الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأدنى ثلثي عرضه بثلث عرض صاحبه كما تقدم، فيكون العرضان بينهما أثلاثًا، والربح على قدر الملكين عند الشافعي (1) وعند أحمد (2) على ما شَرَطَاه، ولا تمتنع هذه الحيلة على أصلنا فإنها لا تبطل حقًا، ولا تثبت باطلًا، ولا توقع في محرَّم.
[الصلح عن الدين ببعضه]
المثال السادس والعشرون: إذا كان له عليه ألف درهم فأراد أن يصالحه على بعضها فلها ثمان صور، فإنه إما يكون مقرًا أو منكرًا، وعلى التقديرين فإما أن تكون حالّةً أو مؤجلة، ثم الحلول والتأجيل إما أن يقع في المُصَالحَ عنه أو في المصالح به، وإنما تتبين أحكام هذه المسائل بذكر صورها وأصولها (3):
الصورة الأولى: أن يصالحه عن (4) ألف حالّةٍ قد أقرَّ بها على خمس مئة حالَّة؛ فهذا صُلْح على الإقرار، وهو صحيح على أحد القولين، باطل على القول الآخر، فإن الشافعي لا يصحح الصلح إلا على الإقرار (5)، والخرقي ومن وافقه من أصحاب الإمام أحمد لا يصححه إلا على الإنكار (6)، وابن أبي موسى وغيره يصححونه على الإقرار والإنكار (7)، وهو ظاهر النص، وهو الصحيح، فالمبطلون له مع الإقرار يقولون: هو هَضْم للحق؛ لأنه إذا أقر له فقد لزمه ما أقر به، فإذا بَذَل (8) له دونه فقد هَضَمه حقه، بخلاف المنكر فإنه يقول: إنما افتديت يميني والدعوى عليَّ بما بذلته، والآخذ يقول: أخذتُ بعضَ حقي، والمصححون له يقولون: إنما يمكن الصلح مع الإقرار لثبوت الحق به، فتمكن المصالحة على بعضه، وأما مع الإنكار فأي شيء ثبت حتى يصالح عليه؟ فإن قلتم: "صالحه عن الدعوى واليمين وتوابعهما، فإن هذا لا تجوز المعاوضة عليه، ولا هو مما يقابل بالأعواض، فهذا أصل، والصواب جواز الأمرين للنص والقياس والمصلحة،
(1) انظر: "مختصر المزني"(109)، "الإقناع"(107) و"حاشية الشرقاوي على التحرير"(2/ 11)، و"نهاية المحتاج"(5/ 6 - 7).
(2)
انظر: "المبدع"(4/ 279) و"كشاف القناع"(3/ 379).
(3)
انظر: "إغاثة اللهفان"(2/ 26).
(4)
في (ك): "من".
(5)
انظر: "كفاية الأخيار"(1/ 167)، و"روضة الطالبين"(4/ 193)، و"أسنى المطالب"(2/ 215)، و"نهاية المحتاج"(4/ 372).
(6)
انظر: "المبدع"(4/ 279)، و"كشاف القناع"(3/ 379).
(7)
انظر: "الإرشاد"(ص 191).
(8)
في المطبوع "بدل" بالدال المهملة!
فإن اللَّه تعالى أمرنا (1) بالوفاء بالعقود ومراعاة العهود، وأخبر النبي (2) صلى الله عليه وسلم أن المسلمين على شروطهم (3)، وأخبر أنَّ "الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالًا"(4)، وقول مَنْ منع الصلح على الإقرار [به](5) "إنه هَضْم
(1) في (ك): "أمر".
(2)
في (ن): "ومراعاة بالعقود، وأمر النبي"!
(3)
مضى لفظه وتخريجه.
(4)
رواه أبو داود (3594) في (الأقضية): باب في الصلح، وابن حبان (5091)، والحاكم (2/ 49)، والبيهقي (6/ 65) من طريق سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعًا به بتمامه.
ورواه أحمد (2/ 366)، وابن الجاورد (638)، وابن عدي (6/ 2088)، والدارقطني (3/ 27)، والبيهقي (6/ 63 و 64)، من طريق كثير بن زيد عن الوليد به، بأوّله فقط:"الصلح جائز بين المسلمين".
