الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [الرد على المانعين]
وأما قولُكم: "إنه استثناءٌ يرفع جملة الطلاق فلم يصح، كقوله: أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا"، فما أبردها من حجَّة، فإن الاستثناء لم يرفع حكم الطلاق بعد وقوعه، وإنما منع [من] (1) انعقاده منجزًا بل انعقد معلَّقًا كقوله:"أنت طالق إن شاء فلان"، فلم يشأ فلان؛ فإنها لم (2) تطلق، ولا يقال: إن الاستثناء رفع جملة الطلاق (3).
وأما قولكم: "إنه إنشاءُ حكم في محل، فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح" فأبْرَدُ من الحجة التي قبلها؛ فإن البيع والنكاح لا يصح تعليقهما بالشرط، بخلاف الطلاق.
وأما قولكم: "إزالة ملك؛ فلا (4) يصح تعليقه على مشيئة اللَّه كالإبراء" فكذلك أيضًا فإن الإبراء لا يصح تعليقه على الشرط مطلقًا عندكم، سواء كان الشرط مشيئة اللَّه (5) أو غيرها، فلو قال:"أبرأتك إن شاء زيد" لم يصحّ، ولو قال:"أنت طالق إن شاء زيد" صح.
وأما قولكم: "إنه تعليق على ما لا سبيل إلى العلم به" فليس كذلك، بل هو تعليقٌ على ما لنا سبيل إلى علمه؛ فإنه إذا أوقعه في المستقبل علمنا وجود الشرط قطعًا وأن اللَّه قد شاءه.
وأما قولكم: "إن اللَّه قد شاءه بتكلم المُطَلَّق به"(6) فالذي شاءه اللَّه إنما هو طلاق معلَّق، والطلاق المنجّز لم يشأه اللَّه، إذ لو شاءه لوقع ولا بد، فما شاءه اللَّه لا يُوجب وقوع الطلاق في الحال، وما يوجب وقوعه في الحال لم يشأه اللَّه.
وأما قولكم: "إن اللَّه [سبحانه و] (7) تعالى وضع لإيقاع الطلاق هذه اللفظَةَ شرعًا وقدرًا" فَنَعَمْ وضع تعالى (8) المنجز لإيقاع المنجز، والمعلَّق لوقوعه عند وقوع ما عُلِّقَ به.
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ك) و (ق): "لا".
(3)
في (ق): "إن هذا استثناء رافع لجملة الطلاق"، وفي (ك):"أن هذا استثناء رفع جملة الطلاق".
(4)
في (ك) و (ق): "فلم".
(5)
في (ق): "بمشيئة اللَّه".
(6)
في (ق): "شاء تكلم المطلق به".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(8)
في (ق) و (ك): "سبحانه".
وأما قولكم (1): "لو لم يشأ الطلاق لم يأذن للمكلَّف في التكلم به" فنعم شاء المعلَّق وأذنَ فيه، والكلام في غيره.
وقولكم: " [إن] (2) هذا نظير قوله، وهو متلبِّس (3) بالفعل: أنا أفعل إن شاء اللَّه"، فهذا فصل النزاع في المسألة، فإذا أراد بقوله:"أنت طالق إن شاء اللَّه هذا التطليق الذي صَدَرَ مني" لزمه الطلاق قطعًا لوجود الشرط، وليس كلامنا فيه، وإنما كلامنا فيما إذا أراد:"إن شاء اللَّه طلاقًا مستقبلًا" أو أطْلَق ولم يكن له نيّة، فلا ينبغي النزاع في القسم الأول، ولا يظن أن أحدًا من الأئمة ينازع فيه، فإنه تعليق على شرط مستقبل ممكن لا (4) يجوز إلغاؤه، كما لو صرَّح به فقال:"إن شاء اللَّه أن أطلقك غدًا فأنت طالق" إلا أن يستروح (5) إلى ذلك المسلك الوخيم أنه علَّق الطلاق بالمستحيل فلغا التعليق كمشيئة الحجر والميت.
وأما إذا أطلق ولم يكن له نية، فيحمل مُطْلَقُ كلامه على مقتضى الشرط لُغةً وشرعًا وعرفًا [وهو اقتضاؤه للوقوع في المستقبل](6).
