الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
في كتاب "الانتقاء"(1) عن محمد بن عبد اللَّه بن عبد الحكم قال: "أشهب أفقه من ابن القاسم مئة مرة"، وأنكر ابن لبابة (2) ذلك، وقال:"ليس [هذا] عندنا كما قال محمد، وإنما قاله لأن أشهب شيخه ومعلّمه"، قال أبو عمر:"أشهب شيخه [ومعلمه] (3)، وابن القاسم شيخه، وهو (4) أعلم بهما لكثرة مجالسته (5) لهما وأخذِه عنهما"(6).
فصل [هل الحلف بالطلاق يمين أو لا
؟]
المخرج الثامن: أخذه بقول من يقول: إن الحلف بالطلاق لا يلزم (7)، ولا يقع على الحانث به طلاق ولا يلزمه كفارة [ولا غيرها](8)، وهذا مذهب خلق من السلف والخلف، صح ذلك عن [أمير المؤمنين] علي بن أبي طالب (9).
قال بعض فقهاء (10) المالكية وأهل الظاهر: ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف من الصحابة، هذا لفظ أبي القاسم التميمي (11) في "شرح أحكام
(1) انظره: (ص 98).
(2)
هو محمد بن عمر بن لبابة، وتحرف اسمه في جميع طبعات "الإعلام" إلى "ابن كنانة"!! والتصويب من "الانتقاء".
(3)
سقط من (ك).
(4)
في (ك): "وهذا".
(5)
في (ك): "محاسنه".
(6)
نعم، كلاهما شيخ لابن عبد الحكم، ولكنَّ ابن عبد الحكم ولد في منتصف ذي الحجة سنة 182 هـ وابن القاسم توفي في صفر سنة 191 هـ، فكان عمر ابن عبد الحكم ثمانين سنة، فأخْذُه عن ابن شيخه هذا 23 سنة، فأدركه إدراكًا بيّنًا، فأخْذُه عنه في مدى أطول وفي سن أعقل، فلا غرابة أن يصف أشهب بذلك.
وقد استبعد الذهبي في "السير"(9/ 502) أن يكون ابن عبد الحكم أخذ عن ابن القاسم، وذلك لصغر سنه كما سبق، إلا أن يكون قد أخذ شيئًا يسيرًا عنه باعتناء والده، ونظر الذهبي في هذا وجيه، أفاده المعلق على "الانتقاء".
(7)
انظر: "مجموع الفئاوى"(33/ 44 - فما بعد)، و (35/ 241 - فما بعد).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(9)
مضى لفظه وتخريجه وسيذكره المؤلف بعد قليل، وما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي المطبوع زيادة:"كرم اللَّه وجهه"، وفي (ك):"رضي الله عنه".
(10)
كذا في (ق) و (ك)، وفي سائر النسخ "الفقهاء".
(11)
كذا في (ق) و (ك)، وانظر (2/ 20 - 21، 3/ 441).
عبد الحق"، وقاله قبله أبو محمد بن حزم (1)، وصح ذلك عن طاوس أجلّ أصحاب ابن عباس رضي الله عنه، وأفقههم على الإطلاق، قال عبد الرزاق في "مصنفه" (2): أنبأنا ابنُ جُرَيْج قال: أخبرني ابنُ طاوس عن أبيه أنه كان يقول: الحلف بالطلاق ليس شيئًا قلت: أكان يراه يمينًا (3)؟ قال: لا أدري، وهذا أصح إسناد عمَّن هو [من] (4) أجل التابعين وأفقههم، وقد وافقه أكثر من أربع مئة عالم ممن بنى فقهه على نصوص الكتاب والسنة دون القياس، ومن آخرهم أبو محمد بن حزم، قال في كتابه "المحلى" (5): مسألة، اليمين (6) بالطلاق لا يلزم، سواء (7) برَّ أو حنث، لا يقع به طلاق، و"لا طلاق إلا كما أمر اللَّه [تعالى](4)، ولا يمين إلا كما شرع [اللَّه تعالى](4) على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم " (8)، ثم قرر ذلك، وساق اختلاف الناس في ذلك، ثم قال: فهؤلاء علي بن أبي طالب وشُريح وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث، ولا يعرف لعلي في ذلك مخالف (9) من الصحابة رضي الله عنهم.
