الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذمته نصف دينار، ثم يعيده إليه وفاءً عن قرضه، فيبرأ منه (1)، ويفوز كل منهما بما كان مع الآخر.
[تحيل في السلم]
ومثل هذه الحيلة لو أراد أن يجعل بعض رأس مال السَّلَم دينارًا (2) يوفيه إياه في وقت آخر، بأن يكون معه نصف دينار [ويريد أن يُسلم إليه دينارًا](3) في كَرِّ حنطةٍ، فالحيلة أن يسلم إليه دينارًا غير معين، ثم يوفيه نصف الدينار، ثم يعود فيستقرضه منه، ثم يوفيه إياه عمَّا له عليه من دين، فيتفرَّقان وقد بقي له في ذمته نصف دينار.
وهذه الحيلة من أقبح الحيل؛ فإنهما لا يخرجان بها عن بيع دينار بنصف دينار (4)، ولا عن تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد، ولكن توصَّلَا إلى ذلك بالقَرْض الذي جعلا صورته مبيحة لصريح الربا، ولتأخير قبض رأس مال السلم، وهذا غير القرض الذي جاءت به الشريعة، وهو قَرْضٌ لم يشرعه اللَّه، وإنما اتخذه المتعاقدان تلاعبًا بحدود اللَّه وأحكامه، واتخاذًا لآياته هزوًا، وإذا كان القرض الذي يجر النفع ربًا عند صاحب الشرع، فكيف بالقرض الذي يجر صريح الربا وتأخير قبض رأس مال السلم؟
فصل [إبطال حيلة لإسقاط حق الشفعة]
ومن الحيل الباطلة المحرمة التحيل على إسقاط ما جَعله اللَّه سبحانه حقًا للشريك على شريكه من استحقاق الشفعة دفعًا للضرر، والتحيل لإبطالها مناقض لهذا الغرض، وإبطال لهذا الحكم بطريق التحيل (5). وقد ذكروا وجوهًا من الحيل:
منها: أن يتفقا على مقدار الثمن، ثم عند العقد يصبره صُبْرة غير موزونة، فلا يعرف الشفيع ما يدفع، فإذا فَعَلَا ذلك فللشفيع أن يستحلف (6) المشتري أنه لا
(1) في هامش (ق): "لعله يريد: من قرضه".
(2)
في (ك): "دينًا".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(4)
في (ق): "نصف دينار بدينار".
(5)
انظر: "إغاثة اللهفان"(368/ 1)، و"تهذيب السنن"(2/ 194 و 5/ 165 - 167)، و"الطرق الحكمية"(ص 282).
(6)
في (ق): "يُحَلّف".
يعرف قدر الثمن، فإن نكل قضى عليه بنكوله، وإن حلف فللشفيع أخذ الشَّقْصِ بقيمته.
ومنها: أن يَهَبَ الشقص للمشتري، ثم يهبه المشتري ما يرضيه، وهذا لا يسقط الشفعة، وهذا بيع وإن لم يتلفظَّا به، فله أن يأخذ الشقص بنظير الموهوب.
ومنها: أن يشتري الشقص، ويضم إليه سكينًا أو منديلًا بألف درهم، فيصير حصة الشقص من الثمن مجهولة، وهذا لا يُسقط الشفعة، بل يأخذ الشفيع الشقص بقيمته كما لو اسْتُحِق أحد العوضين وأراد المشتري أخذ الآخر، فإنه يأخذه بحصته من الثمن إن انقسم الثمن عليهما بالأجزاء، وإلا فبقيمته، وهذا الشقص مستحق شرعًا؛ فإن الشارع جعل الشفيع أحق به من المشتري بثمنه، فلا يسقط حقه منه بالحيلة والمكر والخداع.
ومنها: أن يشتري الشقص بألف دينار، ثم يصارفه عن كل دينار بدرهمين فإذا أراد أخْذَه أخَذَه بالثمن الذي وقع عليه العقد.
