الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجلس يناشدها، وأذَّن المؤذن، فقالت: قد طلع الفجر وتخلصت منك، فقال: قد كلمتيني قبل الفجر وتخلَّصتُ من اليمين (1)، وهذا من أحسن الحيل.
[حيلة أخرى له]
المثال السابع (2) والثمانون: قال بشر بن الوليد (3): كان في جوار أبي حنيفة فتى يغشى مجلسه، فقال له يومًا: إني أريد التزوج بامرأة، وقد طلبوا مني من المهر فوق طاقتي، و [قد](4) تعلقت بالمرأة، فقال له: أعطهم ما طلبوا منك، ففعل، فلما عقد العقد جاء إليه فقال: قد طلبوا مني المهر، فقال: احتل واقترض وأعطهم ففعل، فلما دخل بأهله قال: إني أخاف المطالبين بالدين وليس عندي ما أوفيهم (5)، فقال: أظْهر أنك تريد سفرًا بعيدًا، وأنك تريد الخروج بأهلك، ففعل، واكترى جمالًا، فاشتد ذلك على المرأة وأوليائها، فجاءوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، فسألوه، فقال: له أن يذهب بأهله حيث شاء، فقالوا: نحن نرضيه ونرد إليه ما أخذنا منه ولا يسافر، فلما سمع الزوج طمع وقال (6): لا واللَّه حتى يزيدوني، فقال له: إن رضيت بهذا، وإلا أقرَّت المرأة أن عليها دَيْنًا لرجل، فلا يمكنك أن تخرجها حتى توفيه. فقال: باللَّه لا يسمع أهل المرأة ذلك منك (7)، أنا أرضى بالذي أعطيتهم (8).
[تعليق الفسخ والبراءة بالشروط]
المثال الثامن (9) والثمانون: قال القاضي أبو يعلى: إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على مئة درهم يؤديها إليه في شهر كذا فإن لم يفعل وأخَّرها إلى شهر (10) آخر فعليه مئتان، فهو جائز، وقد أبطله قوم آخرون،
(1) انظر: "مناقب الإمام أبي حنيفة" للكردري (ص 192 - 193)، أو (ص 114 - 115) للموفق، كلاهما طبع دار الكتاب العربي، ونحوها في "المخارج في الحيل"(49).
(2)
في (ك) و (ق): "الخامس".
(3)
ذكره عنه في "المناقب"(ص 130 - 131) لمكي، وفيه خلف يسير في السياق.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ك): "يوفيهم".
(6)
في المطبوع: "فقال".
(7)
في (ق) و (ك): "منك ذلك".
(8)
ذكره الموفق المكي في "مناقب أبي حنيفة"(ص 130 - 131)، والكردري في "مناقب أبي حنيفة" أيضًا (ص 216).
(9)
في (ك) و (ق): "السادس".
(10)
في (ق): "وأخرها في شهر".
قال (1): أما جواز الصلح من ألف على مئة (2) فالوجه فيه أن التسع مئة لا يستفيدها بعقد الصلح وإنما استفادها بعقد المداينة وهو العقد السابق؛ فعلم أنها ليست مأخوذة على وجه المعاوضة (3)، وإنما هي على طريق الإبراء عن بعض حقه، قال: ويفارق هذا إذا كانت له ألف مؤجلة فصالحه على تسع مئة حالة أنه لا يجوز؛ لأنه استفاد هذه التسع مئة بعقد الصلح؛ لأنه لم يكن مالكًا لها (4) حالَّة، وإنما كان يملكها مؤجلة، فلهذا لم يصح.
وأما جوازه على الشرط المذكور -وهو أنه إنْ لم يفعل فعليه مئتان- فلأن المصالح إنما علَّق فسخَ البراءة بالشرط، والفسخ يجوز تعليقه بالشرط وإن لم يجز تعليق البراءة بالشرط، ألا ترى أنه لو قال:"أبيعك هذا الثوب بشرط أن تنقدني الثمنَ اليوم، فإن لم تنقدني الثمن اليوم فلا بيعَ بيننا"[أنه](5) إذا لم ينقد الثمن في يومه انفسخ العقد بينهما، كذلك هاهنا، ومَنْ لم يُجِز (6) ذلك يقول: هذا تعليق براءة المال بالشرط، وذلك لا يجوز، قال: والوجه في جواز هذا الصلح على مذهب الجميع أن يعجل (7) رب المال حطَّ ثمان مئة يحطّها على كل حال، ثم يصالح المطلوب من المئتين الباقيتين على مئة يؤديها إليه في شهر كذا على أنه إنْ أخَّرها عن هذا الوقت فلا صلح بينهما، فإذا فعل هذا فقد استوثق في قول الجميع؛ لأنه متى صالحه على مئتين و [قد](8) حطَّ عنه الباقي يصير كأنه لم يكن عليه من الدَّين إلا مئتا درهم، ثم صالحه عن (9) المئتين الباقيتين على مئة يؤدّيها إليه في شهر كذا، فإنْ أخَّرها فلا صلح بينهما، فيكون [على](10) قول الجميع فسخ العقد معلّقًا بترك النقد، وذلك جائز على ما بينّاه في البيع.
فإن أراد أن يكاتب عبده على ألف درهم يؤديها إليه في سنتين فإن لم يفعل فعليه ألف أخرى، فهي كتابة (11) فاسدة؛ لأنه علَّق إيجاب المال بخطر، وتعليق
(1) في (ق): "قالوا"، وقال في الهامش: لعله: "قال".
(2)
في (ق): "من ألف إلى مئة".
(3)
في (ق) وفي سائر النسخ: "المعارضة".
وانظر: "عقد الصلح في الشريعة الإسلامية"(58 - فما بعد) للدكتور نزيه حماد.
(4)
(في): "لم يكن مالكها".
(5)
ما بين المعقوفتين من (ق) فقط.
(6)
(في) و (ك): "ومن لم يجوز".
(7)
في (ك): "يجعل".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(9)
في (ك) و (ق): "من".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وقال في الهامش: لعلها: "في".
(11)
في (ك): "كتابته".