الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد وقع الإجماع على وجوب الدية والكفارة في الجملة، وإن وقع الخلاف في بعض الصور؛ كوجوب الكفارة من مال الصغير إذا قتل؛ لأن عمده خطأ.
والخلاف في وجوب الكفارة من ماله معروف، فمن لم يوجبها؛ جعل إيجابها من باب التكليف، فقال: لا تجب إلا على مكلف، ومن أوجبها؛ جعله من خطاب الوضع، وهكذا المجنون.
والكفارة هي ما ذكر الله - سبحانه -: من تحرير الرقبة وما بعده من الإطعام الصوم.
وأما الدية؛ فسيأتي بيانها، وبيان الخطإ المحض، والخطإ الذي هو شبه العمد.
(
[ما هو قتل الخطإ
؟] :)
(وهو ما ليس بعمد أو من صبي أو مجنون) ؛ قال مالك في " الموطإ ": " الأمر المجتمع عليه عندنا: أنه لا قود بين الصبيان، وأن عمدهم خطأ؛ ما لم تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم، وأن قتل الصبي لا يكون إلا خطأ ".
قلت: وعلى هذا أكثر أهل العلم.
(
[على من تجب دية قتل الخطأ
؟] )
(وهي على العاقلة، وهم العصبة (1)) ؛ لحديث أبي هريرة - في
(1) • العصبة: الأقارب من جهة الأب؛ لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم؛ أي: يحيطون به ويشتد بهم: " نهاية ". (ن)
" الصحيحين " - قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان - سقط ميتا - بغرة: عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها بالغرة (1) توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها.
وفي لفظ لهما: وقضى بدية المرأة على عاقلتها.
وفي " مسلم "، وغيره من حديث جابر، قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقولة (2) .
وأخرج أبو داود، وابن ماجه (3) : أن امرأتين - من هذيل - قتلت إحداهما الأخرى، ولكل واحدة منهما زوج وولد، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عاقلة القاتلة، وبرأ زوجها وولدها، قال: فقال عاقلة المقتولة: ميراثها لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ميراثها لزوجها وولدها ".
وصححه النووي؛ وفي إسناده مجالد، وهو ضعيف (4) .
وقد تقدم حديث عمرو بن شعيب - قريبا - وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن تعقل عن المرأة عصبتها
…
الحديث.
(1) • في " النهاية ": " الغرة ": العبد نفسه، وأصل الغرة: البياض الذي يكون في وجه الفرس
…
، والغرة عند الفقهاء: ما بلغ ثمنه نصف عشر الدية من العبيد والإماء، وإنما تجب الغرة في الجنين إذا سقط ميتا، فإن سقط حيا ثم مات؛ ففيه الدية كاملة ". (ن)
(2)
بضم العين، وإنما دخلت الهاء لإفادة المرة الواحدة؛ قاله الشوكاني. (ش)
(3)
يعني: من حديث جابر. (ش)
(4)
قلت: لكن حديثه هذا حسن؛ كما في " صحيح سنن ابن ماجة "(2 / 99) لشيخنا.
وقد أجمع العلماء على ثبوت العقل، وإنما اختلفوا في التفاصيل، وفي مقدار ما يلزم كل واحد من العاقلة.
أقول: الأدلة قد وردت بما يستفاد منه: أن القبيلة تعقل عن الجاني منها، وأن البطن يعقل عن الجاني منه، والقرابة يعقلون عن القريب الجاني.
ولا منافاة بين هذه الأحاديث؛ بل يجمع بينها؛ بأن القرابة إذا قدروا على تسليم ما لزم؛ فهم أخص من غيرهم، وإن احتاج اللازم إلى زيادة عليهم، ولم يقدروا على الوفاء؛ لزم البطن (1) ، ثم القبيلة.
وبمجموع ما ورد في العقل: يرد على من قال: إنه غير ثابت في الشريعة، مستدلا بمثل قوله - تعالى -:{لا تزر وازرة وزر أخرى} ، وبمثل قوله صلى الله عليه وسلم:" لا يجني جان إلا على نفسه "؛ لأن أدلة العقل أخص مطلقا؛ فالعمل بها واجب.
والظاهر: أن العقل لازم في كل جنايات الخطإ؛ من غير فرق بين الموضحة وما دونها وما فوقها.
(1) • هو ما دون القبيلة. (ن)