الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للمعلق قبله (1)، فقد تبين فساد المعلق بما فيه كفاية، ثم نقلب عليكم هذه النكتة (2) قلبًا أصح منها شرعًا وعقلًا ولغةً، فنقول: إذا أوقعنا المنجَّز لم يمكنا (3) أن نوقع قبله ثلاثًا قطعًا (4)، وقد وُجد سببُ وقوع المنجز وهو الإيقاع، فيستلزم موجبه وهو الوقوع، وإذا وقع موجبه استحال وقوع الثلاث؛ فهذه (5) النكتة أصح وأقرب إلى الشرع والعقل واللغة، وباللَّه التوفيق.
وأما (6) قولكم: "إن المكلف أتى بالسبب الذي ضيق به على نفسه فألزمناه حكمه -إلى آخره" فجوابه أن هذا إنما يصح فيما يملكه من الأسباب شرعًا، فلا بد أن يكون السبب مقدورًا ومشروعًا، وهذا السبب الذي أتى به غير مقدورٍ ولا مشروع؛ فإن اللَّه تعالى لم يملّكه طلاقًا ينجزه تسبقه ثلاث قبله، ولا ذلك مقدور له؛ فالسبب لا مقدور ولا مأمور، بل هو كلام متناقض فاسد؛ فلا يترتب عليه تغيير (7) أحكام الشرع، وبهذا خرج الجواب عما نظرتم به من المسائل، أما:
[عن الطلاق الثلاث جملة]
المسألة الأولى -وهي إذا طلَّق امرأته ثلاثًا جملة- فهذه مما يحتجُّ لها، ولا يحتج بها -وللناس فيها أربعة أقوال:
أحدهما الإلزام بها.
والثاني: إلغاؤها جملة وإن كان هذا إنما يعرف عن فقهاء الشيعة (8).
والثالث: أنها واحدة، وهذا (9) قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه (10)،
(1) في (ق): "قيل".
(2)
في (ق): "هذه النكتة عليكم".
(3)
في (ق) و (ك): "يمكننا".
(4)
سقط من (ك).
(5)
في (ق) و (ك): "وهذه".
(6)
سقط من (ق).
(7)
في (ن): "تغير".
(8)
انظر "حلية العلماء"(7/ 22)، و"أحكام القرآن"(1/ 388)، وفي المطبوع:"الفقهاء الشيعة"، وفي (ك):"الفقهاء السبعة".
(9)
في (ك): "وهو".
(10)
روى مسلم (1472) في (الطلاق): باب طلاق الثلاث عن ابن عباس قال: كان الطلاق على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر، طلاق الثلاث واحدة.
وهو في "مصنف عبد الرزاق"(11336، 11337، و 11338)، و"سنن أبي داود"(2199)، و"المحلى"(10/ 168).
وجميع الصحابة في زمانه، وإحدى الروايتين عن ابن عباس (1)، واختيار أعلم الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن إسحاق والحارث العكلي وغيره، وهو أحد القولين في مذهب مالك حكاه التلمساني في "شرح تفريع ابن الجلاب"(2)، وأحد القولين في مذهب الإمام أحمد اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه (3).
والرابع: أنها واحدة في حق التي لم يدخل بها، وثلاث (4) في حق المدخول بها، وهذا مذهب إمام أهل خراسان في وقته إسحاق بن راهويه نظير الإمام أحمد والشافعي ومذهب جماعة من السلف.
وفيها مذهب خامس، وهو أنها إن كانت منجَّزة وقعت، وإن كانت معلَّقة لم تقع، وهو مذهب حافظ الغرب وإمام أهل الظاهر في وقته أبو محمد بن حزم (5)، ولو طولبتم بإبطال هذه الأقوال وتصحيح قولكم بالدليل الذي يركن إليه العالم لم يمكنكم ذلك، والمقصود أنكم تستدلون بما يحتاج إلى إقامة الدليل عليه، والذين يَسَلِّمون لكم وقوع الثلاث جملة واحدة فريقان:
* فريق يقول بجواز إيقاع الثلاث فقد أتى المكلف عنده بالسبب المشروع المقدور فترتب عليه سبَبُه.
