الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن عطاء لم يسمعه من ابن عمر؛ فالإسناد (1) الثاني يبين أن للحديث أصلًا محفوظًا عن ابن عمر؛ فإن عطاء الخراساني ثقة مشهور، وحَيْوَة بن شريح كذلك وأفضل، وأما إسحاق أبو (2) عبد الرحمن فشيخ روى عنه أئمة المصريين مثل حَيْوة بن شُريح والليث بن سعد ويحيى بن أيوب وغيرهم، قال (3): فقد روينا (4) من طريق ثالثٍ من حديث السَّرِيّ بن سهل الجند يسابوري (5) بإسناد مشهور إليه [قال](6): ثنا عبد اللَّه بن رشيد: ثنا عبد الرحمن [بن محمد](7)، عن ليث عن عطاء، عن ابن عمر قال: لقد أتى علينا زمانٌ وما مِنَّا رجل يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ولقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا ضَنَّ الناس بالدينار والدرهم، وتبايعوا ب
العِينَة
، وتركوا الجهاد، واتبعوا أذناب البقر، أدخل اللَّه عليهم ذلًا لا ينزعه (8)[عنهم](9) حتى يتوبوا ويراجعوا دينهم" (10) وهذا يبين أن للحديث أصلًا عن عطاء (11).
[العينة]
وروى (12) محمد بن عبد اللَّه الحافظ المعروف بمطيَّن (13) في كتاب "البيوع"
(1) في "بيان الدليل": "والإسناد"، وقال المعلق عليه:"في الأصل -فالإسناد".
(2)
هذا هو الصواب، وكذا في أصل "بيان الدليل"، و"سنن أبي داود"، وفي جميع نسخ "الإعلام":"بن".
(3)
"أي شيخ الإسلام في "فتاويه"، المصدر السابق"(و).
(4)
في "بيان الدليل": "وقد رويناه"، وقال المعلق:"في ق، وقد روينا".
(5)
انظر: "حديث السري"(ق 164/ أ).
(6)
ما بين المعقوفتين ليس في نسخ "الإعلام"، وسقطت من إحدى مخطوطتي "بيان الدليل" كما أفاد محققه.
(7)
ما بين المعقوفتين من (و)، و"بيان الدليل".
(8)
في (ق) و (ك): "يرفعه".
(9)
ما بين المعقوفتين ليس في "بيان الدليل".
(10)
في إحدى مخطوطتي "بيان الدليل": و"يرجعوا إلى دينهم". والحديث سبق ذكر طرقه قبل قليل.
(11)
إلى هنا ينقل عن شيخه -رحمهما اللَّه- في "بيان الدليل (ص 109 - 110)، أما ما بعد فقد تصرف فيه واختصره من "بيان الدليل" (ص 112 - 119) أيضًا فراجعه -إن شئت-.
(12)
في (ق): "وعن".
(13)
هو محمد بن عبد اللَّه بن سليمان، أبو جعفر الحضرمي الكوفي -مُطَيِّن-، أحد الأئمة والحفاظ، توفي سنة 297.
وانظر ترجمته في: "سير إعلام النبلاء"(14/ 41)، و"الميزان"(3/ 607)، و"طبقات الحنابلة"(1/ 300).
له عن أنس أنه سُئِل عن العِينة (1)، فقال: إن اللَّه لا يُخْدَع، هذا مما حرم اللَّه ورسوله (2)، وروَى (3) أيضًا في "كتابه" عن ابن عباس قال: اتَّقُوا هذه العِينة، لا تبع دراهم بدراهم وبينهما حَرِيرة، وفي رواية أن رجلًا باع من رجل حريرة بمئة ثم اشتراها بخمسين فَسُئل (4) ابن عباس عن ذلك، فقال: دراهم بدراهم متفاضلة دخلت بينهما حريرة (5)، وسُئل ابن عباس عن العينة -يعني بيع الحريرة- فقال: إن اللَّه لا يُخْدَع، هذا مما حرم اللَّه ورسوله (6)، وروى ابن بَطَّة بإسناده إلى الأوزاعي قال: قال
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع"(7) يعني العِينَةَ، وهذا
المرسل صالح للاعتضاد به والاستشهاد، وإن لم يكن عليه وحده الاعتماد.
