخالف قاطعا من الكتاب والسنة واتفاق الأمة.
وتأويل يصادم ما يثبت بقاطع؛ فذلك الزندقة.
فكل من أنكر الشفاعة، أو أنكر رؤية الله يوم القيامة، أو أنكر عذاب القبر وسؤال منكر ونكير، أو أنكر الصراط والحساب - سواء قال: لا أثق بهؤلاء الرواة، أو قال: أثق بهم لكن الحديث مؤول، ثم ذكر تأويلا فاسدا لم