الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مأخذها ضعيف أبدًا (1) وهو تحقيق لكون خلافته خلافة نبوة (2).
فصل [إن لم يخالف الصحابي صحابيًا آخر]
وإن لم يخالف الصحابي صحابيٌّ آخر (3) فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أو لا يشتهر، فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أنه إجماع وحجة، وقالت طائفة منهم: هو حجة وليس بإجماع (4)، وقالت شرذمة من المتكلمين
(1) هذا ما يحمل المصنف على التحفظ من إجراء قاعدة الترجيح بين أقوال الخلفاء الراشدين بمطلق الكثرة على إطلاقها، دون التبين والتثبت من الأمر عند ورود الخلاف بين الصديق وغيره من الخلفاء (س).
(2)
وكيف لا تكون كذلك، وقد حفظ اللَّه الإسلام وأهله بأبي بكر في مواطن كثيرة، منها:
1 -
ثباته وتثبيته الناس يوم وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد أهجر عمر، وسكت عثمان، واختفى علي في بيته، انظر:"العواصم من القواصم"(54 - 57).
2 -
إنفاذه جيش أسامة في أحلك الظروف، وكان ذلك بركة على الإسلام، انظر:"البداية والنهاية"(6/ 296).
3 -
إصراره على قتال مانعي الزكاة، رغم معارضة عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة، انظر:"العواصم من القواصم"(63 - 64).
ذكر الإمام ابن كثير عن هشام بن عروة عن عروة عن أبيه عن عائشة، ومن حديث القاسم وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت:"لما قبض رسول اللَّه ارتدت العرب قاطبة وأشربت النفاق، واللَّه لقد نزل بي ما لو نزل بالجبال الراسيات لهاضها، وصار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كأنهم معزى مطيرة في حش، في ليلة مطيرة، في أرض مسبعة، فواللَّه ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بخطلها وعنانها وزمامها، ثم ذكرت عمر فقالت: من رأى عمر علم أنه خلق غنى للإسلام، كان واللَّه أحوذيًا نسيج وحده، قد أعد للأمور أقرانها، قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد اللَّه الحافظ: أنا أبو العباس محمد بن يعقوب: ثنا محمد بن علي الميموني: ثنا الفريابي: ثنا عباد بن كثير، عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: واللَّه الذي لا إله إلا هو لولا أن أبا بكر استخلف ما عُبد اللَّه، ثم قال الثانية، ثم قال الثالثة، فقيل له: مه يا أبا هريرة، فقال: إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وجه أسامة بن زيد في سبع مئة إلى الشام. . "، وذكر خبر جيش أسامة، انظر:"البداية والنهاية"(6/ 397 - 398)(س).
(3)
في المطبوع: "الصحابي صحابيًا آخر".
(4)
إذا ثبت أنه حجة فقد وجب الأخذ به، وحرم خلافه، ولا مشاحة في المصطلح، فإنما وضع للدلالة على المضمون، فإذا سلم المضمون من النزاع فلا يضر الاختلاف في الاسم. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= والاحتجاج به هو الحق الذي لا يجوز الاختلاف عليه لأدلة كثيرة جدًا ساق الإمام ابن القيم كثيرًا منها في بحثه، وهذا القول:
1 -
هو سبيل المؤمنين الذي من اتبع غيره شاق الرسول صلى الله عليه وسلم واستحق سوء العاقبة.
2 -
ومنهج الفرقة الناجية دون غيرها من الفرق الثنتين وسبعين.
3 -
وما اجتمعت عليه الأمة دون ضلالة.
4 -
الإجماع السكوتي المعروف عند علماء الأصول، وهو الإجماع الذي وقع كثيرًا بين الصحابة، والوحيد الموافق لدلالات النصوص وألفاظها.
فإن للإجماع الصريح مقتضيات متعذرة؛ أهمها:
- استقراء أقوال جميع الصحابة وإثبات اتفاقهم الصريح المنطوق على حكم واحد.
ذلك أن الصحابة تفرقوا قبل وفاة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولم يجتمعوا كلهم أبدًا.
