الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موضعه، بل يرجع إلى الميقات فيحرم منه؛ فإن أحرم من موضعه لزمه الدم، وإلا (1)؛ فيسقط برجوعه إلى الميقات.
[حيلة للبر في يمين]
المثال السادس عشر: إذا سُرق له متاع، فقال لامرأته: إن لم تخبريني مَنْ أخذه فأنت طالق ثلاثًا، والمرأة لا تعلم مَنْ أخذه، فالحيلة في التخلص من هذه اليمين أن تذكر الأشخاص التي لا يخرج المأخوذ عنهم [وهذا لا يتأتى إلا فيما إذا علم أن السارق أحدهم واشتبه وجهلت عينه](2)، ثم تفرد كل واحد واحد، وتقول: هو أخذه؛ فإنها تكون مُخْبرة عن الآخذ وعن غيره فيبرّ في يمينه ولا تطلق.
[ادعاء المرأة نفقة ماضية]
المثال السابع عشر: إذا ادَّعَتِ المرأة النفقة والكسوة لمدة ماضية، فقد اختلف في قبول دعواها، فمالك وأبو حنيفة (3)[لا يقبلان (4) دعواها، ثم اختلفا في مأخذ الرد؛ فأبو حنيفة](5) يسقطها بمضي الزمان، كما يقوله منازعوه في نفقة القريب، ومالك لا يسمع الدعوى التي يكذّبها العرف والعادة، ولا يُحلف [عنده](6) فيها، ولا يُقبل فيها بينة (7)، كما لو كان رجل حائزًا دارًا متصرفًا (8) فيها مدة السنين الطويلة بالبناء والهَدْم والإجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وإنسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة ومع ذلك لا يعارضه فيها، ولا يذكر أن له فيها حقًا، ولا مانع يمنعه من خوف أو شركة في ميراث، ونحو ذلك، ثم جاء بعد تلك المدة فادّعاها لنفسه، فدعواه غير مسموعة فضلًا عن إقامة بينته (9). قالوا: وكذلك إذا كانت المرأة مع الزوج مدة سنين يشاهده الناسُ والجيرانُ داخلًا ببيته بالطعام والفاكهة واللحم والخبز، ثم ادعت بعد ذلك أنه لم ينفق عليها [في](10) هذه المدة؛ فدعواها غير مسموعة، فضلًا عن أن
(1) في المطبوع و (ك): "ولا".
(2)
ما بين المعقوفتين من هامش (ق).
(3)
في هامش (ق): "لعله أبو حنيفة وحده".
(4)
في (ك): "يقبلون".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ن) و (ق).
(6)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(7)
انظر: "حلية العلماء"(7/ 408)، "المهذب"(2/ 165)، "المغني"(8/ 210).
(8)
في (ق): "يتصرف".
(9)
في (ك): "بينة".
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
يحلف لها، أو يسمع لها بينة. قالوا: وكل دعوى ينفيها (1) العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.
وهذا المذهب هو الذي نَدينُ اللَّه به، ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة سواه، وكيف يليق بالشريعة أن تسمع مثلَ هذه الدعوى التي قد علم اللَّه وملائكته والناس أنها كذب وزور؟ وكيف تَدَّعي المرأة أنها أقامت مع الزوج ستين سنة أو أكثر لم ينفق عليها فيها يومًا واحدًا ولا كساها فيها ثوبًا، ويقبل قولها عليه، ويُلزم بذلك كله؟ ويقال: الأصل معها! وكيف يعتمد على أصل يكذّبه العرف والعادة والظاهر الذي بلغ في القوة إلى حد القطع؟ والمسائل التي يقدَّمُ فيها الظاهر القوي على الأصل أكثر من أن تحصى (2)، ومثل هذا المذهب في القوة مذهب أبي حنيفة، وهو سقوطها بمضي الزمان؛ فإن البيّنة قد قامت بدونها؛ فهي كحق المبيت والوطء.
ولا يعرف أحد من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع أنهم أئمة الناس في الورع والتخلص من الحقوق والمظالم- قضى لامرأة بنفقة ماضية، أو استحلّ امرأة منها، ولا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك امرأة واحدة منهن، ولا قال لها: ما مضى من النفقة حق لك عند الزوج؛ [فإنْ شئتِ فطالبيهِ (3)، وإنْ شئتِ حللتيه (4)، وقد](5) كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعذَّر عليه نفقة أهله أيامًا حتى سألنه إياها (6)، ولم يقل لهن (7): هي باقية في ذمتي حتى يوسِّع اللَّه وأقضيكنَّ، ولما وَّسع اللَّه عليه لم يقض لامرأة منهن ذلك، ولا قال لها: هذا عِوَض عمَّا فاتك من الإنفاق، ولا سمع الصحابة رضي الله عنهم لهذه المسألة خبرًا؛ وقول عمر رضي الله عنه للغياب:"إما أن تطلِّقوا وإما أن تَبْعثوا بنفقة ما مضى"(8) في
(1) في (ن) و (ق): "يلغيها".
