الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبعض أهل الظاهر كما صرَّح به صاحب "المحلى"، فقال (1): والطلاق بالصفة عندنا كالطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم.
[المغلوب على عقله]
والمغلوب على عقله كمن يفعل (2) المحلوف عليه في حال سكر (3) أو جنون أو زَوَال عقل بشرب دواء أو بنج أو غضب شديد ونحو ذلك.
[ظن الطلاق]
والذي يظن أن امرأته طلقت، [فيفعل المحلوف](4) عليه بناء على أنه لا يؤثر في الحنث، كما إذا قال: إن كلمت فلانًا فأنت طالق ثلاثًا ثم قال: إن فعلت كذا فامرأتي طالق ثلاثًا فقيل له (5): إن امرأتك قد (6) كلَّمت فلانًا فاعتقد صدق القائل، وأنها قد بانت منه (6)، ففعل المحلوف عليه بناء على أن العصمة قد انقطعت، ثم بأن له أن المخبر كاذب.
وكذلك لو قيل له: قد كلمت فلانًا فقال: طلقت مني ثلاثًا ثم بأن [له](7) أنها لم تكلمه، ومثل ذلك لو قيل له: إن امرأتك قد مسكت تشرب الخمر مع فلان، فقال: هي طالق ثلاثًا ثم ظهر كذب المخبر وأن ذلك لم يكن منه شيء.
[أقوال من أفتى بعدم الحنث]
فاختلف الفقهاء في ذلك [اختلافًا لا ينضبط](8).
فنذكر أقوال من أفتى بعدم الحنث في ذلك؛ إذ هو الصواب بلا ريب، وعليه تدل الأدلة الشرعية ألفاظها وأقيستها واعتبارها وهو مقتضى قواعد الشريعة (9)؛ فإن البر والحنث في اليمين نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي، فلو (10) فعل المكَّلف ذلك في أمر الشارع ونهيه لم يكن عاصيًا فأولى في باب اليمين أن لا يكون حانثًا.
(1) في "المحلى"(10/ 213/ م 1969).
(2)
في (ك): "يفعله".
(3)
في (ك): "سكره".
(4)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "فيحلف".
(5)
في (ق): "وقيل له".
(6)
سقط من (ك).
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي (ك):"يضبط".
(9)
في (ك) و (ق): "الشرعية".
(10)
في المطبوع و (ك): "وإن".
يوضحه (1) أنه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه، والنسيان والجهل والخطأ والإكراه غير داخل تحت قدرته، فما فعله (2) في تلك الأحوال لم يتناوله يمينه، ولم يقصد منع نفسه منه.
يوضحه أن اللَّه تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره، فإلزامه بالحنث أعظم مؤاخذة لما (3) تجاوز اللَّه عن المؤاخذة به، كما أنه تعالى لما تجاوز للأمة عمَّا حدثت به أنفسها لم تتعلق به المؤاخذة في الأحكام.
يوضحه أن فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به، ولهذا هو عفو لا يكون به مُطيعًا ولا عاصيًا.
يوضحه أن اللَّه تعالى إنما رتَّب الأحكام في الألفاظ لدلالتها على قصد المتكلِّم بها وإرادته، فإذا تيقَّنا أنه قصد كلامها ولم يقصد معانيها ولم يقصد مخالفة ما التزمه، ولا الحنث؛ فإن الشارع لا يلزمه بما لم يقصده، بل قد رفع المؤاخذة عنه بما لم يقصده من ذلك.
يوضحه أن اللفظ دليل على القصد، فاعتبر لدلالته عليه، فإذا علمنا يقينًا خلاف المدلول لم يجز أن نجعله (4) دليلًا على ما تيقنّا خلافه، وقد رفع اللَّه سبحانه المؤاخذة عمن (5) قتل المسلم المعصوم بيده مباشرة إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأً ولم يلزمه شيئًا من ديته، بل حمَّلها غيره، فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب الأيمان؟ هذا من الممتنع على الشارع.
وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم المؤاخذة عمن أكل وشرب (6) في نهار رمضان ناسيًا لصومه (7)، مع أن أكله وشربه فعل لا يمكن تداركه (8)، فكيف يؤاخذه بفعل
(1) في المطبوع: "ويوضحه".
(2)
في (ق): "فما فعل".
(3)
في هامش (ق): "لعله: بما".
(4)
في (ق): "نفعله"، وقال في الهامش:"لعله: نجعله".
(5)
في المطبوع و (ك): "عن"، ولعل الصواب ما أثبتناه.
(6)
في (ق): "أو شرب".
(7)
رواه البخاري (1933) في (الصوم): باب الصائم إذا أكل أو شرب ناسيًا، و (6669) في (الأيمان والنذور): باب إذا حنث ناسيًا في الأيمان، ومسلم (1155) في (الصيام): باب أكل الناسي وضربه وجماعه لا يفطر، من حديث أبي هريرة.
(8)
بيَّن المصنف أن الأكل والشرب نسيانًا لا يفطر، وبين أنه على وفق القياس في "زاد المعاد"(1/ 162)، و"تهذيب السنن"(3/ 237 - 239) مهم، و (3/ 276 - 277).