ولم يدع أحد من العلماء أنه طاف عليهم وجمع أقوالهم في مسألة واحدة أبدًا، فإذا نزلت إلى ما بعد عصر الصحابة تطلب الأمر لوازم أكثر وأبعد، منها:
- الاتفاف على حد معتبر للعالم الذي يعتد بخلافه.
- تعيين أسماء العلماء الذين تحققت فيهم صفات هذا الحد.
- جمعهم في مكان واحد، أو الطواف على بلدانهم لمعرفة أقوالهم.
وقد اشتهرت كلمة الإمام أحمد في تكذيب الإجماع الصريح، وهو قوله المشهور: من ادعى الإجماع فقد كذب، ما يدريه لعل الناس اختلفوا.
- وللإمام الشافعي كلام قوي في إنكار هذا النوع من الإجماع، قال رحمه الله:
"وكفى حجة على أن دعوى الإجماع في كل الأحكام ليس كما ادعى من ادعى ما وصفت من هذا ونظائر له أكثر منه، وجملته أنه لم يدع الإجماع فيما سوى جمل الفرائض التي كلفها العامة أحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا التابعين، ولا القرن الذي بعدهم، ولا القرن الذي يلونهم، ولا عالم علمته على ظهر الأرض، ولا أحد نسبته العامة إلى علم إلا حينًا من الدهر، فإن قائلًا قال فيه بمعنى لم أعلم أحدًا من أهل العلم عرفه، وقد حفظت عن عدد منهم إبطاله.
ومتى كانت عامة من أهل العلم في دهر بالبلدان على شيء، وعامة قبلهم، قبل أن يحفظ عن فلان وفلان كذا، ولم نعلم لهم مخالفًا، ونأخذ به، ولا نزعم أنه قول الناس كلهم، لأنا لا نعلم من قاله من الناس إلا من سمعناه منه أو عنه، قال: وما وصفت من هذا قول من حفظت عنه من أهل العلم نصًا واستدلالًا" "مختلف الحديث" (ص 91).
وقال الشافعي بعدها: "والعلم من وجهين: اتباع واستنباط، والاتباع: اتباع كتاب، فإن لم يكن فسنة، فإن لم تكن فقول عامة من سلفنا لا نعلم له مخالفًا، فإن لم يكن فقياس على كتاب اللَّه عز وجل، فإن لم يكن فقياس على سنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن لم يكن فقياس على قول عامة سلفنا لا مخالف فيه". "مختلف الحديث"(ص 91).
وكلام الشافعي فيه: =
وبعض الفقهاء المتأخرين: لا يكون إجماعًا ولا حجة (1)، وإن لم يشتهر قوله أو لم يعلم [هل] (2) اشتهر أم لا فاختلف الناس: هل يكون حجة أم لا؟ فالذي عليه جمهور الأمة أنه حجة هذا قول جمهور الحنفية، صرح به محمد بن الحسن، وذكر عن أبي حنيفة نصًا وهو مذهب مالك وأصحابه، وتصرفه في "موطئه" دليل عليه (3)، وهو قول إسحاق ابن راهويه وأبي عبيد، وهو منصوص الإمام أحمد في غير موضع [عنه](4)، واختيار جمهور أصحابه، وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد، أما القديم فأصحابه مقرون به، وأما الجديد فكثير منهم يحكي عنه فيه أنه ليس بحجة، وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جدًا؛ فإنه لا يحفظ عنه (5) في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة، وغاية ما يتعلق به (6) من نقل ذلك أنه يحكي أقوالًا للصحابة في الجديد ثم يخالفه (7) ولو كانت عنده حجة لم يخالفها وهذا تعلُّق ضعيف جدًا فإن مخالفة المجتهد الدليل (8) المعيَّن لما هو أقوى في نظره منه (9) لا يدل على أنه لا يراه دليلًا من حيث الجملة، بل خالف دليلًا لدليل أرجح منه عنده (10)، وقد تعلَّق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر
= 1 - أن الإجماع عنده إنما هو في جمل الفرائض، أي الفرائض المعلومة الظاهرة، وكلامه قريب من المعلوم بالضرورة، إن لم يكن هو (بل هو كما سيأتي عنه).
