الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للبينونة التابعة لقصدهما، فإذا خالعها ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة، بل حلّ اليمين، وحلُّ اليمين إنما يحصل تبعًا للبينونة لا أنه المقصود بالخلع الذي شرعه اللَّه ورسوله (1)، وأما خلع الحيلة فجاءت البينونة فيه لأجل حل اليمين، وحل اليمين جاء لأجل البينونة؛ فليس عقد الخلع بمقصود (2) في نفسه للرجل ولا للمرأة، واللَّه تعالى لا يشرع عقدًا لا يقصد واحد من المتعاقدين حقيقته، وإنما يقصدان به ضد ما شرعه [اللَّه](3) له؛ فإنّه شُرِع لتخلُّص المرأة من الزوج، والمتحيّل يفعله لبقاء النكاح؛ فالشَّارع شرعه لقطع النكاح، والمتحيّل يفعله لدوام النِّكاح.
فصل [المتأخرون هم الذين أحدثوا الحيل ونسبوها إلى الأئمة]
والمتأخرون (4) أحْدَثوا حيلًا لم يصح القول بها عن أحد من الأئمة، ونسبوها إلى الأئمة، وهم مخطئون في نسبتها إليهم، ولهم مع الأئمة موقفٌ بين يدي اللَّه عز وجل، ومن عَرَف سيرة الشافعي وفضله ومكانه من الإسلام علم أنه لم يكن معروفًا بفعل الحيل، ولا بالدلالة عليها، ولا كان يشيرُ على مسلمٍ بها.
[تبرئة الشافعي من تهمة الحيل]
وأكثر الحيل التي ذكرها المتأخرون المنتسبون إلى مذهبه من تصرفاتهم، تَلَقّوْها عن المشرقيين، وأدخلوها في مذهبه، وان كان رحمه اللَّه تعالى يجري العقود على ظاهرها، ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته، كما تقدم حكاية كلامه، فحاشاه ثم حاشاه أن يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا
(1) في (ق): "الذي شرعه اللَّه سبحانه" دون قوله: "ورسوله".
(2)
في (ق): "مقصودًا".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك)، ومضروب عليها في (ق).
(4)
قال (و): "يقول شيخ الإسلام في "فتاويه": "إن هذه الحيل أول ما ظهر الإفتاء بها في أواخر عصر التابعين" (ص 167 ج 3 الفتاوى) اهـ.
قلت: وهذا القول في "بيان الدليل"(ص 182)، وتمامه:"وأنكر ذلك علماء ذلك الزمان مثل أيوب السختياني، وحماد بن زيد، ومالك بن أنس، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن هارون، وعبد الرحمن بن مهدي، وعبد اللَّه بن المبارك، والفضيل بن عياض، ومثل شريك بن عبد اللَّه، والقاسم بن معن، وحفص بن غياث. . . ".
حقيقةَ له، بل ما يتيقن (1) أن باطنه خلاف ظاهره، ولا يُظن بمن دون الشافعي من أهل العلم والدين أنه يأمر أو يبيح ذلك؛ فالفرق [ظاهرٌ](2) بين أن لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين (3) أن يُسِّوغ عقدًا قد علم بناؤه على المكر والخداع وقد علم أن باطنه خلاف ظاهره.
فواللَّه ما سَوَّغ الشافعي ولا إمام من الأئمة هذا العقد قط، ومن نسب ذلك إليهم فهم خصماؤه عند اللَّه؛ فالذي سوغه الأئمة بمنزلة الحاكم يُجْرِي الأحكام على ظاهر عدالة الشهود وإن كانوا في الباطن شهودَ زورٍ، والذي سوغه أصحاب الحيل بمنزلة الحاكم يعلم أنهم في الباطن شهود زور كَذَبة وأنَّ ما شهدوا به لا حقيقةَ له (4) ثم يحكم بظاهر عدالتهم. وهكذا في مسألة العِينة: إنما جوَّز الشافعي أن يبيع السلعة ممن اشتراها منه جَرْيًا على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع، ولو قيل للشافعي:"إن المتعاقدين قد تواطئا على ألفٍ بالفٍ ومئتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السلعة محللًا للربا"[لم](5) يجوَّز ذلك، ولأنكره غاية الإنكار.
ولقد كان الأئمة من أصحاب الشافعي (6) ينكرون على مَنْ يحكي عنه الإفتاء بالحيل، قال الإمام أبو عبد اللَّه بن بطة (7): "سألت أبا بكر الآجري وأنا وهو بمنزله بمكة (8) عن هذا الخلع الذي يفتي به [بعض](9) الناس، وهو أن يحلف رجل أن [لا](10) يفعل شيئًا، ولا بد له من فعله، فيقال له: اخلع زوجتك وافعل ما حَلَفْتَ عليه ثم راجعها، واليمين بالطلاق ثلاثًا، وقلت له: إن قومًا يفتون [هذا](11) الرجل الذي يحلف بأيمان البيعة ويحنث أن لا شيء عليه، ويذكرون أن
(1) في (ن) و (ق): "ما يتبين".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ق): "وأما".
(4)
في (و): "لا حقيقة لا به"!
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (و).
(6)
قال (و): "انظر (ص 183 ج 3) "فتاوى ابن تيمية"، فعنه يأخذ هنا أيضًا" اهـ.
قلت: وهو في "بيان الدليل"(ص 215 - 216).
(7)
في كتاب "إبطال الحيل"(ص 69 - 71 - المكتب الإسلامي).
وفيه بعض الاختلاف أشرت إلى المهم منه.
(8)
في (ك): "في منزله"، وفي (ق):"بمنزله في مكة".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من نسخ "الإعلام".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من "إبطال الحيل"، وفي (ق):"ألا".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).