الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصحابة ويزول عنها الاختلاف، [ويكون هذا في موضعه وهذا في موضعه](1).
وعرف حذيفة جملًا له فادعاه، فنكل المدعَى عليه، وتوجهت اليمين على حذيفة، فقال: أتراني أترك جَمَلِي؟ فحلف (2) باللَّه أنه ما باع ولا وهبَ (3).
[متى يثبت تحليف المدعي]
فقد (4) ثبت تحليف المدعي إذا أقام شاهدًا واحدًا، والشاهد أقوى من النكول، فتحليفهُ مع النكول أولى، وقد شرع اللَّه سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم تحليف المدعي في أيمان القَسَامة؛ لقوة جانبه باللّوْث، فتحليفه مع النكول أولى، وكذلك شَرَع تحليفَ الزوج في اللِّعَان، وكذلك شرع تحليف المدعي إذا كان شاهدُ الحال يصدقه كما إذا تداعَيَا متاع البيت أو تداعى النجار والخياط آلة كل منهما فإنه يُقْضَى لمن تدل الحال على صحة دعواه مع يمينه، وقد روي في حديث مرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رَدَّ اليمين على طالب الحق (5)، ذكره الدارقطني وغيره، وهذا محض
(1) انظر: "الطرق الحكمية"(ص 82، 122 - 135 الطريق الرابع)، وبدل ما بين المعقوفتين في (ك):"ويكون هذا في موضوعه".
(2)
"في نسخة: فحلف عليه أنه. . . إلخ"(د).
(3)
رواه ابن أبي شيبة (5/ 70) والبيهقي في "السنن الكبرى"(10/ 179) من طريق حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن حسّان بن ثمامة قال: زعموا أن حذيفة عرف جملًا له سرق فخاصم. . . فذكره، وهو أطول مما ذكر المؤلف.
وحَسَّان بن ثمامة ينظر فإني لم أجد له ترجمة، والظاهر أنه لم يدرك حذيفة لأنه يقول: زعموا.
(4)
في (ق) و (ك): "وقد".
(5)
رواه الدارقطني (4/ 213)، وتمام في "فوائده"(933 - 934 - الروض البسام)، والحاكم في "المستدرك"(4/ 100)، ومن طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (10/ 184) من طريق محمد بن مسروف عن إسحاق بن الفراث عن ليث بن سعد عن نافع عن ابن عمر به. قال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
قال الذهبي: لا أعرف محمدًا، وأخشى أن لا يكون الحديث باطلًا، وكلمة "لا" جزمًا خطأ هنا، والعبارة ذكرها ابن حجر في "اللسان"(5/ 379) بدونها، وهي موجودة في "مختصر استدراك الذهبي على المستدرك" لابن الملقن (5/ 2532)، وقال ابن حجر في "التلخيص" (4/ 209): محمد بن مسروق لا يعرف، وإسحاق بن الفراث مختلف فيه، ورواه تمام في "فوائده" من "طريق أخرى عن نافع" أقول: هو في "فوائد تمام" من الطريق نفسه!! ومحمد بن مسروق، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 219): =
الفقه والقياس؛ فإنه إذا نكل قَوِيَ جانبُ المدعي فظُنَّ (1) صدقه، فشرع اليمين في حقه؛ فإن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه لقوة جانبه بالأصل، فإذا شهد الشاهدُ الواحدُ ضعف هذا الأصل ولم يتمكن قوته من الاستقلال، وقوى (2) جانب المدعي باليمين، وهكذا إذا نَكَلَ ضعف أصل البراءة (3)، ولم يكن النكول مستقلًا بإثبات الدعوى؛ لجواز أن يكون لجهله بالحال، أو لتورعه عن اليمين، أو للخوف من عاقبة اليمين، أو لموافقة قضاء وقدر؛ فظن الظانُّ أنه بسبب اليمين، أو لترفعه (4) عن ابتذاله باستحلاف خصمه له مع علمه بأنه لو حلف كان صادقًا، وإذا احتمل نكولُه هذه الوجوه لم يكن مستقلًا؛ بل غايته أن يكون مقويًا لجنبة المدعي فترد اليمين عليه، ولم تكن هذه المسألة مقصودة، وإنما جر إليها الكلام في أثر ابن عمر وزيد في مسألة البراءة (5).
وقد علم حكم هذا الشرط، وأين ينتفع به البار، وأين لا ينتفع به.