* وفريق يقول: تقع وإن كان إيقاعها محرمًا كما يقع الطلاق في الحيض والطُّهر الذي أصابها فيه وإن كان محرمًا لأنه ممكن، بخلاف وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فإنه محال، فأين أحدهما من الآخر؟
(1) رواه البيهقي (7/ 339) من طريق مسلم بن عصام: أخبرنا عبد اللَّه بن سعد: أخبرنا عمي: أخبرنا أبي عن ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عنه.
وهذا إسناد رواته ثقات من رجال الصحيح، غير ابن إسحاق فهو حسن الحديث، وغير مسلم بن عصام، فإني لم أجد له ترجمة فيما بين يدي.
ولكن رواية داود عن عكرمة فيها اضطراب، كما قال غير واحد من أهل الجرح والتعديل.
قال البيهقي رحمه الله: وهذا إسناد لا تقوم الحجة به، مع ثمانية رووا عن ابن عباس رضي الله عنهما، فتياه بخلاف ذلك، أي أن الثلاث تقع ثلاثًا، وقد وردت عنه بأسانيد صحيحة مخرجة فيما مضى.
(2)
مضى التعريف به في التعليق على (3/ 388).
(3)
انظر: "مجموع الفتاوى" لإمام الأئمة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغفر له- (32/ 311 - 312).
(4)
في (ق) و (ك): "ثلاث".
(5)
انظر: "المحلى"(10/ 167 - 173)، وفي سائر النسخ:"محمد بن حزم" والمثبت من (ك).
[فصل](1)[عن تمليك الرجل امرأته الطلاق]
وأما نقضكم الثاني بتمليك الرجل امرأتَه الطلاقَ وتضييقه على نفسه بما وَسّع اللَّه سبحانه عليه مِنْ جَعْله بيده، فجوابه من وجوه:
أحدها: أنه بالتمليك لم يخرج الطلاق عن يده، بل هو في يده كما هو، هذا إن قيل: إنه تمليك، وإن قيل: إنه توكيل فله عَزْلُهَا متى شاء.
الثاني: أن هذه المسألة (2) فيها نزاع معروف بين السلف والخلف؛ فمنهم من قال: لا يصح تمليك المرأةِ الطلاقَ ولا توكيلها فيه، ولا يقع الطلاق إلا ممن أخذ بالساق، وهذا مذهب أهل الظاهر، وهو مأثور عن بعض السلف؛ فالنقض بهذه الصورة يستلزم إقامة الدليل عليها، والأدنى (3) لا يكون دليلًا. ومن هنا قال بعض أصحاب مالك: إنه إذا علَّق اليمين بفعل الزوجة لم تطلق إذا حنث؛ لأن (4) اللَّه تعالى مَلَّكَ الزوجَ الطلاقَ، وجعله بيده رحمةً منه، ولم يجعله إلى المرأة؛ فلو وقع الطلاق بفعلها لكان إليها إن شاءت أن تفارِقَه وإن شاءت أن تقيمَ معه، وهذا خلاف شَرْع اللَّه، وهذا أحد الأقوال في مسألة تعليق الطلاق بالشرط كما تقدم (5).
والثاني: أنه لغو وباطل، وهذا اختيار أبي عبد الرحمن ابن بنت (6) الشافعي ومذهَبُ أهل الظاهر
والثالث: أنه موجب لوقوع الطلاق عند وقوع الصفة، سواء كان يمينًا أو تعليقًا محضًا، وهذا المشهور عند الأئمة الأربعة وأتباعهم.
والرابع: أنه إن كان بصيغة التعليق لزم، وإن كان بصيغة القسَم والالتزام لم يلزم إلا أن ينويه، وهذا اختيار أبي المحاسن الروياني وغيره.
والخامس: أنه إن كان بصيغة التعليق وقع، وإن كان بصيغة القَسَم والالتزام لم يقع وإن نواه، وهذا اختيار القَفَّال في "فتاويه".
(1) سقط من (ق).
(2)
أفردها ابن عظوم في رسالة "التمليك"، وهي مطبوعة.
(3)
في المطبوع: "والأول"، وفي (ك):"والأوهن".
(4)
في المطبوع: "قال: لأن".
(5)
انظر: "رسالة التمليك"(38 - 39).
(6)
في (ق): "بدر"!!