ولم يذكر الحاكم فيه شيئًا، وقال الذهبي: لم يصححه، وكثير ضعَّفه النسائي، ومَشَّاه غيره.
أقول: كثير بن زيد هذا قال فيه أحمد: ما أرى به بأسًا ونحوه قال ابن معين، وقال ابن معين أيضًا: صالح، وقال: ليس بذاك، وقال ابن عمار: ثقة، وقال يعقوب بن شيبة: ليس بذاك الساقط وإلى الضعف ما هو، وقال أبو زرعة: صدوق فيه لين. . . ولينه أبو حاتم، وقال ابن عدي: وأرجو أنه لا بأس به.
وهذه عبارة فضفاضة لابن عدي، ففي القلب من حديث هذا الرجل شيء.
وروى أوله الدارقطني (3/ 27)، والحاكم (2/ 50) من طريق عبد اللَّه بن الحسين المصيصي عن عفان عن حماد بن زيد عن ثابت عن أبي رافع عن أبي هريرة، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، وقال: وهو معروف بعبد اللَّه بن الحسين المصيصي وهو ثقة، وتعقبه الذهبي بقوله: قلت: قال ابن حبان: يسرق الحديث.
وذكر ابن حجر في "التلخيص الحبير"(3/ 44) لحديث أبي هريرة طريقًا آخر عند أحمد، وهو من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، وانتقل نظره من سند حديث الباب إلى سند الحديث قبله، فتنبه لذاك.
وفي الباب حديث كئير بن عبد اللَّه بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده مرفوعًا.
رواه الترمذي (1352)، وابن ماجه (2353) في (الأحكام): باب الصلح، وابن عدي (6/ 2081)، والدارقطني (3/ 27)، والحاكم (4/ 101)، والبيهقي (6/ 65)، وكثير هذا وإن قال الترمذي في حديثه:"حسن صحيح" إلا أن المشهور عند المحدثين ضعفه، بل قال الشافعي: من أركان الكذب، فلعل هذا الشاهد يدل على أن للحديث أصلًا.
(تنبيه): عزا المجد في "المنتقى"(5/ 254 مع "النيل") حديث عمرو هذا إلى أبي داود، وهو ليس فيه. وذكر الشوكاني شواهد أخرى من حديث أنس وعائشة ومرسل عطاء، وليس فيها ذكر للصلح.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك) و (ق).
للحق" ليس كذلك، وإنما الهَضْم أن يقول: لا أقر لك حتى تهَبَ لي كذا وتَضَعَ عني كذا وأما إذا أقرَّ له ثم صالحه ببعض ما أقر به فأي هضم هناك؟ وقول مَن منع الصلح على الإنكار: "إنه يتضمن المعاوضة عما لا تصح المعاوضة عليه" فجوابه أنه افتداء لنفسه من الدعوى واليمين وتكليف إقامة البينة كما تفتدي المرأة نفسَها من الزوج بما (1) تبذله له، وليس هذا بمخالف لقواعد الشرع، بل حكم (2) الشرع وأصوله وقواعده ومصالح المكلفين تقتضي ذلك.
فهاتان (3) صورتان: صُلحٌ عن الدَّيْن الحال [وصلح](4) ببعضه حالًّا مع الإقرار ومع الإنكار.
الصورة الثالثة (5): أن يصالح عنه ببعضه مؤجلًا مع الإقرار والإنكار، فهاتان صورتان أيضًا، فإن كان مع الإنكار ثبت التأجيل، ولم تكن له المطالبة به قبل الأجل؛ لأنه لم يثبت له قبله دينٌ [حالّ] (6) فيقال: لا يقبل التأجيل، وإن كان مع الإقرار ففيه ثلاثة أقوال للعلماء، وهي في مذهب الإمام أحمد رحمه الله (7):
أحدها: لا يصح الإسقاط ولا التأجيل، بناءً على أن الصلح لا يصح مع الإقرار وعلى أن الحال لا يتأجل.
والثاني: أنه يصح الإسقاط دون التأجيل، بناءً على صحة الصلح مع الإقرار.
والثالث: أنه يصح الإسقاط والتأجيل، وهو الصواب، بناءً على تأجيل القَرْض والعارية، وهو مذهب أهل المدينة، واختيار شيخنا (8).
