الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النكاح، ولم تعمل هذه النية في فساده (1).
[الحيل عند الحنابلة]
وأما الحنابلة فبيننا وبينهم مُعْتَرك النزال في هذه المسائل؛ فإنهم هم الذين شنَّوا علينا الغارات، ورَمَوْنا بكل سلاح من الأثر والنظر، ولم يُراعوا (2) لنا حُرمة، ولم يرقبوا فينا إِلا ولا ذمَّة. وقالوا: لو نَصَب شِباكًا للصيد قبل الإحرام ثم أخذ ما وقع فيها حال الإحرام بعد الحِلِّ جَاز. وياللَّه العجب! أي فرق بين هذه الحيلة وحيلة أصحاب السَّبتِ على الحيتان؟ وقالوا: لو نوى الزوج الثاني أن يحلّها للأول ولم يشترط ذلك جاز وحلَّت له؛ لأنه لم يشترط ذلك في العقد، وهذا تصريح بأن النية لا تؤثر في العقد. وقالوا: لو تزوجها ومن نيته أن يقيم معها شهرًا ثم يطلقها صح العقد، ولم تكن نيّة التوقيت مؤثِّرة فيه، وكلامهم في باب المخارج من الأَيْمان بأنواع الحيل معروف، وعنَّا تلقوه، ومنا أخذوه (3). وقالوا: لو حلف أن لا يشتري [منه] ثوبًا فاتهبه (4) منه وشرط له العوض لا يحنث. وقالوا بجواز مسألة التورّق (5) وهي شقيقة مسألة العِينة؛ فأي فرق بين مصير السلعة إلى البائع وبين مصيرها إلى غيره؟ بل قد يكون عَوْدُها إلى البائع أرْفَقَ بالمشتري وأقل كلفة عليه وأرفع لخسارته وتعنيه (6). فكيف تحرِّمون الضرر اليسير وتبيحون ما هو أعظم منه والحقيقة في الموضوعين (7) واحدة وهي عشرة بخمسة عشر وبينهما حَرِيرة رجعت في إحدى الصورتين إلى مالكها وفي الثانية إلى غيره؟
وقالوا: لو حلف بالطلاق لا يزوج عبده بأَمَته أبدًا ثم أراد تزويجه بها ولا يحنث فإنه يبيع العبد والجارية من رجل ثم يزوجها المشتري ثم يستردّهما منه، قال القاضي: وهذا غيرُ مُمتنعٍ على أصلنا؛ لأن عقد النكاح قد وجد في حال
(1) انظر: "الإشراف"(3/ 344 مسألة 1180) وتعليقى عليه.
(2)
في (ق): "يرعوا".
(3)
انظر: مسألة الزواج بنية الطلاق في: "المحرر"(2/ 23) و"التنقيح المشبع"(220) و"الإنصاف"(8/ 161)، و"منتهى الإرادات"(2/ 181) و"مجموع فتاوى ابن تيمية"(32/ 149) و"بيان الدليل"(46 - 47) و"الاختيارات الفقهية"(ص 220 - ط الفقي).
(4)
في جميع النسخ: "فانتهبه" والمثبت من (د)، و (ق) وما بين المعقوفتين سقط منها.
(5)
مضى معناها.
(6)
في "نسخة: وأوفه لخسارته وتعيينه"(د). قلت: والنسخة المشار إليها هي (ن).
(7)
في (ك) و (ق): "الموضعين".
زوال ملكه عنهما، ولا يتعلق الحنث باستدامة العقد بعد أن ملكهما؛ لأن التزويج عبارة عن العقد وقد انقضى وإنما بقي حكمه فلم يحنث باستدامة حكمه.
وقالوا: لو كان له عليه مال وهو محتاج فأحب أن يَدَعَه له من زكاته فالحيلة أن يتصدَّق عليه بذلك القدر ثم يقبضه منه، ثم قالوا: فإن كان له شريكٌ فيه فخاف أن يخاصمه فيه فالحيلة أن يهب المطلوب للطالب مالًا بقدر حصة الطالب مما له عليه (1) ويقبضه منه للطالب ثم يتصدَّق الطالب على المطلوب بما وهبه له ويحتسب بذلك من زكاته ثم يهب المطلوب ما له عليه من الدَّين ولا يضمن الطالب لشريكه شيئًا؛ لأن هبةَ الدين لمن في ذمته براءة، وإذا أبرأ أحدُ الشريكين الغريم من نصيبه لم يضمن لشريكه شيئًا، وإنَّما يضمن إذا حصل الدَّين في ضمانه.
وقالوا (2): لو أجَّره الأرض بأُجرة معلومة وشَرَط عليه أن يؤدّي خَرَاجها لم يجز؛ لأن الخراج على المالك لا على المستأجر، والحيلة في جوازه أن يؤجِّره إياها بمبلغ يكون زيادته بقدر الخراج ثم يأذن له أن يدفعَ في خراجها ذلك القدر الزائد على أجرتها. قالوا: لأنه متى زاد مقدار الخراج على الأجرة حصل ذلك دَيْنًا على المستأجر، وقد أمره أن يدفعه إلى مستحق الخراج وهو جائز.