2 -
إن الإجماع لم يدعه أحد من الصحابة، أو التابعين، ولا أتباع التابعين، ولا أتباعهم، ولا سمعه الشافعي من عالم معتبر عنده ولا عالم معتبر عند العامة (س).
3 -
وإن قائلًا تكلم فيه بمعنى أنكره الشافعي، وحفظ إبطاله عن عدد من أهل العلم.
4 -
أنه يأخذ بما عليه عامة أهل العلم، ويجعله أصلًا يقيس عليه ولا يسميه إجماعًا، وحقيقته عدم علم بالمخالف. (س).
(1)
وَرَدٌّ المتكلمين وبعض متأخري الفقهاء ما اشتهر من أقوال الصحابة دون خلاف، وعدم الاحتجاج به مردود، وأنه مبتدع محدث محجوج بالأدلة القاضية بحجيته، ومخالف لمنهج السلف في قبوله والاحتجاج به (س).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(3)
عنون على هاتين الجملتين في هامش (ق) بقوله: "تصرف مالك في "الموطأ"".
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في المطبوع و (ك): "لا يحفظ له".
(6)
في (ق): "وعامة ما تعلق به".
(7)
في (ك) و (ق): "يخالفها".
(8)
في (ق): "للدليل".
(9)
في (ق): "أقوى منه في نظره".
(10)
كمن يترك عموم القرآن لبيان السنة ودلالتها (س).
وفي المطبوع و (ك): "أرجح عنده منه".
أقوال الصحابة موافقًا لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص، بل يعضدها بضروب من الأقيسة؛ فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر، وهذا أيضًا تعلق أضعف من الذي قبله؛ فإن تظافر (1) الأدلة وتعاضدها وتناصرها من عادة أهل العلم قديمًا وحديثًا ولا يدل ذكرهم دليلًا ثانيًا وثالثًا على أن ما ذكروه قبله ليس بدليل (2)، وقد صرَّح الشافعي في الجديد من رواية الربيع عنه بأن قول الصحابة (3) حجة يجب المصير إليه، فقال: المُحدثات من الأمور ضربان:
أحدهما (4): ما أحدث يخالف كتابًا أو سنة أو إجماعًا أو أثرًا (5) فهذه البدعة الضلالة، والربيع إنما أخذ عنه بمصر (6)، وقد جعل مخالفة الأثر الذي ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ضلالة، وهذا فوق كونه حجة، وقال البيهقي في كتاب "مدخل السنن" (7) له: باب ذكر أقاويل الصحابة إذا تفرقوا (8)، قال الشافعي (9): أقاويل الصحابة إذا تفرَّقوا فيها نصير إلى ما وافق الكتاب والسنة أو الإجماع إذا (10) كان أصح في القياس، وإذا قال الواحد منهم القول لا يُحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة ولا خلاف (11) صرت إلى اتباع قوله إذا لم أجد كتابًا ولا سنة ولا إجماعًا ولا شيئًا (12) في معناه يحكم له بحكمه أو وجد معه قياس، قال البيهقي: وقال في كتاب "اختلافه مع مالك"(13): ما كان
(1) في نسخة: "تظاهر".
(2)
وقد يستدل العالم على المسألة الواحدة بآيات من القرآن، أو أحاديث نبوية عدة، أو بآيات وأحاديث، ولا يفهم من هذا بحال أن شيئًا من هذا ليس بدليل.
(3)
في (ك): "أقوال الصحابي".
(4)
في (ك): "أحدها".
(5)
وذكر الأثر بعد السنة لا معنى له إلا النقل عن الصحابي، وهو صريح في تضليل من أحدث خلاف آثار الصحابة، وفي الاحتجاج به استقلالًا (س).
(6)
وهذا يرد على شبهة كون هذا القول من مذهبه القديم الذي رجع عنه (س).
(7)
(ص 109).
(8)
في (ق): "إذا افترقوا".
(9)
في "الرسالة"(ص 596 - 598) بتصرف يسير.
(10)
في هامش (ق): "لعله: أو إذا".
(11)
في (ق): "لا يحفظ فيه عن غيره موافقة له".
(12)
في (ق): "إلا شيئًا".
(13)
(مطبوع في آخر "الأم")، وفي (ك):"كتابه مع مالك".