وأما استدلالكم بقول يوسف لأبيه وإخوته: {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف: 99] ، فلا حجة فيه، فإن الاستثناء إن عاد إلى الأمر المطلوب دَوَامه واستمرارهُ فظاهر، وإن عاد إلى الدخول المقيَّد به فمن أين لكم أنه قال لهم هذه المقالة حال الدخول أو بعده؟ ولعله إنما قالها عند تَلَقّيه لهم، ويكون دخولهم عليه في منزلة (7) اللقاء فقال لهم حينئذ:{ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} فهذا محتمل، وإن كان إنما قال لهم ذلك بعد دخولهم عليه في دار مملكته، فالمعنى: ادخلوها دخول استيطان واستقرار آمنين إن شاء اللَّه.
وأما قولكم: "إنه لو أتى بالشهادتين ثم قال: إن شاء اللَّه أو قال: أنا مسلم إن شاء اللَّه صحّ إسلامه في الحال"، فَنَعَمٌ إذًا فإن الإسلام لا يَقبل التعليق بالشرط، فإذا علَّقه بالشرط تنجز، كما لو علق الردة بالشرط فإنها تنجز (8)، وأما الطلاق فإنه يصح تعليقه بالشرط.
(1) في (ك) و (ق): "وقولكم".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(3)
في (ك): "ملتبس".
(4)
في (ك) و (ق): "فلا".
(5)
في (ق): "تستروحوا"، وفي (ك):"يستردوا".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في المطبوع و (ك): "منزل".
(8)
في (ق): "تتنجز".
وأما قولكم: "إنه من المعلوم قطعًا أن اللَّه قد شاء تكلمه بالطلاق، فقوله بعد ذلك: إن شاء اللَّه تحقيقٌ لما علم أن اللَّه قد شاءه"، فقد (1) تقدم جوابه، وهو أن اللَّه إنما شاء الطلاق المعلّق، فمن أين لكم أنه شاء المنجز؟ ولم تذكروا عليه دليلًا.
وقولكم: "إنه بمنزلة قوله: أنت طالق إن كان اللَّه أذن في الطلاق أو أباحه (2)، ولا فرق بينهما" فما أَعْظَم الفرق بينهما وبينه حقيقة ولغة، وذلك ظاهر عن تكلف بيانه؛ فإن بيان الواضحات نوع من العي، بل نظير ذلك أن يقول: أنت طالق إن كان اللَّه قد شاء تلفظي بهذا اللفظ؛ فهذا يقع قطعًا.
وأما قولكم: "إن الكفارة أقوى من الاستثناء؛ لأنها ترفع حكم اليمين، والاستثناء (3) يمنع عقدها وإذا لم تدخل الكفارة في الطلاق والعتاق، فالاستثناء أولى" فما أوْهَنَهَا (4) من شبهة، وهي عند التحقيق لا شيء؛ فإن الطلاق والعتاق إذا وقعا لم تؤثِّر فيهما الكفارة شيئًا ولا يمكن حلَّهما بالكفارة، بخلاف اليمين (5) فإن حلها بالكفارة ممكن، وهذا تشريع شَرَعه شارع الأحكام هكذا فلا يمكن تغييره، فالطلاق والعتاق لا يقبل الكفارة، كما (6) لم تقبلها سائر العقود، كالوقف، والبيع، والهبة، والإجارة، والخُلع، الكفارة مختصة بالأيْمان، وهي من أحكامها التي لا تكون لغيرها وأما الاستثناء فيشرع في أعم من اليمين كالوعد والوعيد، والخبر عن المستقبل، كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وإنا إنْ شاء اللَّه بكم لا حقون"(7)، وقوله عن أبيّ بن خَلَف:"بل أنا أقتله إن شاء اللَّه"(8).
(1) في (ق) و (ك): "قد".
(2)
في (ق): "وأباحه".
(3)
في (ك): "واستثناءه".
(4)
في (ق) و (ك): "فما أدهشها".
(5)
في المطبوع و (ك): "الأيمان".
(6)
في (ق): "وكما".
(7)
رواه مسلم (249) في (الطهارة): باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، من حديث أبي هريرة.
ورواه مسلم (974) في (الجنائز): باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، من حديث عائشة.