وقال (8) الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن امرأته "أنها دخلت على عائشة هي وأم ولد زيد بن أرقم وامرأة أخرى فقالت لها أم ولد زيد: إني بعْتُ من زيد غلامًا بثمان مئة نسيئةً، واشتريته بست مئة نقدًا، فقالت:"أبْلغِي زيدًا أنَّه (9) قد أبطل جهاده مع رسول للَّه صلى الله عليه وسلم، إلا أن يتوب، بئسما شَرَيْتِ (10)، وبئسما اشتريت"(11) رواه الإمام أحمد وعمل به،
(1)"يقول ابن تيمية: العينة في الأصل: السلف، والسلف يعم تعجيل الثمن وتعجيل المثمن، وهو الغالب هنا، يقال: اعتان الرجل وتعين إذا اشترى الشيء بنسيئته، كأنها مأخوذة من العين، وهو المعجل، وصيغت على فعلة، لأنها نوع منه، وقال الجوزجاني: إنها من العين لحاجة الرجل إلى العين من الذهب والورق"(و).
(2)
ذكره المؤلف أيضًا، ولم أجد من رواه غيره.
(3)
في (ن): "وعن".
(4)
في (د)، و (ط):"فسأل".
(5)
و (6) هذا والذي قبله عن ابن عباس في بيع العينة لم أجدهما بهذا اللفظ، وقد وجدت في "المحلى" (9/ 48 - 49) قال: روينا عن وكيع عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي عن حيان بن عمير القيسي عن ابن عباس في الرجل يبيع الجريرة -هكذا بالجيم- إلى رجل فكره أن يشتريها يعني دون ما باعها، وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم.
وقد ذكره ابن حزم، ولم يتكلم على رواته بشيء إلا أنه روى من طريق عبد الرزاق عن سفيان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر ما يدل على الجواز، فجعله مما اختلف فيه الصحابة.
مع أن ليثًا الذي في الإسناد هو ابن أبي سُليم الضعيف! ولو أنه جاء في خبر يخالف ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله لشنَّع عليه -كعادته- عفا اللَّه عنه.
(7)
أخرجه الخطابى في "غريب الحديث"(1/ 218) بإسناد معضل، فهو ضعيف.
(8)
كذا في (ن)، وفي غيرها:"قال".
(9)
في (د)، و (ط):"أن".
(10)
"شريت: أي بعت، ومنه قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} "(د).
(11)
رواه أحمد وسعيد بن منصور -كما في "نصب الراية"(4/ 16) - ورواه البيهقي (5/ 330) =
وهذا حديث فيه شعبة، وإذا كان شعبة في حديث فاشْدُد يديك به، فمن جعل شعبة بينه وبين اللَّه فقد استوثق لدينه.
وأيضًا فهذه امرأة أبي إسحاق -وهو أحد أئمة الإسلام الكبار- وهو أعلم بامرأته وبعدالتها، فلم يكن ليروِيَ عنها سنة يُحرِّم بها على الأمة وهي عنده غير ثقة ولا يتكلم فيها بكلمة، بل يحابيها في دين اللَّه، هذا لا يظن بمن هو دون أبي إسحاق.
وأيضًا فإن هذه امرأة من التابعين قد دخلت على عائشة وسمعت منها وروت
= من طريق علي بن الجعد عن شعبة عن أبي إسحاق قال: دخلت امرأتي على عائشة.
وقال: كذا جاء به شعبة عن طريق الإرسال، أي لم يقل: عن أبي إسحاق، عن امرأته كما هو في الروايات.
ورواه عبد الرزاق (14812، 14813)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1/ 376 - 377)، والدارقطني (3/ 52)، والبيهقي (5/ 330 - 331 و 331) و"معرفة السنن"(8/ 136 رقم 11396)، من طرق عن أبي إسحاق عن امرأته العالية به، ووقع عند عبد الرزاق (14813) تسمية أم ولد زيد أنها امرأة أبي السفر.
وعند البيهقي وقع اسمها أُم مُحِبَّة، فالظاهر أنها أم محبة امرأة أبي السفر.
ورواه الدارقطني (3/ 52)، وابن سعد (8/ 487) من طريق يونس بن أبي إسحاق عن أمه العالية قالت: خرجتُ أنا وأم محبة إلى مكة، فدخلنا على عائشة، وقال الدارقطني: وأم محبة والعالية مجهولتان لا يحتج بهما.
وهو عند ابن سعد أوله.
