الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[رأي أهل المغرب]
وأما أهل المغرب فتواتر (1) عمن يعتني بالحديث ومذاهب السلف منهم أنه كان يفتي بها وأوذي بعضهم على ذلك وضرب، وقد ذكرنا فتوى (2) القفال في قوله:"الطلاق يلزمني" أنه لا يقع به طلاق وإن نواه، وذكرنا فتاوى أصحاب أبي حنيفة في ذلك، وحكايتهم إياه عن الإمام نصًا، وذكرنا فتوى أشهب من المالكية فيمن قال لامرأته:"إنْ خرجتِ من داري أو كلَّمتِ فلانًا -ونحو ذلك- فأنت طالق" ففعلتْ لم تَطْلُق، ولا يختلف عالمان متحليان بالإنصاف أن اختيارات شيخ الإسلام لا تتقاصر عن اختيارات ابن عقيل وأبي الخطاب بل وشيخهما أبي يعلى، فإذا (3) كانت اختيارات هؤلاء وأمثالهم وجوهًا يفتي بها في الإسلام ويحكم بها الحكام فلاختيارات شيخ الإسلام أسوة بها إن لم ترجح عليها (4)، واللَّه المستعان وعليه التكلان.
فصل (5)[القول في جواز الفتوى بالآثار السلفية]
في جواز الفتوى بالآثار السلفية (6)، والفتاوى الصحابية، وأنها أولى بالأخذ [بها](7) من أراء المتأخرين وفتاويهم، وأن قُرْبها إلى الصواب بحسب قرب أهلها من عصر الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه وعلى آله، وأن فتاوى الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوى التابعين، وفتاوى التابعين أولى من [فتاوى](7) تابعي
(1) في (ق): "وأما أهل الغرب فثبت".
(2)
في (ق): "فتاوى".
(3)
في (ق): "إذا".
(4)
في (ق): "إن لم تترجح عليها".
(5)
نشر أخونا الأستاذ أحمد سلام كلام الإمام ابن القيم هذا على حجية أقوال الصحابة، الذي يبدأ من هاهنا في رسالة مستقلة سماها "البينات السلفية على أن أقوال الصحابة حجة شرعية في إعلام الإمام ابن قيم الجوزية".
وعلق عليها فأثبت تعليقاته دون تخريجاته، ورمزت لها في آخرها بـ (س).
(6)
السلفية: نسبة إلى القرون المفضلة وهم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، والصحابة هم الطبقة العليا من السلف رضي الله عنهم بعد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وموافقة الصحابة هو مناط اعتبار من عاش في عصر التابعين وما بعده من السلف، -أو سلفيًا- دون نوابت الفرق الضالة.
والصحابة؛ هم كل من لقي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مؤمنًا به، ومات على ذلك، طالت صحبته أو قصرت، روى عنه أو لم يرو (س).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
التابعين، وهلم جرّا وكلما كان العهد بالرسول (1) أقرب كان الصواب أغلب، وهذا حكم بحسب الجنس (2) لا بحسب كل فرد فرد من المسائل، كما أن عصر التابعين -وإن كان أفضل من عصر تابعيهم- فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص، ولكن المُفضَّلون في العصر المتقدم أكثر من المفضلين في العصر المتأخر، وهكذا الصواب في أقوالهم أكثر من الصواب في أقوال من بعدهم؛ فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين (3)، ولعله لا يسع المفتي والحاكم عند اللَّه أن يفتي ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الأئمة ويأخذ برأيه وترجيحه (4) ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري وإسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم (5)، بل يترك قول ابن المبارك والأوزاعي [وسفيان الثوري](6) وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم (7)، بل لا يَلْتفت إلى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم (8)، بل لا يلتفت إلى قول (9) سعيد بن المسيب، والحسن، والقاسم، وسالم (10)، وعطاء، وطاوس، وجابر بن زيد، وشُريح، وأبي وائل، وجعفر بن محمد وأضرابهم مما (11) يسوغ الأخذ بقولهم (12) بل يرى تقديم
(1) في (ق): "وكلما كان برسول اللَّه"، وفي (ك):"وكلما كان العهد برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم".
(2)
أي بحسب اختلاف الطبقات، ففتاوى طبقة الصحابة مقدمة على فتاوى التابعين، وفتاوى طبقة التابعين مقدمة على فتاوى من بعدهم على العموم، وليست كل فتوى لكل تابعي مقدمة على أقوال من بعدهم، وكذلك لو أفتى بعض التابعين بالراجح مما اختلف فيه الصحابة، كانت فتواهم مقدمة على القول المرجوح من اختلاف الصحابة، وإن كان مرجع هذه الفتوى في الحقيقة لمن أفتى بها من الصحابة رضي الله عنهم (س).