ورواه مسلم (975) في االجنائز: باب الصلاة على الجنازة في المسجد، من حديث بريدة.
(8)
رواه عبد الرزاق في "تفسيره"(3/ 68 - 69) عن معمر، عن عثمان الجزري، عن مقسم مولى ابن عباس، عن ابن عباس، فذكر قصة طويلة فيها قوله صلى الله عليه وسلم وصله قول أبيّ بن حلف:"واللَّه لأقتلن محمدًا"، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال:"بل أنا أقتله إن شاء اللَّه". =
وكذلك (1) الخبر عن الحال نحو: "أنا مؤمن إن شاء اللَّه"، ولا تدخل الكفارة في شيء من ذلك، فليس بين الاستثناء والتكفير تلازم، بل تكون الكفارة حيث لا استثناء، والاستثناء حيث لا كفارة، والكفارة شرعت تَحِلَّةً لليمين بعد عَقْدها والاستثناء شرع لمعنًى آخر، وهو تأكيد التوحيد، وتعليق الأمور بمشيئة مَنْ لا يكون شيء إلا بمشيئته، فشرع للعبد أن يفوض الأمر الذي عزم عليه، وحلف على فعله أو تركه إلى مشيئة اللَّه، ويعقد نطقه بذلك فهذا شيء والكفارة شيء آخر.
وأما قولكم: "إن الاستثناء إن كان رافعًا فهو رافع لجملة المُستثنى منه فلا يرتفع"، فهذا كلام عارٍ عن التحقيق؛ فإن هذا ليس باستثناء بأداة "إلا" وأخواتها التي يخرج بها بعض المذكور، ويبقى بعضُه حتى يلزم ما ذكرتم، وإنما هو شرط ينتفي المشروط عند انتفائه كسائر الشروط، ثم (2) كيف يقول هذا القائل في قوله:"أنت طالق إن شاء زيد اليوم"، ولم يشأ؟ فموجب دليله أن هذا لا يصح.
فإن قيل: فلو أخرجه بأداة إلا فقال: "أنت طالق إلا أن يشاء اللَّه" كان رفعًا لجملة المستثنى منه.
= وعثمان الجزري هذا: هو ابن عمرو بن ساج، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال العقيلي: لا يتابع في حديثه، وقال الأزدي: يتكلمون في حديثه وذكره ابن حبان في "الثقات". وقد عزاه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 250)، لعبد الرزاق في "مصنفه"، ولابن جرير من حديث مقسم مرسلًا ليس فيه ذكر ابن عباس.
نعم في "تفسير الطبري"(19/ 8) رواية للقصة من حديث مقسم؛ لكن ليس فيها هذا القول. وله شواهد مرسلة:
فقد رواه موسى بن عقبة في "مغازيه" -كما في "دلائل النبوة" للبيهقي (3/ 211) - عن ابن شهاب الزهري مرسلًا.
ورواه ابن هشام في "سيرته"(3/ 32) عن ابن إسحاق: حدثني صالح بن عبد الرحمن مرسلًا به.
وذكره ابن كثير في "تفسيره"(1/ 424) من مرسل عروة بن الزبير.
والطريق المسند مع هذه المراسيل تجعل للقدر المشترك بينها -وهي لفظ الحديث- أصلًا واللَّه أعلم.
ووقع في جميع النسخ عدا (ق): "أمية بن خلف" بدل "أبي بن خلف"، والتصويب من مصادر التخريج و (ق).
(1)
في المطبوع: "وكذا".
(2)
عنون في هامش (ق) على هذه الفقرة بقوله: "معنى إلا وأخواتها".
