الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية لأحمد (1) من حديث أبي هريرة: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بسكران في الرابعة؛ فخلى سبيله.
أقول: قد وردت الأحاديث بالقتل في الثالثة في بعض الروايات، وفي الرابعة في بعض، وفي الخامسة في بعض (2) ، وورد ما يدل على النسخ من فعله صلى الله عليه وسلم، وأنه رفع القتل عن الشارب، وأجمع على ذلك جميع أهل العلم، وخالفه فيه بعض أهل الظاهر (3) .
(
[جواز التعزير في المعاصي التي لا توجب حدا] :)
(والتعزير في المعاصي التي لا توجب حدا ثابت؛ بحبس أو ضرب أو نحوهما، ولا يجاوز عشرة أسواط) ؛ لحديث أبي بردة بن نيار في " الصحيحين "، وغيرهما -، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله ".
(1) • عزوه لأحمد من حديث أبي هريرة خطأ؛ فإن الذي عنده (رقم 7898) من حديثه؛ إنما هو قوله صلى الله عليه وسلم: " إن سكر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة.
فاضربوا عنقه "، قال الزهري: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل سكران في الرابعة، فخلى سبيله.
فهذا القدر مرسل من قول الزهري؛ فلا يصح. (ن)
(2)
• أكثر الأحاديث على أن القتل في الرابعة.
وقد استقصى الكلام عليها، وخرج طرقها: المحقق أحمد شاكر بما لا يوجد في غيره، فراجعه (9 / 49 - 92) .
وهو بحث عظيم حقق فيه أن القتل في الرابعة محكم غير منسوخ، وهو الصواب؛ ولكننا نرى أنه من باب التعزير؛ إذا رآه الإمام قتل، وإن لم يره لم يقتل؛ بخلاف الجلد؛ فهو الحد الذي لا بد منه، كما حكاه هو نفسه عن ابن القيم؛ وإن لم يرتضه! (ن)
(3)
• وإليه مال ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(7 / 483) . (ن)
وأخرج أحمد (1) ، وأبو داود، والنسائي، والترمذي - وحسنه -، وقال الحاكم:" صحيح الإسناد " -؛ من حديث بهز بن حكيم [، عن أبيه، عن جده](2) : أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة يوما وليلة.
وقد ثبت أن عمر أمر أبا عبيدة بن الجراح أن يربط خالد بن الوليد بعمامته (3) ، لما عزله عن إمارة الجيش - كما في كتب السير -؛ وسبب ذلك أنه استنكر منه إعطاء شيء من أموال الله.
وتقدم في باب السرقة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " وضرب نكال ".
أقول: هذا الفصل يراد به كل عقوبة ليست بحد من الحدود المتقدمة والآتية؛ فمنها الضرب، ولكن يكون عشرة أسواط فما دون؛ لحديث أبي بردة المتقدم، ولا تجوز الزيادة على ذلك.
ولكن ليس في هذا الحديث ما يدل على وجوب التعزير؛ بل غاية ما فيه الجواز فقط، وقد اطلع رسول الله صلى الله عليه وسلم على جماعة ارتكبوا ذنوبا لا توجب حدا؛ فلم يضربهم، ولا حبسهم، ولا نعى ذلك عليهم؛ كالمجامع في نهار رمضان، والذي لقي امرأة فأصاب منها ما
(1) • لم أجده في " المسند "، ولم يعزه إليه الحافظ في " التلخيص "(ص 361) .
وصححه الحاكم (4 / 102) ، ووافقه الذهبي؛ وهو حسن فقط. (ن)
(2)
• زيادة لا بد منها. (ن)
(3)
• لم يذكر هذه الرواية ابن كثير في " البداية "(7 / 18) ، وإنما ذكر أمر عمر لأبي عبيدة بنزع عمامة خالد عن رأسه وأن يقاسمه ماله نصفين.
والنزع هنا؛ ليس ليربط بها؛ كما هو ظاهر؛ فالله أعلم بصحة هذه الرواية. (ن)
يصيب الرجل من زوجته؛ غير أنه لم يجامعها، وغير ذلك كثير.
ومن أنواع التعزير: الحبس، ويجوز الحبس مع التهمة، وهكذا يجوز حبس من كان يخشى على المسلمين من معرته وإضراره بهم لو كان مطلقا؛ فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان بقدر الإمكان، ولا يمكن القيام بهما في حق من عرف بذلك؛ إلا بالحيلولة بينه وبين الناس بالحبس.
ومنها: النفي؛ كما فعله صلى الله عليه وسلم بجماعة من المخنثين.
ومنها ترك المكالمة، كما فعله صلى الله عليه وسلم بالثلاثة الذين تخلفوا عنه؛ حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت.
ومنها: الشتم الذي لا فحش فيه؛ كقول الله - تعالى - حاكيا عن موسى عليه السلام: {فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين} ، ومن ذلك: قول يوسف عليه السلام لإخوته: {أنتم شر مكانا} ؛ لما نسبوه إلى السرقة.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " إنك امرؤ فيك جاهلية " - كما في " البخاري "(1) - لما سمعه صلى الله عليه وسلم يسب امرأة.
وفي " مسلم: أن رجلا أكل بشماله عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " كل بيمينك "، فقال: لا أستطيع، فقال: " لا استطعت! ما منعه إلا الكبر "، قال: فما رفعها إلى فيه.
(1) هو فيه (30) ، وفي " مسلم "(1661) - كذلك -.
وفي " مسلم ": " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد؛ فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا ".
وفي " مسلم " أيضا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: " لا وجدت ".
وفي " الترمذي ": " إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد؛ فقولوا: لا أربح الله تجارتك ".
وقال صلى الله عليه وسلم للخطيب: " بئس خطيب القوم أنت "؛ أخرجه مسلم، وغيره.
ووقع منه صلى الله عليه وسلم من هذا الجنس شيء كثير.
وكذلك وقع من الصحابة ومن بعدهم من السلف الصالح - من ذلك - ما يرشد إلى جوازه؛ إذا ظن فاعله تأثيره في المرتكب للذنب.