أقول: العالية هذه هي بنت أيفع، رد حديثها الدارقطني والشافعي في "الأم"(3/ 33 - ط الشعب)، وابن حزم في "المحلى"(9/ 60)، وقال ابن الجوزي في "التحقيق" قالوا: العالية مجهولة لا يقبل خبرها، قلنا: بل هي معروفة جليلة القدر، ذكرها ابن سعد في "الطبقات" فقال: العالية بنت أيفع بن شراحيل امرأة أبي إسحاق السبيعي، سمعت من عائشة.
أقول: كلامه في "طبقات ابن سعد"(8/ 487).
وقال ابن التركماني في "الجوهر النقي"(5/ 330): قلت: "العالية" معروفة، روى عنها زوجها، وابنها، وهما إمامان، وذكرها ابن حبان في "الثقات"، وذهب إلى حديثها هذا الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه ومالك وابن حنبل والحسن بن صالح.
ورد ابن عبد الهادي في "تنقيح التحقيق" -كما في "نصب الراية"(4/ 16) - القول بجهالتها ثم قال: "ولولا أن عند أم المؤمنين علمًا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد".
قلت: ولذا جوّده المصنف فيما يأتي، وسبقه شيخه ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"(20/ 259 - 260)، وانظر "الموافقات"(1/ 456 - 457)، وتعليقي عليه.
عنها، ولا يعرف أحد قَدَحَ فيها بكلمة، وأيضًا فإن الكذب والفسق لم يكن ظاهرًا في التابعين بحيث ترد به روايتهم (1).
وأيضًا فإن هذه المرأة معروفة (2)، واسمها العالية، وهي جدة إسرائيل، كما رواه حرب من حديث إسرائيل: حدثني أبو إسحاق، عن جَدَته [العالية](3) -يعني جدة إسرائيل؛ فإنه إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق، والعالية امرأة أبي إسحاق، وجدة يونس، وقد حملا عنها هذه السنة، وإسرائيل أعلم بجدته وأبو إسحاق أعلم بامرأته.
وأيضًا فلم يُعرف أحدٌ قطُّ من التابعين أنكر على العالية هذا الحديث ولا قَدحَ فيها من أجله، ويستحيل في العادة أن تروي حديثا باطلًا ويشتهر في الأمة ولا ينكره عليها منكر (4).
وأيضًا فإن في الحديث قصة، وعند الحفاظ إذا كان فيه قصة دلّهم على أنه محفوظ، قال أبو إسحاق؛ حدثتني امرأتي العالية، قالت: دخلتُ على عائشة في نسوة، فقالت:[ما](5) حاجتُكنَّ؟ فكان أول من سألها أم محبة، فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت: نعم، قالت: فإني بِعْتُهُ جارية لي بثمان مئة درهم إلى العَطاء، وإنه أراد بيعها فابتعتُها منه بست مئة درهم نَقْدًا، فأقبلَتْ عليها وهي غَضبَى، فقالت: بئسما شَرَيْتِ، وبئسما اشتريت، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جِهَادَه إلا أن يتوب، وأفحمت صاحبتنا فلم تكلم طويلًا، ثمَّ إنها سهل عليها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فَتَلَتْ عليها:
(1) مذهب بعض المحدثين -كابن رجب وابن كثير- تحسين حديث المستور من التابعين، أفاده شيخنا الألباني في "الصحيحة"(1/ 555 - ط القديمة)، وفصّل في هذا الذهبي، فقال في آخر "ديوان الضعفاء" (ص 478):"وأما المجهولون من الرواة، فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم، احتمل حديثه، وتلقّي بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول، أو ركاكة الألفاظ، وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين، فيتأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحريه، وعدم ذلك" وهذا تفصيل حسن مليح. ويؤكد ما قاله المصنف قول الذهبي أيضًا في "الميزان"(4/ 604) عند تراجم النساء (فصل في النسوة المجهولات)، قال:"وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها"، وفي (ك):"روايتهم به"، وفي (ق):"رواياتهم به"، والمثبت من سائر الأصول.
(2)
في (ق): "فإن لهذه المرأة معرفة".
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن).
(4)
جاءت بعدها في (د) الفقرة الموضوعة بين معقوفتين في الصفحة التالية.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275](1).
وأيضًا فهذا الحديث إذا انضمَّ إلى تلك الأحاديث والآثار أفادت بمجموعها الظن الغالب إن لم تفد اليقين.
وأيضًا فإن آثار الصحابة كما تقدم موافقة لهذا الحديث، مشتقة منه، مُفَسِّرة له.
