الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأنه علم أنه لم يقصِدْ طلاقَ امرأته، وإنما قصدَ اليمين فقط، فلم يلزمه بالطلاق [فقال الراوي فيهم: فلم ير ذلك حدثًا] (1)، وشريح أفقه في دين اللَّه أن لا يرى مثل هذا حدثًا.
ممن روي عنه عدم وقوع الطلاق على الحالف إذا حنث عكرمة مولى ابن عباس، كما ذكره سُنيد بن داود في "تفسيره" في أول سورة النور عنه بإسناده (2) أنه سئل عن رجل حلف بالطلاق أنه لا يكلم أخاه، فكلَّمه، فلم ير ذلك طلاقًا ثم قرأ:{وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} [البقرة: 168، 208، الأنعام: 142](3).
[المنقول عن السلف في ذلك]
ومن تأمَّل المنقول عن السلف [في ذلك](4)، وجده أربعة أنواع (5):
* صريح في عدم الوقوع (6).
* وصريح في الوقوع (6).
* وظاهر في عدم الوقوع.
* وتوقف عن الطرفين.
فالمنقول عن طاوس وعكرمة صريحٌ في عدم الوقوع.
وعن علي (7) وشُريح ظاهرٌ في ذلك، وعن ابن عيينة صريح في التوقف، وأما التصريح بالوقوع فلا يُؤثر عن صحابي واحد إلا فيما هو محتمل لإرادة الوقوع عند الشرط، كالمنقول عن أبي ذر، بل الثابت عن الصحابة عدم الوقوع في صورة العتق الذي هو أولى بالنفوذ من الطلاق، ولهذا ذهب إليه أبو ثور وقال: القياس أن الطلاق مثله، إلا أن تُجمع الأمة عليه، فتوقف في الطلاق لتوهم الإجماع، وهذا عذر أكثر الموقعين للطلاق، وهو ظنهم [أن](8) الإجماع على الوقوع، مع اعترافهم أنه ليس في الكتاب والسنة والقياس الصحيح ما يقتضي
(1) ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
سيذكره المصنف قريبًا.
(3)
قال (و): "ذكر هذا النهي أربع مرات في القرآن: في (البقرة: 168، 208)، وفي (الأنعام: 142)، وفي (النور: 21) ".
قلت: في سورة النور دون الواو.
(4)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(5)
في (ق): "أربع قواعد"!!.
(6)
في (ك): "الوقوف".
(7)
في المطبوع: "عليٍّ عليه السلام".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
الوقوع، وإذا تبيَّن أنه ليس في المسألة إجماع تبين أن لا دليل أصلًا يدل على الوقوع، والأدلة الدالة على عدم الوقوع في غاية القوة والكثرة، وكثير منها لا سبيل إلى دفعه، فكيف يجوز معارضتها بدعوى إجماع قد علم بطلانه قطعًا؟ فليس بأيدي الموقعين آية من كتاب اللَّه تعالى ولا أثر (1) عن رسول اللَّه [صلى الله عليه وسلم](2) ولا عن أصحابه ولا قياس صحيح، والقائلون بعدم الوقوع لو لم يكن معهم إلا الاستصحاب الذي لا يجوز الانتقال عنه إلا لما هو أقوى منه لكان كافيًا فكيف ومعهم الأقيسة التي أكثرها من باب قياس الأولى؟ والباقي من القياس المساوي وهو قياس النظير على نظيره، والآثار والعمومات والمعاني الصحيحة والحكم [والمناسبات التي شهد لها الشرع بالاعتبار ما لم يدفعهم منازعوهم عنهم بحجة أصلًا؟ وقولهم](3)، وسط بين قولين متباينين غاية التباين:
أحدهما: قول من يعتبر التعليق فيوقع به الطلاق على كل حال، سواء كان تعليقًا قَسَميًا يقصد به الحالف منع الشرط والجزاء أو تعليقًا شرطيًا يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشرط.
والثاني: قول من يقول: إن هذا التعليق كله لغوٌ لا يصح بوجه ما ولا يقع الطلاق به البتة، كما سنذكره في المخرج الذي بعد هذا إن شاء اللَّه، فهؤلاء توسطوا بين الفريقين، وقالوا: يقع الطلاق (4) في صورة التعليق [المقصود به وقوع الجزاء، ولا يقع في صورة التعليق القَسَمي](5)، وحجتهم قائمة على الفريقين، وليس لأحد منهما حجة صحيحة عليهم، بل كل حجة صحيحة احتج بها الموقعون فإنما تدل على الوقوع في صورة التعليق المقصود وكل حجة احتج بها المانعون صحيحية فإنما تدل على عدم الوقوع في صورة التعليق القسمي فهم قائلون بمجموع حجج الطائفتين وجامعون للحق الذي مع الفريقين ومعارضون كل من الفريقين وحججهم بقول الفريق الآخر وحججهم (6).
(1) في المطبوع: "في كتاب أو سنة ولا أثر".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وقال في الهامش:"لعله: وهو والمناسبات التى شهد لها الشرع بالاعتبار ما لم يدفعهم منازعوهم عنه بحجته أصل وقولهم".
(4)
في (ق): "لا يقع الطلاق".
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "القسمي ويقع في صورة التعليق الشرطي".
(6)
مسألة تمليك الرجل امرأته الطلاق. .، وبيان الخلاف على سبعة أقوال. انظرها في "زاد المعاد"(4/ 68 - 73)، وقد مضت في كلام المصنف.