الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحيلة] (1)، فأوجدونا أمرًا رابعًا نصير إليه، وكذلك الرجل ينزغه (2) الشيطان فيقع به الطلاق فيضيق عليه جدًا مفارقةُ امرأته وأولاده وخراب بيته، فكيف ينكر في حكمة اللَّه ورحمته أن نتحيل له بحيلة تُخْرجه من هذا الإصر والغل؟ وهل الساعي في ذلك إلا مأجور غير مأزور كما قاله إمام الظاهرية في وقته أبو محمد بن حزم (3) وأبو ثور (4) وبعض أصحاب أبي حنيفة (5)، وحملوا أحاديثَ التحريم على ما إذا شرط في صلب العقد أنه نكاح تحليل؟
[استدلالهم بعمل السلف وقولهم]
قالوا: وقد روى عبد الرزاق، عن هشام بن حسان، عن محمد ابن سيرين قال: أرْسَلَت امرأة إلى رجل، فزوَّجته نفسها ليحلها لزوجها، فأمره عمر [بن الخطاب رضي الله عنه] أن يُقيمَ معها ولا يطلقها، وأوْعَده إن يعاقبه أن طلَّقها (6)؛ فهذا أمير المؤمنين قد صحح نكاحه، ولم يأمره باستئنافه، وهو حجة في صحة نكاح المحلل والنكاح بلا ولي.
وذكر عبد الرزاق، عن مَعْمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه كان لا يرى بأسًا بالتحليل، إذا لم يعلم أحد الزوجين (7)، قال ابن حزم (8):"وهو قول سالم بن عبد اللَّه والقاسم بن محمد".
وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محلِّلًا ثم رَغِبَ فيها فأمسكها، قال: لا بأس بذلك (9).
(1) بدل ما بين المعقوفتين في (ك) و (ق): "بالحيلة".
(2)
في المطبوع: "ينزعه" بالعين المهملة.
(3)
انظر: "المحلى"(10/ 181 - 185) لابن حزم رحمه الله.
(4)
انظر: "المحلى"(11/ 487) و"نيل الأوطار"(7/ 312)، "فقه الإمام أبي ثور"(ص 471).
(5)
هذه رواية بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة، وانظر:"اللباب (3/ 58)، "المبسوط" (6/ 9، 10)، وهو قول عند الشافعية انظر: "مغني المحتاج" (3/ 183)، "نيل الأوطار" (7/ 312).
(6)
رواه عبد الرزاق في "مصنفه"(10786)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 182) ورواه عبد الرزاق أيضًا (10787) عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين به، وابن سيرين لم يدرك عمر، وما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(7)
رواه عبد الرزاق (10782)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى"(10/ 182)، ورواته ثقات.
(8)
في "المحلى"(10/ 182).
(9)
رواه عبد الرزاق (10784)، وذكره ابن حزم في "المحلى"(10/ 182).
وقال الشعبي: لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج (1).
وقال الليث بن سعد: إن تزوَّجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلم المطلِّق ولا هي بذلك وإنما كان ذلك إحسانًا منه (2) فلا بأس أن ترجع إلى الأول، فإن بيَّن الثاني ذلك للأول بعد دخوله بها لم يضرُّه.
وقال الشافعي وأبو ثور: المحلِّل الذي يفسد نكاحه هو الذي يعقد عليه في نفس عقد النكاح أنه يتزوجها (3) ليحلها ثم يطلقها، فأما من لم يشترط ذلك [عليه] في عقد النكاح فعقده (4) صحيحٌ لا داخلة فيه، سواء شرط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشرط (5)، نوى ذلك [في نفسه] أو لم ينوه، قال أبو ثور: وهو مأجور (6).
وروى بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، عن (7) أبي حنيفة مثل هذا سواء. وروى أيضًا محمد وأبو يوسف (8) عن أبي حنيفة: إذا نوى الثاني تحليلها (9) للأول لم تحل له بذلك.
وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة (10): "أنه [و] إن اشترط (11) عليه في نفس العقد أنه إنما يتزوجها (12) ليحلها للأول فإنه نكاحٌ صحيح [ويحصنان به]، ويبطل الشرط، وله أن يقيم معها"(13).
فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة.
(1) رواه عبد الرزاق (10789)، وذكره ابن حزم في "المحلى"(10/ 182).