[وأيضًا فلو لم يأت في هذه المسألة أثر لكان محض القياس ومصالح العباد وحكمة الشريعة تحريمها أعظم من تحريم الربا؛ فإنها ربًا مُسْتَحل بأدنى الحيل](2).
وأيضًا فكيف يليق بالشريعة الكاملة التي لعنت آكِلَ الربا ومُوكِلَه، وبالغت في تحريمه، وآذنَتْ صاحبه بحرب من اللَّه ورسوله، [أن](3) تبيحه بأدنى الحِيَل مع استواء المفسدة؟ ولولا أن عند أم المؤمنين رضي الله عنها علمًا من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لا تستريب فيه ولا تشك بتحريم مسألة العِينَةِ لَمَا أقدمت على الحكم بإبطال جهاد رجل من الصحابة باجتهادها، لا سيما إن كانت قصدت أن العمل يبطل بالردة، واستحلال الربا ردة، ولكن عذر زيد أنه لم يعلم أن هذا محرم، كما عُذِر ابن عباس بإباحته بيعَ الدرهمِ بالدرهمين (4)، وإن لم يكنْ قَصْدُها هذا، بل قَصَدت أن هذا من الكبائر التي يقاوِم إثمُها ثوابَ الجهاد ويصير بمنزلة مَنْ عمل حسنة وسيئة بقدرها فكأنه لم يعمل شيئًا، ولو كان هذا اجتهادًا منها لم تمنع زيدًا منه، ولم تحكم ببطلان جهاده، ولم تَدعُه إلى التوبة؛ فإن الاجتهاد لا يحرم الاجتهاد، ولا يحكم بطلان عمل المسلم المجتهد بمخالفته لاجتهاد نظيره، والصحابةُ -ولا سيما أم المؤمنين- أعلم باللَّه ورسوله، وأفْقَهُ في دينه من ذلك.
وأيضًا فإن الصحابة كعائشة وابن عباس وأنس أفْتَوْا بتحريم مسألة العِينَةِ (5)، وغَلَّظوا فيها هذا التغليظ في أوقات ووقائع مختلفة؛ [فلم](6) يجيء عن واحد من الصحابة [ولا التابعين](7) الرخصة في ذلك (8)، فيكون إجماعًا.
(1) انظر التخريج السابق.
(2)
ما بين المعقوفتين تقدّمت في (د) في الصفحة السابقة وأثبتناهاهنا كما في (ن) و (ك) و (ق).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
تقدم تخريجه.
(5)
هذا هو المتقدم عنهم، (70، 79، 80) وقارن هذا الكلام وما بعده بـ"بيان الدليل"(ص 115 - 119) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
(6)
في (ك) و (ق): "ولم".
(7)
في (ك) و (ق): "والتابعين".
(8)
في (ن) و (ك) و (ق): "الرخصة فيها"، وأشار إليها في هامش (د).
فإن قيل: فزيد بن أرقم قد خالف عائشة ومَنْ ذكرتم، فغاية الأمر أنها مسألة [ذات](1) قولين للصحابة، وهي مما يسوغ فيها الاجتهاد.
قيل: لم يُقل زيد قط إن هذا حلال، ولا أفتى بها يومًا [ما](1)، ومذهب الرجل لا يؤخذ من فعله؛ إذ لعله فعله ناسيًا أو ذاهلًا أو غير مُتأمِّل ولا ناظر أو متأولًا أو ذنبًا يستغفر [اللَّه](2) منه ويتوب أو يُصِرُّ عليه وله حسنات تقاومه، فلا يُؤثِّر شيئًا، قال بعض السلف (3):"العلم علم الرواية (4)، يعني أنه يقول: رأيت فلانًا يفعل كذا وكذا؛ [إذ لعله] (5) قد فعله ساهيًا" وقال إياس بن معاوية (6): "لا تنظر إلى عمل الفقيه، ولكن سَلْه يَصدُقْك"(7)، ولم يُذكر عن زيد أنه أقام على هذه المسألة بعد إنكار عائشة، وكثيرًا ما يفعل الرجل الكبير الشيء مع ذهوله عما في ضمنه من مفسدة فإذا نُبِّهَ انتبه، وإذا كان الفعل محتملًا لهذه الوجوه وغيرها لم يجز أن يُقَدَّمَ على الحكم، ولم يجُز أن يقال: مذهب زيد بن أرقم جواز العِينة، لا سيما وأم ولده قد دخلت على عائشة تستفتيها فأفتتها (8) بأخذ رأس مالها (9)، وهذا كله يدل على أنهما لم يكونا جازمين بصحة العقد وجوازه، وأنه مما أباحه اللَّه ورسوله.