قيل: هذه مغالطة (1) ظاهرة؛ فإن الاستثناء هاهنا ليس إخراج جملة ما تناوله المذكور ليلزم ما ذكرت، وإنما هو تقييد لمطلق الكلام الأول بجملة أخرى مخصصة لبعض أحوالها أي: أنت طالق في كل حالة إلا حالة واحدة، وهي حالة لا يشاء اللَّه فيها الطلاق؛ فإذا لم يقع منه طلاق بعد هذا علمنا بعدم وقوعه أن اللَّه تعالى (2) لم يشأ الطلاق؛ إذ لو شاءه لوقع، ثم ينتقض هذا بقوله:"إلا أن يشاء زيد"، و"إلا أن تقومي" ونحو ذلك؛ فإن الطلاق لا يقع إذا لم يشأه زيد، وإذا لم تقم، وسُمِّي هذا التعليق بمشيئة اللَّه تعالى (3) استثناء في لغة الشارع؛ كقوله تعالى (2):{إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ} [القلم: 17 - 18] أي: لم يقولوا: إن شاء اللَّه، فمَنْ حلف فقال: إن شاء اللَّه، فقد استثنى؛ فإن الاستثناء استفعال من ثَنَيْتُ الشيءَ، [كأنَّ المستنثى](4)، بإلَّا قد عاد على كلامه، فَثنى آخره على أوله بإخراج ما أدخله أولًا في لفظه (5)، وهكذا التقييد (6) بالشرط سواء؛ فإن المتكلم به قد ثَنَى آخرَ كلامه على أوله، فقيَّد به ما أطلقه أولًا، وأما تخصيص الاستثناء بإلَّا وأخواتها فعُرْفٌ خاصٌ للنُّحاة.
وقولكم: "إن كان شرطًا ويراد به: إن كان اللَّه قد شَاءَ طلاقك [في المستقبل] (7) فينفذ لمشيئة اللَّه تعالى له بمشيئته لسببه، وهو الطلاق المذكور، وإن أراد به إن شاء اللَّه أن أطلِّقك في المستقبل، فقد علَّقه بما لا سبيل إلى العلم به، فيلغو التعليق، ويبقى أصل الطلاق"، فهذا هو أكبر عُمْدة الموقعين، ولا ريب أنه إن أراد بقوله: أنت طالق إن كان اللَّه قد شاء تكلُّمي -بهذا اللفظ- أو شاء طلاقكِ بهذا اللفظ، طلقتِ، [و](7) لكن المُستثني لم يُرِدْ هذا بل ولا خطر على باله، فيبقى (8) القسم الآخر؛ وهو أن يريد: إن شاء اللَّه وقوع الطلاق عليك فيما يأتي، فهذا تعليقٌ صحيح معقول، يمكن العلم بوجود ما علق عليه بوجود سَببه كما تقدم بيانه.
(1) في المطبوع و (ك): "مغلطة".
(2)
في (ق) و (ك): "سبحانه".
(3)
في (ق) و (ك): "بمشيئته سبحانه".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق) و (ك): "فالمستثنى".
(5)
انظر: "لسان العرب"(14/ 115 - دار الفكر) مادة "ثني"، و"الاستغناء في الاستثناء" للقرافي (ص 14 - 20 دار الكتب العلمية).
(6)
في المطبوع: "التقيد".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
في المطبوع و (ك): "فبقي".
وأما قولكم: "إنه علَّق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن، فوجب (1) نفوذه، كما لو قال: أنت طالق إن عَلِم اللَّه، أو إن قدر [اللَّه] (2)، أو سمع [اللَّه] (2) إلى آخره"، فما أبطلها من حجة! فإنها لو صحَّت لبطُلَ حكم الاستثناء في الأيمان لما ذكرتموه بعينه، ولا نفع الاستثناء في موضع واحد (3)، ومعلوم أن المُستثني لم يخطر هذا على باله، وإنما أراد تفويض الأمر إلى مشيئة اللَّه وتعليقه به، وأنه إن شاءه وقع (4)، وإن لم يشأه لم يقع، ولذلك (5) كان مستثنيًا أي وإن كنت قد التَزَمْتُ اليمين أو الطلاق أو العتاق، فإنما التزمته (6) بعد مشيئة اللَّه وتبعًا لها فإن شاءه فهو تعالى (7) ينفذه بما يحدثه من الأسباب، ولم يُرد المُستثني إن كان للَّه (8) مشيئة أو علم أو سمع أو بصر فأنت طالق، ولم يخطر ذلك بباله البتة.
