الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خطًا واختار أبو القاسم السيوري ومن تبعه (1) من محققي الأشياخ أنه لا يحنث إذا نسي اليمين، وهذا اختيار القاضي أبي بكر [ابن] العربي، قالوا: ولو أكره لم يحنث (2).
فصل [في تعذر فعل المحلوف عليه وعجز الحالف عنه]
(3)
قال أصحاب مالك: مَنْ حلف على شيء ليفعلنَّه فحيل بينه وبين فَعْلِه، فإنْ أجَّل أجلًا فامتنع الفعلُ لعدم (4) المحل وذهابه كموت (5) العبد المحلوف على ضربه أو الحمامة المحلوف على ذبحها فلا حنث عليه بلا خلافٍ منصوص، وإن امتنع الفعل لسبب منع الشرع [منه] (6) كمن حلف ليطأنَّ زوجته أو أمته فوجدها حائضًا فقيل: لا شيء عليه (7).
قلت: وهذا هو الصواب، لأنه إنما حلف على وطء يملكه، ولم يقصد الوطءَ الذي لم يملّكه الشارع إياه، فإنْ قصدَه حنث، [وهذا هو الصواب، لأنه إنما حلف على وطء يملكه](8)، وهكذا في صورة العجز الصواب أنه لا يحنث، فإنه إنما حلف على شيء يدخل تحت قدرته، ولم يلتزم فعل ما لا يقدر عليه، فلا تدخل حالة العجز تحت يمينه، وهذا بعينه قد قالوه في المكره والناسي والمخطئ، والتفريق (9) تناقضٌ ظاهر، فالذي يليق بقواعد أحمد وأصوله أن لا يحنث في صورة العجز، سواء كان العجز لمنع (10) شرعي أو منع كوني قدري، كما هو قوله فيما [لو](11) كان العجز لإكراه مكره، ونصه على خلاف ذلك لا يمنع أن يكون عنده رواية مخرَّجة من أصوله المذكورة، وهذا من أظهر التخريج، فلو وطئ مع الحيض وعصى فهل يتخلَّص من الحنث؟ فيه وجهان في مذهب مالك وأحمد (12):
أحدهما: يتخلص وإن أثم بالوطء كما لو حلف بالطلاق ليشربنَّ هذه
(1) في (ق): "السوري ومن معه".
(2)
المذكور عبارة ابن شاس في "عقد الجواهر الثمينة"(1/ 540) باختصار وتصرف يسير.
(3)
ما بين المعقوفتين من (ك) و (ق).
(4)
في (ك): "بعدم".
(5)
في (ك): "لموت".
(6)
ما بين المعقوفتين من (ك).
(7)
في (ق): "فلا شيء عليه"، وقال في الهامش:"لعله: فقيل: لا شيء عليه".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(9)
في (ك): "فالتعريف".
(10)
في (ق): "بمنع".
(11)
في (ق): "اذا".
(12)
في (ق) و (ك): "أحمد ومالك".
الخمر، فشربها (1) فإنه لا تطلق عليه زوجته.
والثاني: لا يبر؛ لأنه إنما حلف [به](2) على فعل وطء مباح، فلا تتناول يمينه المحرم، [فيقال: إذا كان إنما حلف على وطء مأذون فيه شرعًا لم تتناول يمينه المحرم] (3) فلا يحنث بتركه بعين (4) ما ذكرتم من الدليل وهذا ظاهر.
وحرف المسألة أن يمينه لم تتناول المعجوزَ عنه لا شرعًا ولا قدرًا فلا يحنث بتركه، وإنْ (5) كان الامتناع بمنع ظالم كالغاصب والسارق أو غير ظالم كالمستحق فهل يحنث أم لا؟ قال أشهب: لا يحنث وهو الصواب، لما ذكر، وقال غيرُه من أصحاب مالك: يحنث؛ لأن المحلَّ باقٍ، وإنما حيل بينه وبين الفعل فيه، وللشافعي في هذا الأصل قولان، قال أبو محمد الجويني:"ولو حلف ليشربنَّ ما في هذه الإداوة غدًا فأُريقَ قبل الغد بغير اختياره فعلى قولي الإكراه. قال: والأولى أن لا يحنث، وإن حنَّثنا المكره لعجزه عن الشرب وقدرة المكره على الامتناع" فجعل الشيخ أبو محمد العاجز أولى بالعذر من المكره، وسوَّى غيره بينهما ولا ريب أن قواعد الشريعة وأصولها تشهد لهذا القول (6) فإن الأمر والنهي من الشارع نظير الحض والمنع في اليمين، وكما أن أمره ونهيه منوط بالقدرة فلا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة فكذلك الحض والمنع في اليمين إنما هو مقيَّد (7) بالقدرة.
يوضحه أن الحالف يعلم أنَّ سرَّ نفسه أنه لم يلتزم (8) فعل المحلوف عليه مع العجز عنه وإنما التزمه مع قدرته عليه (9)، ولهذا لم يحنث المغلوب على الفعل بنسيان أو إكراه، ولا من لا قَصْد له إليه كالمغمى عليه وزائل العقل، وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والشافعية (10)، وهو مقتضى أصول الإمام أحمد وإن كان المنصوص عنه خلافه (11)، فإنه قال في رواية ابنه
(1) في (ك) و (ق): "فشربه".
(2)
ما بين المعقوفتين من (ك).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
في (ق): "بغير"، وفي هامشها:"لعله: بعين"، وفي (ك):"تعيّن".
(5)
في (ق): "وإذا".
(6)
في المطبوع: "بهذا القول".
(7)
في (ق): "تعبد"، وفي الهامش: لعله: "مقيد".
(8)
في (ق): "أنه لا يلتزم".
(9)
في (ق) و (ك): "مع القدرة عليه".
(10)
في المطبوع و (ك): "والشافعية والحنفية".
(11)
انظر: "المغني" لابن قدامة (11/ 290 - 300)، و"الفروع"(6/ 391)، و"الإنصاف"(11/ 106 - 107).