(2)
كذا في الأصول كلها، وفي "المحلى" (10/ 182):"منه احتسابًا"، وفي (ك):"منه إِحسانًا".
(3)
في (ق): "إنما تزوجها".
(4)
في (ن) و (ك) و (ق): "فنكاحه"، وفي مطبوع "المحلى":"فهو عقد".
(5)
في مطبوع "المحلى": "يشترط".
(6)
"المحلى"(10/ 182)، وما بين المعقوفتين منه وسقط من سائر الأصول.
(7)
في المطبوع: "وعن".
(8)
في مطبوع "المحلى" و (ك): "عن أبي يوسف"، وفي (ق):"عن محمد عن أبي يوسف".
(9)
في جميع النسخ: "وهي تحليلها"، ولا وجود لـ "وهي" في "المحلى".
(10)
في النسخ الخطية: "عن زفر عن أبي حنيفة"، وما أثبتناه من المطبوع، و"المحلى".
(11)
في (ق): "شرط".
(12)
في جميع النسخ "تزوجها"، وما أثبتناه من "المحلى".
(13)
في مطبوع "المحلى": "وله أن يمسكها، فإن طلقها حلت للأول"، وما بين المعقوفات من "المحلى".
قالوا: وقد قال اللَّه تعالى: {فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وهذا زوج، قد (1) عقد بمهر وولي ورضاها وخلوّها من الموانع الشرعية، وهو راغب في رَدِّها إلى الأول؛ فيدخل في حديث ابن عباس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:"لا نكاح إلا نكاح رغبة"(2) وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر اللَّه تعالى بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شرط في عَوْدها إلى الأول مجردَ ذَوْق العُسَيْلة بينهما، وغيَّى (3) الحلَّ بذلك فقال:"لا، حتى تذوق عُسَيْلته ويذوق عسيلتها"(4) فإذا تذاوقا العسيلة حَلَّتْ له بالنص (5).
(1) في المطبوع: "وقد".
(2)
رواه الطبراني في "الكبير"(11567)، وابن حزم في "المحلى" (10/ 184) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس به مرفوعًا وزاد:"ولا مستهزئ بكتاب اللَّه لم يذق العُسَيْلة".
وهذا إسناد ضعيف، إبراهيم بن إسماعيل ضعفه البخاري والنسائي وابن معين والدارقطني وغيرهم، وقوّاه أحمد، وداود بن الحصين، ثقة إلا في روايته عن عكرمة والحديث لم يذكره الهيثمي في "المجمع"!
وقال ابن حزم عقبه: "فهذا حديث موضوع، لأن إسحاق بن محمد الفروي ضعيف جدًا، متروك الحديث، ثم عن إبراهيم بن إسماعيل، وهو بلا شك، إما ابن مجمع، وإما ابن حبيبة، وكلاهما أنصاري مدني، ضعيف لا يحتج بهما".
وله شاهد من حديث ابن عمر: رواه الطبراني في "الأوسط"(6246)، والحاكم (2/ 199)، ومن طريقه البيهقي (7/ 208)، وقال فيه: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحًا على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وعزاه الهيثمي في "المجمع"(4/ 267) للطبراني في "الأوسط"، وقال: ورجاله رجال الصحيح.
وقال (و): "سبق نسبة هذا إلى عثمان، وابن عمر، وقلت: إنه يُروى موقوفًا ومرفوعًا" اهـ.
(3)
في (د)، و (ط) و (ق):"وغيًا"، وقال (د):"هكذا، والصواب أن ذوق العسيلة غاية لعدم الحل؛ فإذا حصل ذوق العسيلة؛ فقد حلت" اهـ.
(4)
رواه البخاري (2639) في (الشهادات): باب شهادة المختبئ و (5260 و 5261) في (الطلاق): باب من جوز طلاق الثلاث، و (5265) من قال لامرأته: أنت علي حرام، و (5317) باب إذا طلقها ثلاثًا ثم تزوجت بعد العدة زوجًا غيره، فلم يمسّها، و (5792) في (اللباس): باب الإزار المهذب، و (5825) باب الثياب الخضر، و (6084) في (الأدب): باب التبسم والضحك، ومسلم (1433) في النكاح، باب لا تحل المطلقة ثلاثًا لمطلقها حتى تنكح زوجًا غيره، من حديث عائشة.
(5)
في (ق): "بالنص له".