الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خالد بن عبد الله السلمي، وهو مختلف في صحبته.
وهي تنتهض بمجموعها، وقد دلت على أن الإذن بالوصية بالثلث إنما هو لزيادة الحسنات، والوصية في المعصية معصية؛ قد نهى الله عباده عن معاصيه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلو لم يرد ما يدل على تقييد الوصية بغير المعصية؛ لكانت الأدلة الدالة على المنع من معصية الله مفيدة للمنع من الوصية في المعصية.
(
[بيان مقدار الوصية في القرب] :)
(وهي في القرب من الثلث) ؛ لحديث ابن عباس في " الصحيحين "، وغيرهما، قال: لو أن الناس غضوا من الثلث؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الثلث والثلث كثير ".
ومثله حديث سعد بن أبي وقاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " الثلث والثلث كثير - أو كبير - " لما قال: أتصدق بثلثي مالي؟ قال: " لا "، قال: فالشطر؟ قال: " لا "، قال: فالثلث؟ قال: " الثلث والثلث كثير - أو كبير -؛ إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "، وهو في " الصحيحين "، وغيرهما.
وقد ذهب الجمهور إلى المنع من الزيادة على الثلث، ولو لم يكن للموصي وارث.
وجوز الزيادة مع عدم الوارث: الحنفية، وإسحاق، وشريك، وأحمد في رواية، وهو قول علي، وابن مسعود.
واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية، فقيدتها السنة بمن له وارث، فبقي من لا وارث له على الإطلاق.
وقد أخرج أحمد، وأبو داود، والنسائي، من حديث أبي زيد الأنصاري: أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم، فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعتق اثنين وأرق أربعة.
وفي لفظ لأبي داود، أنه قال صلى الله عليه وسلم:" لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين ".
وقد أخرج الحديث مسلم وغيره من حديث عمران بن حصين.
وفي لفظ لأحمد: أنه جاء ورثته من الأعراب، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع، فقال:" أو فعل ذلك؟ ! لو علمنا - إن شاء الله - ما صلينا عليه ".
اعلم أن الثلث المأذون به لكل أحد هو باعتبار ما يفعله الميت لنفسه من القرب المقربة، التي لم تكن قد وجبت عليه بإيجاب الله - تعالى -، فما كان من هذا القبيل؛ فهو من الثلث المأذون به، وأما ما كان قد تقدم له وجوب على الميت - سواء كان حقا لله عز وجل كالزكاة والكفارات التي يعتقد الميت وجوبها والحج، أو حق الآدمي كالديون - فإنه يجب إخراجه من رأس المال قبل كل شيء، ولا وجه للتفصيل الذي ذكروه بين ما يتعلق بالمال ابتداء وما يتعلق به انتهاء؛ فإن ذلك لا تأثير له أصلا.
فالحاصل: أن الميت إذا مات وجب إخراج ما قد وجب عليه من حقوق الله، وحقوق الآدميين من رأس تركته، ثم ينظر فيما بقي، فإن كان الميت قد أوصى بقرب - لم يتقدم لها وجوب عليه؛ بل أراد التقرب بها؛ إخراجها من
ثلث الباقي؛ لأن الله - سبحانه - قد أذن له أن يتصرف بثلث ماله كيف شاء؛ بشرط عدم الضرار؛ كتفضيل بعض الورثة على بعض، أو إخراج المال عنهم لا لمقصد ديني؛ بل لمجرد إحرامهم.
ثم ينظر في تلك القرب التي جعلها الميت لنفسه عند الموت، فإن استغرقت ثلث الباقي، من دون زيادة ولا نقصان؛ فإنفاذها واجب، وإن زادت لم ينفذ الزائد؛ إلا بإذن من الورثة.
فإذا أذنوا؛ فقد رضوا على أنفسهم بخروج جزء مما يملكونه؛ سواء كان قليلا أو كثيرا، وإن نقصت عن استغراق الثلث؛ كان الفاضل من الثلث للورثة.
فهذا هو الحق الذي لا ينبغي العدول عنه.
وأما جعل بعض حقوق الله الواجبة من الثلث، وبعضها من رأس المال؛ فلا أصل لذلك؛ إلا مجرد خيالات مختلة.
ثم اعلم أن الظاهر عندي: أنه لا فرق بين حقوق الله الواجبة، وحقوق الآدميين في مخرجها من التركة، وأنه لا يجب تقديم حقوق الآدمي على حقوق الله؛ بل جميعها مستوية في ذلك؛ لأنها قد اشتركت في وجوبها على الميت، ولا فرق بين واجب وواجب.
ومن زعم أن بعضها أقدم من بعض؛ فعليه الدليل.
على أنه لو قال قائل: إن حقوق الله أقدم من حقوق بني آدم؛ مستدلا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: " فدين الله أحق أن يقضى "؛ لم يكن بعيدا من الصواب، لولا أن المراد بقوله:" يقضى "؛ أي: يفعله الفاعل؛ كالقريب يحج