الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[اختلاف الفقهاء في الضمان]
المثال الرابع (1) والستون: اختلف الفقهاء في الضمان (2)، هل هو تعدد لمحل الحق وقيام للضمين مقام المضمون عنه أو هو استيثاق بمنزلة الرهن؟ على قولين، وهما روايتان عن مالك (3)، يظهر أثرهما في مطالبة الضامن مع التمكن من مطالبة المضمون عنه، فمن قال بالقول الأول -وهم الجمهور- قالوا: لصاحب الحق مطالبة مَنْ شاء منهما على السواء، ومن قال بالقول الثاني (4) قال: ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذر عليه مطالبة المضمون عنه، واحتج هؤلاء بثلاث حجج:
إحداها (5): أن الضامن فرع، والمضمون عنه أصل، وقاعدة الشريعة أن الفروع والأبدال لا يصار إليها إلا عند تعذر الأصول كالتراب (6) في الطهارة والصوم في كفارة اليمين، وشاهد الفرع مع شاهد الأصل. [وقد اطرد هذا في ولاية النكاح واستحقاق الميراث](7) لا يلي فرع (8) مع أصله ولا يرث معه.
الحجة (9) الثانية: أن الكفالة توثقه وحفظ للحق، فهي جارية مجرى الرهن، ولكن ذاك رهن عين وهي رهن ذمة أقامها الشارع (10) مقام رهن الأعيان للحاجة إليها واستدعاء المصلحة لها. والرهن لا يستوفى منه إلا مع تعذر الاستيفاء من الراهن، فكذا الضمين. ولهذا كثيرًا ما يقترن الرهن والضمين لتواخيهما وتشابههما وحصول الاستيثاق بكل منهما.
(1) في (ك) و (ق): "الثاني".
(2)
الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق. قال الماوردي: غير أن العرف جار بأن الضمين مستعمل في الأموال والحميل في الديات والزعيم في الأموال العظام والكفيل في النفوس والصبير في الجميع.
انظر: "تحرير ألفاظ التنبيه"(203)،، أنيس الفقهاء" (223)، "مغني المحتاج" (2/ 298).
(3)
"المعونة"(2/ 11231)، "التفريع"(2/ 286)، "الكافي"(398 - 399)، "جامع الأمهات"(391)، "الإشراف"(3/ 61 مسألة 918)، وتعليقي عليه، وفي (ق):"هما" دون واو.
(4)
وهو قول ابن أبي ليلى وداود وابن شبرمة وأبي ثور انظر "الإشراف"(3/ 61 مسألة 918) و"المحلى"(8/ 113)، "تنقيح التحقيق"(3/ 35 مسألة 535)، "حلية العلماء"(5/ 58).
(5)
في (ك) و (ن): "أحدها".
(6)
في (ك): "كتراب".
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(8)
في (ك): "فرعًا".
(9)
في (ق): "والحجة".
(10)
في (ن) و (ق): "الشرع".
الحجة الثالثة: أن الضامن في الأصل لم يوضع لتعدد محل الحق كما لم يوضع لنقله، وإنما وضع ليحفظ صاحب الحق حقه من التّوَى (1) والهلاك، ويكون له محل يرجع إليه عند تعذر الاستيفاء من محله الأصلي، ولم ينصب الضامن نفسه لأن يطالبه المضمون له مع وجود الأصيل ويُسْرَته والتمكن [من مطالبته](2). والناسُ يستقبحون هذا، ويعدون فاعله متعديًا، ولا يعذرونه بالمطالبة، حتى إذا تعذر عليه مطالبة الأصيل عذروه بمطالبة الضامن وكانوا عَوْنًا له عليه، وهذا أمر مستقر في فطر الناس ومعاملاتهم بحيث لو طالب الضامن والمضمون عنه إلى جانبه والدراهم في كمه وهو متمكن من مطالبته لاستقبحوا ذلك غاية الاستقباح. وهذا القول في القوة كما ترى، وهو رواية ابن القاسم في الكتاب عن مالك (3). ولا ينافي هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الزعيم غارم"(4) فإنه لا عموم له، ولا يدل على
(1)"التوى: [هو] الهلاك، [فالعطف في كلام المؤلف للتفسير]، كذا في (ط)، و (د)، وما بين المعقوفتين من (د)، وانظر: "لسان العرب" (1/ 458 - دار المعارف).
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "منه".
(3)
"المدونة"(5/ 262)، "عقد الجواهر"(2/ 663).
(4)
رواه أحمد (5/ 267)، وعبد الرزاق (14796 و 16308)، وابن أبي شيبة في "مصنفه"(6/ 154)، وسعيد بن منصور في "سننه"(427)، والطيالسي (1128)، وأبو داود (3565) في (البيوع والإجارات)، باب ما جاء في تضمين العارية، والترمذي (1265) في (البيوع): باب ما جاء في أن العارية مؤداة، و (2120) في (الوصايا): باب ما جاء لا وصية لوراث، وابن ماجه (2398) في (الصدقات): باب العارية، وابن الجارود في "المنتقى"(1023)، والطبراني في "الكبير"(7615 و 7621)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(50)، وابن عدي (1/ 290)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(6/ 72 و 88)، والدارقطني (3/ 41) من طريق إسماعيل بن عياش عن شرحبيل بن مسلم الخولاني عن أبي أمامة قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره، وفيه زيادة.
وقال الترمذي: "حديث حسن"، وفي الموطن الثاني: حسن صحيح.
أقول: إسماعيل بن عياش صحيح الرواية عن الشاميين، وهذه منها، وشرحبيل هذا فيه لين، فهو حسن الحديث.
وله شاهد؛ رواه أحمد (5/ 293) من طريق ابن المبارك عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (في المطبوع: عن جابر) عن سعيد بن أبي سعيد عمن سمع النبي عليه السلام.
وهذا إسناد رجاله ثقات، كما قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(4/ 145). ثم تبيَّن في أن سعيد هذا هو الساحلي، وهو غير محتج به، كما في "تحفة الأشراف"(1/ 225) و"التهذيب"(4/ 39 - 40)، و"إتحاف المهرة"(2/ 22).
لكن رواه الدارقطني (4/ 70) والبيهقي (6/ 264) من طريق عمر (وفي مطبوع "سنن الدارقطني": "عمرو، والتصويب من المخطوط و"إتحاف المهرة" (2/ 22)) بن عبد الواحد =