الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما في شرعه من المصلحة ويحرِّم (1) لما في فعله من المفسدة ثم يبيح [إبطال](2) ذلك بأدنى حيلة تكون؟ وترى الواحد منهم إذا ناظره المسلم في صحة دين الإسلام إنما يحتج عليه بهذه الحيل، كما هو في كتبهم، وكما نسمعه من لفظهم عند المناظرة، فاللَّه المستعان.
وكذلك قالوا: لو كان له نصاب من السائمة فأراد إسقاط زكاتها فالحيلة في ذلك أن يعلفها يومًا واحدًا ثم تعود إلى السَّوْم، وكذلك يفعل في كل حول، وهذه حيلة باطلة لا تسقط عنه وجوب الزكاة، بل وكل حيلة (3) يتحيَّل بها على إسقاط فرض من فرائض اللَّه أو حق من حقوق عباده لا يزيد ذلك الفرض إلا تأكيدًا وذلك الحق إلا إثباتًا.
[إبطال حيلة لإبطال الشهادة]
وكذلك قالوا: إذا علم أن شاهدين يشهدان عليه فأراد [أن](2) يبطل شهادتهما فليخاصمهما قبل الرفع إلى الحاكم، وهذه الحيلة حسنة إذا كانا يشهدان عليه بالباطل، فإذا علم أنهما يشهدان بحق لم تحل له مخاصمتهما (4)، ولا تُسقط هذه المخاصمة شهادتهما.
[إبطال حيلة لضمان البساتين]
وكذلك قالوا: لا يجوز ضمان البساتين، والحيلة على ذلك أن يؤجِّره الأرض ويساقيه على الثمر من كل ألف جزءٍ على جزء، وهذه الحيلة لا تتم إذا كان البستان وَقْفًا وهو ناظِرُه أو كان ليتيم، فإن هذه المحاباة في المساقاة تقدح في نَظَره ووصيّته.
فإن (5) قيل: إنها تُغتفر لأجل العقد الآخر وما فيه من محاباة (6) المستأجر له، فهذا لا يجوز له أن يحابي في المساقاة لما حصل للوقف واليتيم من محاباة أخرى، وهو نظير أن يبيع له سلعة بربح ثم يشتري له سلعة بخسارة توازن ذلك الربح، هذا إذا لم يُبْنَ (7) أحد العقدين على الآخر، فإن بُني عليه كانا عقدين في
(1) في (ك) و (ق): "يحرمه".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في المطبوع و (ك): "بل وكذلك كل حيلة".
(4)
بعدها في (ك): "له".
(5)
في (ك) و (ق): "وإن".
(6)
في (ك) و (ق): "المحاباة".
(7)
في (ق): "يَنْبَنِ" مجودة.
عقد، وكانا بمنزلة (سَلَف وبيع، وشَرْطين في بيع)، وإن شرط أحد العقدين في الآخر فَسَدا، مع (1) أن هذه الحيلة لا تتم إلا على أصل مَنْ لم ير جواز المساقاة أو مَنْ خصَّها بالتحيّل (2) وحده، ثم فيها مفسدة أخرى، وهي أن المساقاة عقد جائز، فمتى أراد أحدهما فَسْخَها فَسَخها وتضرر (3) الآخر، ومفسدة ثانية، وهي أنه يجب عليه تسليم هذا الجزء من ألف جزء من جميع ثمرة البستان من كل نوع من أنواعه، وقد يتعذَّر عليه ذلك أو يتعسَّر، إما بأن يأكل الثمرة أو يهديها كلها أو يبيعها على أصولها، فلا يمكنه تسليم ذلك الجزء، وهذا (4) يقع سواء، ثم قد يكون ذلك الجزء من الألف يسيرًا جدًا، فلا يطالب به عادة، فيبقى في ذمته لليتيم وجهة (5) الوقف، إلى غير ذلك من المفاسد التي في هذه الحيلة، وأصحابُ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم كانوا أفقَهَ من ذلك، وأعْمَقَ علمًا، وأقل تكلفًا، وأبَرَّ قلوبًا، فكانوا يرون ضمان الحدائق بدون هذه الحيلة، كما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه بحديقة أسيد بن حضير (6)، ووافقه عليه جميع الصحابة،
(1) في (ك): "من".
(2)
في (ق): "بالنخل".
(3)
في المطبوع: "تضر".
(4)
في المطبوع و (ك): "وهكذا".
(5)
في (ك) و (ق): "ولجهة".
(6)
أخرج ابن أبي شيبة (5/ 400)، حدثنا أبو أسامة عن هشام بن عروة عن سعيد مولى عمر، أن أسيد بن حضير مات وعليه دين، فباع عمر ثمرة أرضه سنتين.
أقول: كذا هنا في الإسناد سعيد مولى عمر، وصوابه سعد، ذكره البخاري في "تاريخه الكبير" (4/ 66) قال: سعد بن نوفل أن عمر استعمله على الجار، روى عنه ابنه عبد اللَّه، قال البخاري: أراه الذي روى: "أبو سلمة كذا، (وصوابه أبو أسامة) عن هشام بن عروة عن سعد مولى ابن عمر".
ولم يذكر فيه شيئًا.
أما ابن أبي حاتم فقد ذكر "سعد بن نوفل" الجاري مديني مولى عمر بن الخطاب، روى عن عمر وعبد اللَّه بن عمرو روى عنه زيد بن أسلم (4/ 96).
وذكر في (4/ 99) سعد مولى عمر أن أسيد بن حضير أوصى إلى عمر رضي الله عنه قاله أبو أسامة عن هشام، ونراه والد عبد الرحمن بن سعد مولى ابن عمر، وذكره الحسيني في "التذكرة" (1/ 572 رقم 2236) تحت اسم: سعد القلح، أو ابن سعد القلحة مولى عمر، روى عنه عبد اللَّه بن دينار: مجهول.
قال الحافظ في "التعجيل"(150): قلت: بل هو معروف، وهو الذي يقال له: الجاري، ثم نقل عن ابن السمعاني في "الأنساب" (2/ 9 - 10): ينسب إليه أبو عبد اللَّه سعد بن نوفل الجاري، وكان عامل عمر على الجار، روى عنه ابنه عبد اللَّه بن سعد.
ثم ذكر حديثه من رواية مالك عن عبد اللَّه بن دينار عنه. =