يوضحه أن هذا مما لا يقبل التعليق، ولا سيّما بأداة (إنْ) التي [هي](9) للجائز الوجود والعدم، ولو شك في هذا لكان ضالًا بخلاف المشيئة الخاصة؛ فإنها يمكن أن تتعلَّق بالطلاق وأن لا تتعلق به، وهو شاكٌ فيها كما يشك العبدُ فيما يمكن أن يفعله اللَّه [سبحانه](9) به، وأن لا يفعله هل شاءهُ أم لا؟ فهذا هو المعقول الذي في فطر الحالِفين والمُستثنين، وحذف مفعول المشيئة لم يكن لما ذكرتم، وهو عدم إرادة مفعول معيّن، بل للعلم به، ودلالة الكلام عليه، وتعيّن إرادته (10)؛ إذ المعنى: إن شاء اللَّه طلاقَك فأنت طالق، كما لو قال:"واللَّه لأسافرنَّ إن شاء اللَّه" أي إن شاء [للَّه](9) سَفَري، وليس مراده: إن كان للَّه صفة هي المشيئة؛ فالذي قدّرتموه من المشيئة المطلقة هو الذي لم يخطر ببال الحالف والمطلِّق، وإنما الذي لم يخطر بباله سواه هو المشيئة المعينة الخاصة.
[و](11) قولكم: "إن المُستثني لو سئل عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة، بل تكلَّم بلفظ الاستثناء بناءً على ما اعتاده الناس من التكلم بهذا اللفظ" كلامٌ غير سَديد، فإنه لو صح لما نفع الاستثناء في يمين قط، ولهذا نقول: إن قصد التحقيق
(1) في (ك): "فوجبت".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
في (ك): "ولا يقع الاستثناء إلا في موضع واحد".
(4)
في المطبوع: "نفذ"، وفي (ك):"إن شاء نفذ".
(5)
في (ك): "وكذلك".
(6)
في المطبوع و (ك): "ألتزمه".
(7)
في (ق): "سبحانه"، وفي (ك):"شاء تعالى".
(8)
في المطبوع: "اللَّه".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(10)
في (ق) و (ك): "ومعنى إرادته".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
والتأكيد بذكر المشيئة ينجز (1) الطلاق، ولم يكن ذلك استثناء.
وأما (2) قولكم: "إن الاستثناء بابه الأيْمان" إن أردتم به اختصاص الأيمان به، فلم تذكروا على ذلك دليلًا وقوله صلى الله عليه وسلم:"من حلف فقال: إن شاء اللَّه فقد استثنى"(3)، وفي لفظ آخر:"من حلف فقال: إن شاء اللَّه فهو بالخيار؛ إن (4) شاء فعل، وإن شاء لم يفعل"(5) فحديث حسن، [و](6) لكن لا يوجب اختصاص الاستثناء بالمشيئة باليمين، وقد قال اللَّه تعالى (7):{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: 23 - 24]، وهذا ليس بيمين، ويشرع الاستثناء في الوعد والوعيد، والخبر عن المستقبل، كقوله: غدًا أفعل إن شاء اللَّه، وقد عتب اللَّه سبحانه على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال لمن سأله من أهل الكتاب عن أشياء:"غدًا أخبركم"، ولم يقل: إن شاء اللَّه، فاحتبس الوحيُ عنه شهر ثم نزل عليه:{وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: 23 - 24](8) أي إذا نسيت ذكره بالاستثناء (9) عقيب كلامك فاذكره به إذا ذكرت، هذا معنى الآية، وهو الذي أراده ابن عباس بصحة الاستثناء المتراخي (10)، ولم يقل ابن عباس قط، ولا من هو دونه (11): إن الرجل إذا قال
(1) في (ك): "تنجيز".
(2)
في (ك): "أما".
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في المطبوع: "فإن".
(5)
رواه أحمد (2/ 4826 - 49 و 68 و 126 و 127 و 153)، وأبو داود (3262) في (الأيمان والنذور): باب الاستثناء في اليمبن، والترمذي (1531) في (النذور والأيمان): باب ما جاء في الاستثناء في اليمين، والنسائي (7/ 12) في (الأيمان والنذور): باب من حلف فاسثثنى، و (7/ 25): باب الاستثناء، وابن ماجه (2105) في (الكفارات): باب الاستثناء في اليمين، والدارمي (2/ 185)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/ 360 - 361 و 10/ 46) من طرق عن عبد الوارث بن سعيد: حدثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(7)
في (ق): "قال سبحانه".
