الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حنيفة: فلو أن امرأة من قريش باعمت عبدًا زنجيًا على ذكره عيب أفتضَعُ أصبعها على ذكره؟ فسكت ابن أبي ليلى (1).
وأما مذهب الإمام أحمد فعنه ثلاث روايات (2):
إحداهن: [أنه](3) لا يبرأ بذلك ولا يسقط حق المشتري من الرد بالعيب إلا من عيب عينه وعلم به المشتري.
والثانية: أنه يبرأ مطلقًا.
والثالثة: أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ من كل عيب علمه حتى يعلم به المشتري.
فإن صححنا البيع والشرط فلا إشكال، كان أبطلنا الشرط فهل يبطل البيع أو يصح ويثبت الرد فيه؟ وجهان، فإذا (4) أثبتنا الرد وأبطلنا الشرط فللبائع الرجوع بالتفاوت الذي نقص من ثمن السلعة بالشرط الذي لم يسلم له؛ فإنه إنما باعها بذلك الثمن بناء على أن المشتري لا يردها عليه بعيب، ولو علم أن المشتري يتمكن من ردها لم يبعها بذلك الثمن؛ فله الرجوع بالتفاوت، وهذا هو العدل وقياس أصول االشريعة؛ فإن المشتري كما يرجع بالأرْشِ عند فوات غرضه من سلامة المبيع فهكذا البائع يرجع بالتفاوت عند فوات غرضه من الشرط الذي أبطلناه عليه.
[الصحيح في هذه المسألة والنكول ورد اليمين]
والصحيح في هذه المسألة ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم؛ فإن عبد اللَّه بن عمر باع زيد بن ثابت عبدًا بشرط البراءة بثمان مئة درهم، فأصاب به زيدٌ عيبًا، فأراد رده على ابن عمر، فلم يقبله، فترافعا إلى عثمان رضي الله عنه، فقال عثمان لابن عمر: تحلف أنك لم تعلم بهذا (5) العيب، فقال: لا، فرده عليه، فباعه ابن عمر بألف درهم (6)،. . . . . .
(1) انظر: "اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى"(ص 15).
(2)
انظرها في: "المغني"(2/ 53)، "الإنصاف"(4/ 359)، "كشاف القناع"(3/ 196)، "تنقيح التحقيق"(2/ 552 - 553).
(3)
سقط من (ق).
(4)
في (ق) و (ك): "وإذا".
(5)
في (ق): "هذا".
(6)
رواه مالك في "الموطأ"(2/ 613) -ومن طريقه البيهقي (5/ 328) - وعبد اللَّه بن أحمد =
ذكره (1) الإمام أحمد وغيره، وهذا اتفاق منهم على صحة البيع وجواز شرط البراءة، واتفاق من عثمان وزيد على أن البائع إذا علم بالعيب لم ينفعه شرط البراءة، وعلى أن المدعى عليه متى نَكَلَ عن اليمين قضى عليه بالنكول، ولم ترد اليمين على المدعي، لكن هذا فيما إذا كان المدعى عليه منفردًا بمعرفة الحال، فإذا لم يحلف مع كونه عالمًا بصورة الحال قضى عليه بالنكول، وأما إذا كان المدعى هو المنفرد بالعلم بالحال أو كان مما لا يخفى عليه علمها ردت عليه اليمين؛ فمثال الأول: قضية ابن عمر هذه (2)، فإنه هو العالم بأنه هل كان يعلم العيب أو لا يعلمه، بخلاف زيد بن ثابت، فإنه لا يعلم علم ابن عمر بذلك، ولا عدم علمه، فلا يشرع رد اليمين عليه.
ومثال الثاني: إذا ادعى على وارثِ ميتٍ أنه أقرض مورثه مئة درهم أو باعه سلعة ولم يقبضه ثمنها أو أودعه وديعة والوارث غائب لا يعلم ذلك، وسأل إحلافه، فنكل عن اليمين، لم يقض عليه بالنكول، وردت اليمين على المدعي؛ لأنه منفرد بعلم ذلك، فإذا لم يحلف لم يقض له.
ومثال الثالث: إذا ادعى عليه أنه باعه أو أجره فنكل عن اليمين، حلف المدعي وقضي له، فإن لم يحلف لم يقض له بنكول المدعى عليه؛ لأنه عالم بصحة ما ادعاه، فإذا لم يحلف ولم يقم له بينة لم يكن مجردُ نكولِ خصمه مصححًا لدعواه.
فهذا التحقيق أحسنُ ما قيل في مسألة النكول ورد اليمين، وعليه تدل آثار
= في "مسائل أبيه"(3/ 903 - 904 رقم 1219) وصالح في: "مسائل أبيه" أيضًا (2/ 39 - 40 رقم 582) عن يحيى بن سعيد عن سالم بن عبد اللَّه أن عبد اللَّه بن عمر باع غلامًا له. . . فذكره، إلا إنه لم يذكر اسم الذي بيع له:"زيد بن ثابت"، وقال في آخره: فباعه ابن عمر بألف وخمس مئة درهم.
ورواه عبد الرزاق (14722) عن مالك والأسلمي عن يحيى بن سعيد به، وفيه مغايرة في الأرقام، ورواه عبد الرزاق (14721) عن معمر عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن الأنصاري عن سالم به نحوه أيضًا.
وعزاه المصنف في "الطرق الحكمية"(ص 173) إلى أبي عبيد، واستدل به أحمد في "مسائل صالح"(3/ 116 و 206).
(1)
في (ك): "ذكرها".
(2)
قال (د): "في نسخة: قصة ابن عمر هذه".
قلت: هذه النسخة هي (ن)، و (ق).