وهذه الحيلة لا تسقط الشفعة، وإذا أراد أخْذَه أخَذَه بالثمن الذي استقر عليه العقد وتواطأ عليه البائع والمشتري؛ فإنه هو الذي انعقد به العقد، ولا عبرة بما أظهراه من الكذب والزور والبهتان الذي لا حقيقة له؛ ولهذا لو استحق المبيع فإن المشتري لا يرجع على البائع بألف دينار، وإنما يرجع عليه بالثمن الذي تواطآ عليه واستقر عليه العقد؛ فالذي يرجع به عند الاستحقاق هو الذي يدفعه الشفيع عند الأخذ، هذا محض العَدْلِ الذي أرسل اللَّه سبحانه به رسله وأنزل به كتبه ولا تحصل (1) الشريعة سواه.
ومنها: أن يشتري بائعُ الشّقْص [من المشتري عبدًا قيمته مئة درهم بألف درهم في ذمته، ثم يبيعه الشقص بالألف (2)، وهذه الحيلة لا تبطل الشفعة، ويأخذ الشفيع الشقص](3) بالثمن الذي يرجع به المشتري على البائع إذا استحق المبيع، وهو قيمة العبد.
ومنها: أن يشتري الشَّقْصَ بألف وهو يساوي مئة، ثم يبرئه البائع من تسع مئة، وهذا لا يسقط الشفعة، ويأخذه الشفيع بما بقي من الثمن بعد الإسقاط، وهو الذي يرجع به إذا استحق المبيع.
(1) في (ك) و (ق): "تحتمل".
(2)
في (ك): "بألف".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
ومنها: أن يشتري جزءًا من الشقص بالثمن كله، ثم يهب له بقية الشقص. وهذا لا يُسْقِطها، ويأخذ الشفيع الشقص كلَّه بالثمن؛ فإن هذه الهبة لا حقيقة لها، والموهوب هو المبيع بعينه، ولا تغيّر حقائق العقود وأحكامها التي شرعت فيها بتغيّر العبارة.
وليس للمكلَّف أنْ يغيّر حكم العقد بتغيير عبارته فقط مع قيام حقيقته، وهذا لو أراد من البائع أن يهبه جزءًا من ألف جزء من الشَّقْص بغير عوض لما سمحتْ نفسُه بذلك البتة، فكيف يَهَبهُ ما يساوي مئة ألف بلا عوض؟ وكيف يشتري منه (1) الآخر مئة درهم بمئة ألف [درهم](2)؟ وهل هذا إلا سَفَهٌ يقدح في صحة العقد؟
قال الإمام أحمد رضي الله عنه في رواية إسماعيل بن سعيد، وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة، فقال: لا يجوز شيء من الحيل في ذلك، ولا في إبطال حق مسلم (3).
وقال عبد اللَّه بن عمر رضي الله عنه في هذه الحيل (4) وأشباهها: مَنْ يخدع اللَّه يخدعه، والحيلة خديعة (5).
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحلُّ الخَدِيعَةُ لمسلم"(6)، واللَّه تعالى ذم المخادعين، والمتحيل مخادع؛ لأن (7) الشفعة شُرعت لدفع الضرر، فلو شرع
(1) قال (د)، و (ط):"في نسخة: وكيف يشتري من الآخر"، وزاد (ط):"انظر: "إعلام الموقعين" ط فرج اللَّه زكي الكردي ج 3 ص 320".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(3)
ذكرها ابن تيمية في "بيان الدليل"(ص 60)، وهي في (ك).
(4)
في (ق): "الحيلة".
(5)
أخرجه سعيد بن منصور في "سننه"(1/ 300)، والبيهقي (7/ 337)، ومضى نحوه وهناك تفصيل تخريجه.
(6)
رواه أبو داود الطيالسي (1345) -ومن طريقه البيهقي (5/ 317) - وأحمد في "مسنده"(1/ 433)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(5/ 95)، وابن ماجه (2241) في (التجارات): باب بيع المصراة من طريق المسعودي عن جابر الجعفي عن أبي الضحى عن مسروق عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "بيع المحفَّلات خِلابةٌ، ولا تحلَّ الخِلابة لمسلم".
قال البوصيري (2/ 19): "هذا إسناد فيه جابر الجعفي وقد اتهموه". وكذا ضعفه الحافظ ابن حجر في "الفتح"(4/ 367)، ورجّحا الوقف، وقد رجح الوقف أيضًا البيهقي.
رواه موقوفًا ابن أبي شيبة (5/ 94)، والبيهقي (5/ 317) وقال: إسناده صحيح.
(7)
في (ق) و (ك): "ولأن".