(8)
ذكره ابن إسحاق -كما فيِ "سيرة ابن هشام"(1/ 321) - نحوًا من هذا دون إسناد، لكن ذكر الآية التي نزلت {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ. . .} ثم ذكر آيات سورة الكهف، وانظر:"تفسير ابن جرير"(15/ 228) و"تفسير ابن أبي حاتم"(7/ 2355) و"لباب النقول"(ص 143 - 144)، و"تفسر ابن كثير"(3/ 76).
(9)
في المطبوع: "إذا نسيت ذلك الاستثناء".
(10)
انظر ما مضى، وفي (ك):"اراد" بدل "أراده".
(11)
في (ق): "ولم يقل ابن عباس هو ولا من دونه".
لامرأته: "أنت طالق"، أو لعبده:"أنت حر"، ثم قال بعد سنة:"إن شاء اللَّه" إنها لا تطلق، ولا يعتق العبد، وأخطأ من نقل ذلك عن ابن عباس، أو عن أحد من أهل العلم البتة، ولم يفهموا مراد ابن عباس، والمقصود أن الاستثناء لا يختص باليمين [لا](1) شرعًا ولا عرفًا ولا لغةً، وإن أردتم بكون بابه الأيمان كثرتَهُ فيها؛ فهذا لا ينفي دخوله في غيرها.
وقولكم (2): "إنه لا يدخل في الإخبارات ولا في الإنشاءات، فلا يقال: قام زيد إن شاء اللَّه، ولا قم إن شاء اللَّه، ولا بعتُ إن شاء اللَّه، فكذا لا يدخل في قوله: "أنت طالق إن شاء اللَّه" فليس هذا بتمثيل صحيح، والفرق بين البابين أن الأمور الماضية علم أنها وقعت بمشيئة اللَّه، والشرط إنما يؤثر في الاستقبال، فلا يصح أن يقول: قمت أمس إن شاء اللَّه، فلو أراد الإخبار عن وقوعها بمشيئة اللَّه، أتى بغير صيغة الشرط، فيقول: فعلت كذا بمشيئة اللَّه وَعَوْنه وتأييده، ونحو ذلك، بخلاف قوله: غدًا أفعل إن شاء اللَّه، وأما قوله: "قم إن شاء اللَّه"، و"لا تقم إن شاء اللَّه" فلا فائدة في هذا الكلام؛ إذ قد علم أنه لا يفعل إلا بمشيئة اللَّه، فأي معنى لقوله: إن شاء اللَّه لك القيام فقم، وإن لم يشأه فلا تقم؟ نعم لو أراد بقوله: قم أو لا تقم الخبر (3)، وأخرجه مخرج الطلب تأكيدًا أي: تقوم إن شاء اللَّه، صحَّ ذلك، كما إذا قال: مُتْ على الإسلام إن شاء اللَّه، ولا تمت إلا على توبة إن شاء اللَّه، ونحو ذلك: وكذا إن أراد بقوله: "قم إن شاء اللَّه" ردَّ المشيئة إلى معنى خَبَري، أي: [ولا تقوم إلا أن يشاء اللَّه] (4)؛ فهذا صحيحٌ مستقيم لفظًا ومعنى، وأما: "بعت إن شاء اللَّه، واشتريت إن شاء اللَّه" فإن أراد به التحقيق صح وانعقد العقد، وإن أراد به التعليق لم يكن المذكور إنشاءً، وتنافى الإنشاء والتعليق؛ إذ زمن الإنشاء يقارنُ وجودَ معناه، وزمن وقوع المعلَّق يتأخر عن التعليق، فتنافَيَا.
وأما قولكم: "إن هذا الطلاق المعلَّق على المشيئة إما أن يريد طلاقًا ماضيًا أو مقارنًا أو مستقبلًا -[إلى آخره] "(5) فجوابه ما قد تقدم مرارًا أنه إن أراد به [رد](6) المشيئة إلى هذا اللفظ المذكور، وأنَّ اللَّه (إنْ كان [قد])(7) شاءه فأنت
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
في (ك): "قولكم" دون واو.
(3)
في (ق): "فنعم أراد بقوله قم ولا تقم الخبر".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "ولا تقم ان شاء اللَّه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ق).
(6)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).
(7)
ما بين القوسين سقط من (ق) وما بين المعقوفتين سقط من (ك).