وقالوا (3): ونظير هذا أن يؤجره دابة ويشترط عَلَفها على المستأجر لم يجز، والحيلة في جوازه هكذا سواء، يزيد في الأجرة ويوكّله أن يعلف الدابة بذلك القدر الزائد.
وقالوا: لا يصح استئجار الشجرة المثمرة (4)، والحيلة في ذلك أن يؤجِّره الأرض ويُسَاقيه على الثمرة من كل ألف جزء جزء مثلًا.
وقالوا: لو وكله أن يشتري له جارية معيَّنة بثمن معين دفعه إليه، فلما رآها أراد شراءها لنفسه، وخاف أن يحلفه أنه إنما اشتراها بمال الموكِّل له، وهو وكيله، فالوجه أن يعزل نفسه عن الوكالة، ثم يشتريها بثمن في ذمته، ثم ينقد ما معه من الثمن، ويصير لموكله في ذمته نظيره.
قالوا: وأما نحن فلا تأتي (5) هذه الحيلة على أصولنا؛ لأن الوكيل لا يملك عَزل نفسه إِلا بحضرة موكله.
(1) في (ك) و (ق): "مما عليه له".
(2)
"أي الحنابلة"(و).
(3)
في (ك) و (ق): "قالوا".
(4)
في (ك): [الشجر للثمرة].
(5)
في (ق): "تتأتى".
قالوا: وقد قالت (1) الحنابلة أيضًا: لو أراد إجارة أرض له فيها زرع [لم يجز، والحيلة](2) في جوازه أن يبيعه الزرع ثم يؤجره الأرض، فإن أراد بعد ذلك أن يشتري منه الزرع جاز.
وقالوا: لو شَرَط رب المال على المضارب ضمان مال المضاربة لم يصح، والحيلة في صحته أن يقرضه المال في ذمته ثم يقبضه المضارب منه، فإذا قبضه دفعه إلى مالكه الأول مضاربة ثم يدفعه رب المال إلى المضاربِ بضَاعةً فإن توى (3) فهو من ضمان المضارب؛ لأنه قد صار مضمونًا عليه بالقَرْض فتسليمه إلى رب المال مضاربة كتسليم مال له آخر. وحيلة أخرى، وهي أن يُقْرِضَ ربُّ المال المضاربَ ما يريد دفعه إليه، ثم يخرج من عنده درهمًا واحدًا، فيشاركه على أن يعملا بالمالين جميعًا على أن ما رزقه اللَّه فهو بينهما نصفين، فإن عمل أحدهما بالمال بإذن صاحبه فربح كان الرِّبح بينهما على ما شرطاه، وإن خسر كان الخسران على قدر المالين، على رب المال بقدر الدرهم وعلى المضارب بقدر رأس المال، وإنما جاز ذلك لأن المضارب هو الملزِمُ نفسَه الضمان بدخوله في القرض.
وقالوا: لا تجوز المضاربة على العرض، فإن كان عنده عرض فأراد أن يضارب عليه فالحيلة في جوازه أن يبيعه العرض ويقبض ثمنه فيدفعه إليه مضاربة ثم يشتري المضارب ذلك المتاع بالمال.
وقالوا (4): لو حلفته امرأته أن كل جارية يشتريها فهي حرة، فالحيلة في جواز الشراء ولا تُعتق أن يعني بالجارية السفينة ولا تعتق، وإن لم تحضره هذه النية وقت اليمين فالحيلة أن يشتريها صاحبه ويهبه إياها ثم يهبه نظير الثمن.
وقالوا: لو حلَّفته أن كل امرأة يتزوجها عليها فهي طالق، وخاف من هذه اليمين عند من يصحح هذا التعليق فالحيلة أن ينوي كل امرأة أتزوجها على طلاقك: أي يكون طلاقُكِ صداقَهَا، أو كل امرأة أتزوجها على رقبتك: أن تكون
(1) في (ك): "قال".
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "فالحيلة".
(3)
"توى -بالتاء المثناة-؛ أي هلك، وفي عامة الأصول عدا (ق): "نوى" -بالنون- ونعتقد أنه تصحيف ما أثبتناه"(د) وقال (و): "هلك، وأصلها نوى، ولكن تقدم ذكرها في الكتاب توى".
(4)
في (ك) و (ق): "قالوا".
رقبتُك صداقها فهي طالق، فلا يحنث بالتزويج على غير هذه الصفة.
وقالوا: لو أراد أن يصرف دنانير بدراهم ولم يكن عند الصيرفي مبلغ الدراهم وأراد أن يصير عليه بالباقي لم يجز، والحيلة فيه أن يأخذ ما عنده من الدراهم بقدر صَرْفه ثم يقْرِضه إياها فيصرف بها الباقي، فإن لم يوف (1) فعل ذلك مرارًا حتى يستوفي صرفه، ويصير ما أقرضه دينًا عليه، لا أنه عوض الصرف.