(2)
انظر كثيرًا منها في "قواعد ابن رجب"(1/ 117 - بتحقيقي).
(3)
في (ك): "تطالبيه".
(4)
في (ك): "تحالليه".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(6)
رواه مسلم في "صحيحه"(1478) في (الطلاق): باب بيان أن تخيير امرأته لا يكون طلاقًا إلا بالنية، من حديث أبي الزبير عن جابر.
(7)
في (ك): "ليس".
(8)
رواه الشافعي في "مسنده"(2/ 65)، ومن طريقه البيهقي (7/ 469) عن مسلم بن خالد عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن عمر كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم أن يأخذوهم بأن ينفقوا أو يطلّقوا فإنْ طلّقوا بعثوا بنفقة ما حبسوا.
ورجاله ثقات غير مسلم بن خالد، وهو الزنجي أحد الضعفاء، ومع هذا فقد جوّده ابن كثير في "مسند الفاروق"(1/ 438)!! =
ثبوته نظر، وإن (1) قال ابنُ المنذر:"ثبت عن عمر"(2) فإنَّ في إسناده ما يمنع ثبوته. ولو قدر صحته فهو حُجَّة عليهم، ودليل على أنهم إذا طلقوا لم يلزمهم بنفقة ما مضى.
فإن قيل: وحجة عليكم في إلزامه لهم بها، وأنتم لا تقولون بذلك.
قيل: بل نقول به، وإن الأزواج إذا امتنعوا من الواجب عليهم مع قدرتهم عليه لم يسقط بالامتناع ولزمهم ذلك، وأما المعذور العاجز فلا يحفظ عن أحد من الصحابة أنه جعل النفقة دَيْنًا في ذمته أبدًا، وهذا التفصيل هو أحسن ما يقال في هذه المسألة.
والمقصود أن على هذين المذهبين لا تُسمع [هذه](3) الدعوى، ويسمعها الشافعي وأحمد (4) رحمهما اللَّه بناءً على قاعدة الدعاوى، وأن الحق قد ثبت ومستحقه ينكر قبضه فلا يقبل قول الدافع عليه إلا ببينة؛ فعلى قولهما يحتاج الزوج إلى طريق تخلّصه من هذه الدعوى، ولا ينفعه دعوى النشوز، فإن القول فيه قول المرأة، ولا يخلصه دعوى عدم التسليم الموجب للإنفاق لتمكّن المرأة من إقامة البينة عليه، فله حيلتان:
= ولكنه توبع، فقد رواه عبد الرزاق (12346) عن عبيد اللَّه بن عمر به، وهذه متابعة قوية من عبد الرزاق لكن أخشى أن يكون قد وَهِمَ.
فقد رواه ابن أبي شيبة (4/ 149) عن عبد اللَّه بن نمير عن عبيد اللَّه بن عمر عن نافع قال: كتب عمر،. . . فأسقط ابن عمر من الإسناد.
وعبد اللَّه بن نمير من الثقات.
ورواه أيضًا أيوب عن نافع قال: كتب عمر.
أخرجه عبد الرزاق (12347) عن معمر عنه، وهذا دليل آخر على وهم عبد الرزاق، أو أن يكون في الإسناد زيادة من الناسخ، واللَّه أعلم.
ثم وجدت ابن حزم نقله في "المحلى"(10/ 93) عن عبد الرزاق كما نقلته آنفًا بإثبات (ابن عمر)
(1)
في الأصول: "فإن".
(2)
"الإشراف على مذاهب أهل العلم"(1/ 123 - ط المكتبة التجارية).
(3)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك).
(4)
نسبه ابن المنذر في "الإشراف"(1/ 123) إلى الحسن البصري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق، وأيّده ونصره بقوله:"نفقة الزوجة واجبة بالكتاب والسنة والاتفاق، ولا يزول ما وجب بالحجج التي ذكرناها إلا بسنة أو اتفاق، ولا نعلم شيئًا يدل على سقوط نفقة الزوجة، إلا الناشز الممتنعة، فنفقة الزوجة واجبة على الزوج غائبًا كان الزوج أو حاضرًا".