المحلوف عليه ناسيًا ويطَلِّق عليه امرأته، ويخرب بيته (1)، ويشتت شمله وشمل أولاده وأهله، وقد عفا له عن الأكل والشرب في نهار الصوم ناسيًا؟
وقد عفا عمَّن أكل أو شرب في نهار الصوم عمدًا غير ناس لما تأول الخيط الأبيض والخيط الأسود بالحبلين المعروفين (2)، فجعل يأكل حتى تبيَّنا له وقد طلع النهار، وعفا له عن ذلك، ولم يأمره بالقضاء، لتأويله، فما بال الحالف المتأول لا يعفى له عن الحنث بل يخرب بيته (3)، ويفرق بينه وبين حبيبته (4)، ويشتت شمله كل مشتت؟
وقد عفا عن المتكلم في صلاته عمدًا ولم يأمره بالإعادة لما كان جاهلًا بالتحريم ولم (5) يتعمد مخالفة حكمه، فألغى كلامه، ولم يجعله مبطلًا للصلاة (6)، فكيف لا يقتدي به ويلغي قول الجاهل وفعله في باب الأيمان ولا يحنثه كما لم يؤثمه الشارع؟
وإذا كان قد عفا عمن قدم شيئًا أو أخّره من [أعمال](7) المناسك من الحلق والرمي والنحر نسيانًا أو جهلًا (8) فلم يؤاخذه بترك ترتيبها نسيانًا (9)، فكيف يحنث
(1) في (ك): "ويخرب عليه نيته".
(2)
قال (د): "لما نزل قوله تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} فهم عديُّ بن حاتم أن الكلام على ظاهره، وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم له: "إنك لعريض القفا".
قلت: والحديث رواه البخاري (1916) في (الصوم): باب قول اللَّه تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} ، و (4509) في (التفسير): باب {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى. . .} ، ومسلم (1090) في (الصوم): باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، من حديث عدي بن حاتم.
(3)
في (ك): "نيته".
(4)
في (ك): "حبيبه".
(5)
في المطبوع و (ك): "لم".
(6)
يدل عليه قول معاوية بن الحكم السلمي: "بينا أنا أصلي مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك اللَّه، فرماني الغموم بأبصارهم" رواه مسلم (537) وغيره.
(7)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(8)
في (ق): "جاهلًا" وسقطت من (ك).
(9)
يشير إلى حديث ابن عباس في تقديم هذه الأعمال بعضها على بعض، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لا حَرَجَ.
رواه البخاري في مواطن منها في (كتاب العلم)(84): باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس -وانظر أطرافه هناك- ومسلم (1307) في (الحج): باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الحلق.
من قدَّم ما حلف على تأخيره أو أخَّر ما حلف على تقديمه ناسيًا أو جاهلًا؟
وإذا كان قد عفا عمَّن حَمَل القذر في الصلاة ناسيًا أو جاهلًا [به](1)، فكيف يؤاخذ الحالف ويحنث به؟ وكيف تكون أوامر الرب تعالى ونواهيه دون ما التزمه الحالف بالطلاق والعتاق؟ وكيف يحنِّث [الشارع](2) من لم يتعمد الحنث؟ وهل هذا إلا بمنزلة تأثيمه من لم يتعمد الإثم، وتكفيره (3) من لم يتعمد الكفر؟ وكيف يُطلِّق أو يُعتق على من لم يتعمد الطلاق والعتاق، ولم يطلق على الهازل إلا لتعمُّده فإنه تعمّد الهزل ولم يرد حكمه، وذلك ليس إليه، بل إلى الشارع، فليس الهازل معذورًا بخلاف (4) الجاهل والمخطئ والناسي (5).
وبالجملة فقواعد الشريعة وأصولها تقتضي ألا يحنث الحالف في جميع ما ذكرنا ولا يطرد على القياس ويَسْلم من التناقض إلا هذا القول.
(1) يشير في هذا إلى حديث أبي سعيد الخدري في خَلْعه صلى الله عليه وسلم لنعله في صلاته ثم قوله: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا. . " الحديث رواه أحمد في "مسنده"(3/ 20 و 92)، والطيالسي (2154)، وأبو داود في "سننه" (650) في (الصلاة): باب الصلاة في النعل، وأبو يعلى (1194)، وابن خزيمة (1017)، والحاكم (1/ 260)، والبيهقي (2/ 402 و 403 و 431) من طرق عن حماد بن سلمة، عن أبي نعامة السعدي، عن أبي نضرة عن أبي سعيد به.
قال الحاكم: هذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وفي المطبوع من "سنن أبي داود" وقع حماد بن زيد، وجعل زيد بين معقوفين، هو خطأ قطعًا، فحماد بن سلمة هو الذي يروي عن أبي نعامة السعدي، ثم الحديث رواه البيهقي (2/ 431) من طريق أبي داود، ووقع اسم حماد مصرحًا به: ابن سلمة.
نعم رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي نعامة عن أبي نضرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، كما أشار إلى ذلك أبو حاتم كما في "علل ابنه"(1/ 121) لكن هذه لا تؤثر ولا تعل الحديث كما قال أبو حاتم.
وله شاهد من حديث ابن مسعود: رواه الطبراني في "الكبير"(9972)، والبزار (606)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 511)، والحاكم (1/ 140)، وقال البزار:"لا نعلم رواه هكذا إلا أبو حمزة".
قال الهيثمي في "المجمع"(2/ 56): وأبو حمزة هو ميمون بن الأعور ضعيف.
وله طريق آخر عند ابن المنذر في "الأوسط"(2/ 164 - 160 رقم 733)، وانظر:"إتحاف المهرة"(10/ 353 - 354)، و"فتح الباري"(1/ 348).
وما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(3)
في (ك): "وتكفير".
(4)
في (ك): "يخالف".
(5)
في (ق): "الناسي والمخطئ".