وقالوا: لو أراد أن يبيعه دراهم بدنانير إلى أجل لم يجز، والحيلة في ذلك أن يشتري منه متاعًا وينقده ثمنه ويقبض المتاع، ثم يشتري البائع منه ذلك المتاع بدنانير إلى أجل، والتأجيل جائز في ثمن المتاع.
وقالوا: لو مات رب المال بعد أن قبض المضارب المال انتقل إلى ورثته، فلو اشترى المضارب به بعد ذلك متاعًا ضمن؛ لأنه تصرف بعد بطلان الشركة، والحيلة في تخلص المضارب من ذلك أن يشهد رب المال أن حِصَّته من المال الذي دفعه إليه مضاربة لولده، وأنه مقارض إلى هذا الشريك بجميع ما تركه، وأمره أن يشتري لولده ما أحب في حياته، وبعد وفاته، فيجوز ذلك؛ لأن المانع منه كونه متصرفًا في ملك الغير بغير وكالة ولا ولاية، فإذا أذن له في التصرف بريء من الضمان، وإن (2) كانت هذه الحيلة إنما تتم إذا كان الورثة أولادًا صغارًا.
وقالوا: لو صالح عن المؤجل ببعضه حالًا لم يصح، والحيلة في تصحيحه أن يفسخا العقد الذي وقع على المؤجل ويجعلاه بذلك القدر الحال.
وقالوا: لو لبس المتوضئ أحد الخفين قبل غسل [الرجل](3) الأخرى ثم غسل الأخرى ولبس عليها لم يجز المسح؛ لأنه لم يلبس على كمال الطهارة، والحيلة في جواز المسح أن يخلع هذه الفردة الثانية ثم يلبسها (4).
قالوا: ولو أوصى لرجل بخدمة عبدِه أو بما في بطن أمته جاز، فلو أراد الورثة شراء خدمة العبد أو ما في بطن الأمة من الموصى له لم يجز، والحيلة في جوازه أن يصالحوه عن (5) الموصى به على ما يبذلونه له فيجوز، وإن لم يجز البيع فإن الصلح يجوز فيه ما لا يجوز في البيع.
(1) في (ن) و (ك): "فإن لم يعرف".
(2)
في (ك) و (ق): "فإن".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(4)
انظم بسط المسألةُ وأدلتها في "الخلافيات"(3/ 235 - بتحقيقي).
(5)
في (ن) و (ك): "من".
قالوا: ولا (1) تجوز الشركة بالعروض، فإن كان لأحدهما عرض يساوي خمسة آلاف درهم وللآخر عرض يساوي ألفًا فأحَبَّا أن يشتركا في العرضين، فالحيلة أن يشتري صاحب العرض الذي قيمته خمسة آلاف [من الآخر خمسَةَ أسداس عرضه بسدس عرضه هو؛ فيصير للذي يساوي عرضه ألفًا سدس جميع المال، وللآخر خمسة أسداسه](2)؛ لأن جميع ماليهما ستة آلاف، وقد حصل كل واحد من العرضين بهذه الشركة بينهما أسداسًا، خمسة أسداسه لأحدهما وسدسه للآخر، فإذا هلك أحدهما هلك على الشركة.
قالوا: ولا تقبل شهادة الموكل لموكله فيما هو وكيل (3) فيه، فلو لم يكن [له](4) شاهد غيره وخاف ضياع حقه فالحيلة أن يَعْزِلَه حتى يشهد له ثم يوكله بعد ذلك إن أراد.
قالوا: ولو أعتق عبده في مرضه، وثلثه يحتمله، وخاف عليه من الورثة أن يجحدوا المال ويرثوا ثلثيه؛ فالحيلة أن يدفع إليه مالًا يشتري (5) نفسه منه بحضرة شهود، ويشهدون أنه قد أَقْبضه الماله، وصار العبد حرًا.
قالوا: وكذلك الحيلة لو كان لأحد الورثة دَيْن على الموروث (6)، وليست له به بينة، فاراد بيعه (7) العبد بَدْينه الذي له عليه فعل مثل ذلك [سواء](8).
قالوا: ولو قال: "أوصيتُ إلى فلان، وإن (9) لم يقبل فإلى فلان" وخاف أن تبطل الوصية على مذهب مَنْ لا يرى جواز تعليق الوصية (10) بالشرط، [فالحيلة] (11) أن يقول:"فلانٌ وفلانٌ وصيّان، فإن لم يقبل أحدهما وقبل الآخر فالذي قبل هو الوصي" فيجوز على قول الجميع؛ لأنه لم يعلّق الولاية بالشرط.
قالوا: ولو أراد ذمي أن يُسْلِم وعنده خمرٌ كثير، فخاف أن يذهب عليه
(1) في (ق): "فلا".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن)، وبدله في (ق):"درهم أسداسه"!!
(3)
في المطبوع: "وكيله".
(4)
سقط من (ك).
(5)
في (ق): "يشري".
(6)
في (ق): "لأحد الورثة على الموروث بين".
(7)
في (ن) و (ق): "أن يبيعه".
(8)
سقط من (ق).
(9)
في (ق): "فان".
(10)
كذا في (ق)، وفي سائر الأصول:"الولاية".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).