قلت: أما أثر علي رضي الله عنه فرواه (10) حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن أن رجلًا تزوج امرأة، وأراد سفرًا فأخذه أهل امرأته، فجعلها طالقًا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر، فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء، فلما قدم خاصموه إلى علي، فقال علي رضي الله عنه (11): اضطهدتموه حتى جعلها طالقًا فردَّها عليه (12)، ولا متعلق لهم بقوله:"اضطهدتموه" لأنه لم يكن هناك إكراه، فإنهم إنما طالبوه بحق نفقتها فقط، ومعلوم أن ذلك ليس بإكراه على الطلاق ولا على اليمين، وليس في القصة أنهم أكرهوه بالقتل أو بالضرب أو بالحبس [أو أخذ المال على اليمين](13) حتى يكون يمين مكره، والسائلون لم يقولوا لعلي شيئًا من ذلك البتَّة، وإنما
(1) في "المحلى"(10/ 212 - 213/ 1969).
(2)
رقم (11298)، وإسناده صحيح. وانظر:"الجامع للاختيارات الفقهية"(2/ 753).
(3)
في (ق): "تراه يمينًا".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
(10/ 211 - 212/ 1969)، وفي (ك):"كتاب".
(6)
في (ق): "واليمين".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(8)
"الحقُّ يُشْرِقُ من هذه الكلمات"(و).
(9)
في المطبوع و (ك) و (ق): "ولا يعرف في ذلك لعلي كرم اللَّه وجهه مخالف".
(10)
في (ق): "أما أثر علي فروي".
(11)
في المطبوع: "كرم اللَّه وجهه".
(12)
مضى تخريجه.
(13)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
خاصموه في حكم اليمين فقط، فنزَّل علي [رضي الله عنه](1)[ذلك] منزلة المضطهد حيث لم يرد طلاق امرأته وإنما أراد التخلص إلى سفره بالحلف، فالحالف والمضطهد كلٌّ منهما لم يرد طلاق امرأته، فالمضطهد محمولٌ على طلاق تكلَّم به ليتخلص من ضرر الإكراه، والحالف حلف به ليتوصل إلى غرضه من الحض أو المنع (2) أو التصديق أو التكذيب، ولو اختلف حال الحالف بين أن يكون مكرهًا أو مختارًا لسأله علي رضي الله عنه (3) عن الإكراه وشروطه وحقيقته، وبأي شيء أكره، وهذا ظاهر بحمد اللَّه، فارض للمقلد بما رضي لنفسه.
وأما أثرُ شُريح ففي "مصنف عبد الرزاق"(4) عن هشام بن حسان، عن محمد ابن سيرين، عن شُريح أنه خوصم إليه في رجل طلَّق امرأته إنْ أحدث في الإسلام حدثًا فاكترى بغلًا إلى حمام أعين (5)، فتعدى به إلى أصبهان فباعه واشترى به خمرًا فقال شريح: إن شئتم شهدتم عليه أنه طلقها فجعلوا يردِّدون عليه القصة ويردِّد عليهم (6)، فلم يَرَه حدثًا ولا متعلق بقول الراوي (7) -إما محمد وإما هشام-، فلم يره حدثًا فإنما ذلك ظن منه، قال أبو محمد (8): وأي حدث أعظم ممن تعدّى من حمام أعين وهو على مسيرة أميال يسيرة من الكوفة إلى أصبهان ثم باع بغل مسلم ظلمًا واشترى (9) به خمرًا؟
قلت: والظاهر أنّ شُريحًا لما رُدَّت عليه (10) المرأة ظَنّ مَنْ شاهد القصة أنه لم ير ذلك حدثًا؛ إذ لو رآه حدثًا لأوقع [عليها](11) الطلاق، وشُريح إنما ردَّها
(1) في المطبوع: "علي كرم اللَّه وجهه"، وما بين المعقوفتين الآتيتين سقط من (ق).
(2)
في (ق): "والمنع".
(3)
في المطبوع: "كرم اللَّه وجهه".
(4)
برقم (11322)، لكن في المطبوع في "المصنف" قال: عن هشيم، وليس عن هشام بن حسّان؛ كما ساقه ابن القيم هنا، وصوابه -واللَّه أعلم- هشام؛ لأن هشيمًا لا يروي عن ابن سيرين، فإنه مات سنة (183)، وقد قارب الثمانين، وابن سيرين مات سنة (110)، ثم هو يروي عن هشام عن ابن سبرين، كما هو في كثير من الروايات. وهشام بن حسان من أشهر أصحاب محمد ابن سيرين.
فالإسناد صحيح.
(5)
"موضع بالكوفة منسوب إلى أعين مولى سعد بن أبي وقاص"(و).
(6)
في (ق) و (ك): "ويرد عليهم".
(7)
في بعض النسخ: "لقول الراوي".
(8)
ابن حزم في "المحلى"(10/ 212 - 213/ 1969) باختلاف يسير.
(9)
في (ق): "فاشترى".
(10)
في (ق) و (ك): "لما رد عليه".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك):"لوقع عليه".