وإن كان الدَّين مؤجلًا فتارة يصالحه على بعضه مؤجَّلًا مع الإقرار والإنكار (9)، فحكمه ما تقدم، وتارة يصالحه ببعضه حالًا مع الإقرار والإنكار، فهذا للناس فيه ثلاثة أقوال أيضًا:
(1) في (ك) و (ق): "بمال".
(2)
في (ك) و (ق): "بحكمة".
(3)
في (ق): "وهاتان".
(4)
ما بين المعقوفتين من (ن) و (ك) و (ق).
(5)
في (ك): "الثانية".
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(7)
"المغني"(5/ 9 - مع "الشرح الكبير")، "شرح الزركشي"(4/ 104)، "الروض المربع"(2/ 283)، "الإفصاح"(1/ 378)، "منتهى الإرادات"(2/ 263)، "المبدع"(4/ 285)، "كشاف القناع"(3/ 385).
(8)
انظر: "الاختيارات الفقهية"(ص 134)، "الجامع للاختيارات الفقهية"(3/ 1167)، "مجموع فتاوى ابن تيمية"(30/ 72).
(9)
في (ك): "والإمكان".
أحدها: أنه (1) لا يصح مطلقًا، وهو المشهور عن مالك (2)؛ لأنه يتضمن بيع المؤجل ببعضه حالًا، وهو عين الربا، وفي الإنكار المُدَّعي يقول: هذه المئة الحالة عوض عن مئتين مؤجلة، وذلك لا يجوز، وهذا قول ابن عمر (3).
[والقول الثاني: أنه يجوز](4)، وهو قول ابن عباس (5)، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد حكاها ابن أبي موسى (6) وغيره، واختاره شيخنا (7)؛ لأن هذا عكس الربا، فإن (8) الربا يتضمن الزيادة في أحد العوضين في مقابلة الأجل، [وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الأجل](9)، [فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الأجل](10)، فانتفع (11) به كل واحد منهما،
(1) سقط من (ك).
(2)
انظر: "المنتقى"(4/ 65) للباجي، و"بداية المجتهد"(2/ 143).
(3)
روى مالك في "الموطأ"(2/ 672)، ومن طريقه البيهقي (6/ 28) عن عثمان بن حفص بن عمر بن خلدة عن ابن شهاب عن سالم بن عبد اللَّه أن ابن عمر سئل عن رجل يكون له الدين على رجل إلى أجل فيضع عنه صاحبه، ويعجَّل له الآخر قال: فكره ذلك ابن عمر ونهى عنه.
وهذا إسناد رجاله ثقات، إلا أن عثمان بن حفص ذكره ابن حبان في "الثقات" وروى عنه مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
ورواه عبد الرزاق (14354) عن معمر عن الزهري عن ابن المسيب، وابن عمر قالا، ورواه عبد الرزاق (14359)، وسعيد بن منصور، ومن طريقه البيهقي (6/ 28) عن ابن عيينة قال: أخبرني أبو المنهال عبد الرحمن بن مطعم قال: سألت ابن عمر. . . فذكر نحوه، وقال: قال ابن عمر: نهانا أمير المؤمنين أن نبيع العين بالدين.
وهذا إسناد على شرط الشيخين، وانظر:"مجمع الزوائد"(4/ 130).
(4)
ما بين المعقوفتين في (ق): "والثاني" وسقطت: "أنه" من (ك).
(5)
روى عبد الرزاق (14360) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عنه، وهذا إسناد على شرط الشيخين.
ورواه عبد الرزاق (14361) عن سفيان الثوري، ورواه أيضًا (14362)، وسعيد بن منصور، ومن طريقه البيهقي (6/ 28)، عن سفيان بن عيينة، كلاهما (السفيانان) عن عمرو بن دينار عن ابن عباس به، وهذا إسناد على شرطهما أيضًا.
وعند عبد الرزاق قال ابن عيينة: وأخبرني غير عمرو قال: قال ابن عباس: إنما الربا أَخِّر لي، وأنا أزيدك، وليس عجِّل لي وأضع عنك.
(6)
في "الإرشاد"(ص 191)، وانظر:"المغني"(4/ 489)، و"إغاثة اللهفان"(ص 218).
(7)
انظر: "الاختيارات الفقهية"(134)، و"إغاثة اللهفان"(2/ 13)، وفي (ق):"واختارها".
(8)
في (ق): "لأن".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(11)
في (ق): "فينتفع".