وأيضًا فبيع العِينَة إنما يقع غالبًا من مضطر إليها، وإلَّا فالمُسْتغني عنها لا يشغل ذمته بألف وخمس مئة في مقابلة ألف بلا ضرورة وحاجة تدعو إلى ذلك، وقد روى أبو داود من حديث علي:"نَهَى رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وبيع الغَرَر، وبيع الثمرة قبل أن تُدْركَ"(10).
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(3)
هو عطاء، وأورد نحوه عنه، ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله"(2/ 778 رقم 1448).
(4)
في (ق): "الرؤية".
(5)
في (ق) و (ك): "ولعله".
(6)
هو إياس بن معاوية بن قرة بن إياس المزني، أبو واثلة البصري، توفي سنة 122، انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"(1/ 390).
(7)
أخرجه وكيع في "أخبار القضاة"(1/ 350)، وابن أبي شيبة كما في "تهذيب الكمال"(3/ 433)، وانظر:"الموافقات" للشاطبي (5/ 315 - بتحقيقي)،
(8)
في (ك) و (ق): "وافتتها".
(9)
في (ك): "ماله".
(10)
رواه أحمد في "مسنده"(1/ 116)، وأبو داود في "سننه" (3382) في (البيوع): باب بيع المضطر، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق"(356)، والبيهقي (6/ 17)، وابن حزم =
وفي "مسند الإمام أحمد" عنه قال: "سيأتي على الناس زمان عَضُوض، يعضُّ الموسر على ما في يَدَيه، ولم يؤثر (1) بذلك، قال اللَّه تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة: 237] وينهر (2) الأشرار، ويُسْتذلُّ الأخيار، ويُبايَعُ (3) المُضْطَّرون، وقد نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر، وعن بيع الغَرَر، وبيع الثمر قبل أن يطعم"(4).
وله شاهد من حديث حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه سعيد، عن هُشَيْم، عن كَوْثر بن حَكيم، عن مكحول:[بَلَغَنِي](5) عن حذيفة أنه حدث عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن بعد زمانكم هذا زمانًا عَضُوضًا، يعض الموسر على ما في يديه، ولم يؤثر بذلك قال اللَّه تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39]، وينهر (6) شِرارُ خلق اللَّه، يبايعون كل مضطر، ألا إن بيع المضطر حرام، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخونه، إن كان عندك خير فَعُد به على أخيك ولا تَزِدْه هلاكًا إلى هلاكه"(7) وهذا من دلائل النبوة، فإن عامة العِينَة إنما تقع من
= (9/ 22) من طرق عن هشيم: أخبرنا أبو عامر المزني صالح بن رستم: حدثنا شيخ من بني تميم قال: خطبنا علي. . . فذكر كلامًا له ثم ذكر الحديث في النهي عن بيع المضطر،. . مرفوعًا.
ووقع في "سنن أبي داود": صالح بن عامر، وهو خطأ نبه عليه أبو داود حيث قال: كذا قال محمد، أي شيخه: محمد بن عيسى، وفصَّل ذلك الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة صالح بن عامر، وبين وهم المزي في "تهذيب الكمال" حيث قال المزي: الصواب صالح عن عامر، فصالح هو ابن حي أو ابن رستم بن عامر، وعامر هو الشعبي.
قال الحافظ: بل الصواب صالح أبو عامر، والشعبي ليس له مدخل في هذا الحديث، والحديث إسناده ضعيف؛ صالح بن رستم ضعيف، ولجهالة الشيخ من بني تميم.
وقال البيهقي: وقد روي من أوجه عن علي وابن عمر وكلها غير قوية.
(1)
كذا في جميع النسخ، وفي "المسند":"يؤمر".
(2)
"يصيب فيه الناس عسف وظلم"(و) قلت: في جميع نسخ "الإعلام" هكذا براء آخره، وفي "المسند" بدال، وفي (ك) و (ق):"ينهك".
(3)
في (ق): "يباع".
(4)
هو الحديث السابق نفسه.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(6)
في (ك): "وينهار"، وفي (ق):"وينهك".
(7)
رواه أبو يعلى -كما في "تفسير ابن كثير"(3/ 549)، وليس هو في المطبوع منه- من طريق روح بن حاتم حدثنا هشيم به.
وعزاه السيوطي في "الدر المنثور"(6/ 707) لابن أبي حاتم -وسقط من مطبوع =