(3)
فلا انفكاك بين علو مكانتهم وفضلهم وخبرتهم، وعلمهم وفقههم، فهم أصحاب المنهج الأسلم، والأحكم والأعلم. كما أنهم خير الناس وأفضلهم (س).
قال (د): "في نسخة "في الفضل والرأي"".
(4)
في (ك): "وترجحه".
(5)
الطبقة الوسطى ممن تلقى عن أتباع التابعين (س).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ط).
(7)
وهم من الطبقة الوسطى من أتباع التابعين (س).
(8)
وهم من طبقة دون الطبقة الأولى من التابعين (س).
(9)
في المطبوع و (ك): "بل لا يعد قول".
(10)
في (ق): "وسالم والقاسم".
(11)
كذا في المطبوع، و (ق)، وفي هامش (ق):"لعله ممن".
(12)
وهم من طبقة التابعين الكبار (س)، وفي (ك):"به".
[قول](1) المتأخرين من أتباع من قلَّده على [فتوى](1) أبي بكر الصديق (2) وعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأبيّ بن كعب وأبي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد اللَّه بن عباس وعبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن الزبير وعبادة بن الصامت وأبي موسى الأشعري وأضرابهم (3)، فلا يدري ما عذره غدًا عند اللَّه (4) إذا سوَّى بين أقوال أولئك وفتاويهم وأقوال هؤلاء وفتاويهم (5)، فكيف إذا رجَّحها عليها؟
فكيف إذا عيَّن (6) الأخذ بها حكمًا وإفتاءً (7)، ومنع الأخذ بقول الصحابة (8)، واستجاز عقوبة من خالف المتأخرين لها (9)، وشهد عليه بالبدعة والضلالة (10)، ومخالفة أهل العلم وأنه يكيد الإسلام (11)؟ تاللَّه لقد أخذ بالمثل المشهور:"رمتني بدائها وانْسَلّتْ"(12)، وسمَّى ورثة الرسول باسمه هو، وكساهم أثوابه، ورماهم بدائه، وكثير من هؤلاء يصرخ ويصيح (13) ويقول ويعلن أنه يجب على الأمة كلهم الأخذ بقول من قلدناه ديننا (14)، ولا يجوز الأخذ بقول أبي بكر وعمر وعثمان
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
سقط من (ك).
(3)
وهم فقهاء الصحابة رضي الله عنهم.
(4)
في (ق): "فما ندري ما عذره عند اللَّه".
(5)
المذنب هو الذي يحتاج العذر، فالتسوية بين أقوال السلف وأقوال المتأخرين والخلف، تستوجب المؤاخذة عند الإمام ابن القيم، وكذلك هي عند من فَقِهَ مدار الدعوة السلفية وقطب رحاها (س).
(6)
ألزم وأوجب (س)، وفي (ك):"غيّر".
(7)
في (ق): "حكمًا وأفتى"، وأشار في الهامش إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.
(8)
وزعموا بئسما زعموا: أن أقوال غير المذاهب الأربعة قد درست وذهبت، فحكموا على الأمة بالضلال المبين لتضييعها المزعوم لآثار الصحابة وفقههم، ونسبوا إلى المذاهب الحفظ والصيانة، وكأنها بمنزلة الذكر الذي تكفل اللَّه بحفظه، فاعتبر (س).
(9)
أي استجاز عقوبة من خالف المتأخرين أتباعًا لأقوال الصحابة (س).
(10)
وإنما البدعة في مخالفة الصحابة والتدين بما لم يتدينوا به، والضلالة هي أخذ غير سبيلهم، ونهج غير طريقهم (س).
ووقع في (ق): "بالبدعة والضلالة".
(11)
هذا ما رمى به الحاقدون عن البدعة والطاغوت للإمام ابن تيمية في عصره، وأوقن أن ابن القيم يومئ إلى هذا (و).
(12)
المثل يضرب لمن يعير صاحبه بعيب هو فيه.
انظر: "مجمع الأمثال" للميداني (2/ 23 رقم 1521 - ط دار الجيل).
ووقع في (ق): "وانكت" وأشار إلى أنه في نسخة ما أثبتناه.
(13)
في (ق) و (ك): "يصرح ويصرخ".
(14)
وهذا قول مبتدع لا دليل عليه، ولا شبهة في بطلانه، ولا يحفظ عن واحد من الأئمة =