وإن (6) قيل: فهل ينفعه أن يشترط على المشتري أنه متى رده فهو حر أم لا ينفعه وإذا خاف توكيله في الرد استوثق منه بقوله: "متى رددته أو وكلت في رده" فإن خاف من رد الحاكم عليه حيث يرده بالشرع فلا يكون المشتري هو الراد ولا وكيله بل الحاكم المنفذ للشرع فاستوثق منه بقوله: "إذا ادعيت رده فهو حر" فهنا تصعب الحيلة على الرد، إلا على مذهب أبي ثور (7) وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد (8)، وهو إجماع الصحابة رضي الله عنهم أن تعليق العتق متى قصد به الحَضُّ أو المنع (9) فهو يمين جكمه حكم اليمين بالحج والصوم والصدقة، وحكم ما لو قال:"إن رددته فعليَّ أن أعتقه" بل أولى بعدم العتق، فإن هذا نذر قربة،
= "لا تعرف له حال" وذكره ابن حبان في "ثقاته"(9/ 68) كعادته! وضعّفه عبد الحق في "الأحكام الوسطى"(6/ 288) بإسحاق! وتعقبه ابن القطان بأنه ثقة، وأن علته ابن مسروق.
(1)
في (ك): "وظن".
(2)
في (ك) و (ق): "فقوي".
(3)
انظر: في مسألة الحكم بالشاهد واليمين "الإشراف"(5/ 44 مسألة 1808) وتعليقي عليه، وفي (و):"البراء"!
(4)
في (ك): "لرفعه".
(5)
تقدم تخريجه قريبًا جدًا.
(6)
في (ك) و (ق): "فإن".
(7)
نقل مذهبه: ابن حزم في "المحلى"(8/ 335) وابن رشد في "بداية المجتهد"(1/ 503)، وانظر:"فقه الإمام أبي ثور"(437 - 438).
(8)
انظر: "المغني"(8/ 696) وهذا قول محمد بن الحسن. انظر: "البحر الرائق"(4/ 320).
(9)
قال (د): "في نسخة: "الخطر أو المنع" في الموضعين".
ولكن إخراجه مخرج اليمين منع لزوم الوفاء به، مع أن الالتزام به أكثر من الالتزام بقوله:"فهو حر" فكل ما في التزام قوله: "فهو [حر] (1) " فهو داخل في التزام (2): "فعليَّ أن أعتقه" ولا ينعكس، فإن قوله:"فعليّ أن أعتقه" يتضمن وجوبَ الإعتاق وفعل العتق ووقوع الحرية، فإذا منَعَ قصدَ الحض (3) أو المنع وقوع ثلاثَةِ [أشياء](4) فلأن يمنع وقوع واحد منها أولى وأحْرَى، وهذا لا جواب عنه، وهو مما يبين [فضل](4) فقه الصحابة رضي الله عنهم، وأن بين فقههم وفقه من بعدهم كما بينهم (5) وبينهم، وحتى لو لم يصح ذلك عنهم لكان هذا مَحْضَ القياس ومقتضى قواعد الشرع وأصوله من أكثر من عشرين وجهًا لا تخفى على متبحّر (6) تتبعها، ويكفي قولُ فقيه الأمة وحَبْرِهَا وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه:"العتق ما ابتغي به وجه اللَّه، والطلاق ما كان عن وطر"(7).
فتأمل هاتين الكلمتين الشريفتين الصادرتين عن علم قد رسخ أسفلُه، وبَسَقَ أعلاه، وأينعت ثمرتُه، وذللت للطالب قطوفُه، ثم احكم بالكلمتين (8) على أيمان الحالفين بالعتق والطلاق، هل تجد الحالفَ بهذا ممن يبتغي به (9) وجه اللَّه والتقربَ إليه بإعتاق هذا العبد؟ وهل تجد (10) الحالفَ بالطلاق ممن له وطر في طلاق زوجته؟ فرضي اللَّه عن [حَبْرِ هذه الأمة](11) لقد شَفَتْ كلمتاه هاتان الصدورَ، وطبقتا المفصلَ (12)، وأصابَتَا المحزَّ (13)، وكانتا برهانًا على استجابة دعوة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم[له](14) أن يعلمه اللَّه التأويل ويفقهه في
(1) بياض في (ق).
(2)
في (ك): "الالتزام".
(3)
قال (د): "في نسخة: "الخطر أو المنع" في الموضعين".
(4)
سقط من (ق).
(5)
في المطبوع: "بينه".
(6)
في (ن) و (ق): "متحرٍ".
(7)
علقه البخاري في "صحيحه" في (الطلاق): باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون. . . قبل حديث (5269) تعليقًا مجزومًا به، ولم يذكر الحافظ في "الفتح" وصْلًا، وانظر:"تغليق التعليق"(4/ 455)، وقارنه بما علقناه سابقًا.
(8)
في (ق) و (ك): "قد حكم الكلمتين" وأشار في (ق) إلى تصحيحها.
(9)
سقط من (ك) و (ق).
(10)
سقط من (ك).
(11)
في (ك): "خير الأمة" وفي (ق): "حبر الأمة".
(12)
في (ك) و (ق): "الفصل".
(13)
في (ق): "وأضاءتا المحن" وأشار إلى تصحيحها.
(14)
ما بين المعقوفتين من (ق).