الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليتوصل بذلك إلى أخذه وَكَيْد إخوته، فنقول لأرباب الحيل:
أولًا: هل تجوِّزون أنتم مثل هذا حتى يكون حجةً لكم؟ وإلا فكيف تحتجون بما لا تجوِّزون فعله؟! فإن قلتم: فقد كان جائزًا في شريعته، قلنا: وما ينفعكم إذا لم يكن جائزًا في شرعنا؟
قال شيخنا (1) رضي الله عنه: و [من هذا الباب](2) مما قد يُظنُّ أنه من جنس الحيل التي بيَّنا تحريمها وليس من جنسها قصةُ يوسف [صلى الله عليه وسلم](2) حين كاد اللَّه له في أخذ أخيه كما قَصَّ ذلك سبحانَه (3) في كتابه، فإن فيه ضروبًا من الحيل الحسنة:
[جعل بضاعتهم في رحالهم]
أحدها: قوله لفتيانه (4): {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [يوسف: 62] فإنه تسبَّبَ بذلك إلى رجوعهم، وقد ذكروا في ذلك معاني:
منها: أنه تخوَّف أن لا يكون عندهم وَرِق يرجعون بها.
ومنها: أنه خشي أن يضرَّ أخذ الثمن بهم.
ومنها: أنه رأى لومًا [إذا](5) أخذ الثمن منهم.
ومنها: أنه أراهم كرمه في رد البضاعة ليكون أدعى لهم إلى العَوْد، [وقد قيل](6)؛ إنه علم أن أمانتهم تُحْوجهم إلى العَوْد ليردوها إليه (7)؛ فهذا المحتالُ به عملٌ صالح، والمقصود رجوعهم ومجيء أخيه، وذلك أمر فيه منفعة لهم ولأبيهم [وله](8)، وهو مقصود صالح، وإنما لم يعرِّفهم نفسه لأسباب أُخر فيها أيضًا منفعة له ولهم (9) ولأبيهم وتمام لما أراده اللَّه بهم من الخير في البلاء.
[جعله السقاية في رحل أخيه]
الضرب الثاني: أنه في المرة الثانية لما {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي
(1) قال (و): "هو شيخ الإسلام في فتاويه"(ص 209 ج 3 فتاوى نشر دار الكتب الحديثية). قلت: والكلام بطوله في "بيان الدليل"(ص 263 - 267)، وعليه قابلت.
(2)
ما بين المعقوفتين من "بيان الدليل".
(3)
في نسخ "الإعلام": "تعالى".
(4)
في (ك) و (ق): "لفتيته".
(5)
ما بين المعقوفتين من (و) فقط.
(6)
ما بين المعقوفتين في نسخ "الإعلام": "ومنها".
(7)
في "بيان الدليل": "الرجعة ليؤدوه إليه".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
في نسخ "الإعلام": "لهم وله".
رَحْلِ أَخِيهِ} [يوسف: 70]، وهذا القدر تضمن إيهام أن أخاه سارق، وقد ذكروا أن هذا كان بمواطأة من أخيه ورضًا منه بذلك، والحق له فيم ذلك (1)، وقد دل على ذلك قوله تعالى:{وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ [قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ]} (2)[يوسف: 69] [وفيه قولان:
أحدهما: أنه عرَّفه أنه يوسُفُ ووطَّنه عَلَى عدم الابتئاس بالحيلة التي فعلها في أخذه منهم.
والثاني: أنه] (3) لم يصرِّح له بأنه يوسف، وإنما أراد إني (4) مكان أخيك المفقود [فلا تبتئس بما يعاملك به إخوتك من الجفاء](5).
ومَنْ قال هذا قال: إنه وضع السقاية في رَحْل أخيه والأخ لا يشعر، ولكن هذا (6) خلاف المفهوم من القرآن وخلاف ما عليه الأكثرون، وفيه ترويعٌ لمن لم يستوجب الترويع (7). وأما على القول الأول [فقد قال] (8) كعب [وغيره] (9): لما قال له: إني أنا أخوك، قال [بنيامين] (10): فأنا لا أفارقك، قال يوسف [عليه السلام] (11): فقد علمتَ اغتمام -والدي بي، فإذا حبستك ازداد غمُّه (12)، ولا يمكنني هذا إِلا بعد أن أُشْهِرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يُحْتمل، قال: لا أبالي، فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك، قال: فإني أدسُّ صُوَاعي (13) هذا في
(1) انظر: "الجامع لأحكام القرآن"(9/ 229) للقرطبي، و"التفسير الكبير"(18/ 183) للفخر الرازي.
(2)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "الآية".
(3)
بدل ما بين المعقوفتين في "بيان الدليل": "فإن هذا يدل على أنه عرف أخاه بنفسه، وقد قيل إنه".
(4)
في "بيان الدليل": "أنا".
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من "بيان الدليل".
(6)
في "بيان الدليل": "فهذا".
(7)
في "بيان الدليل": "الترويح"!!
(8)
في "بيان الدليل": "فقال".
(9)
بدل ما بين المعقوفتين في "بيان الدليل": "الأحبار"، وانظر ترجمته في "الجرح والتعديل"(7/ 161)، و"السير"(3/ 489)، و"تهذيب التهذيب"(8/ 438).
(10)
ما بين المعقوفتين من (و)، و"بيان الدليل".
(11)
ما بين المعقوفتين من (و)، و"بيان الدليل".
(12)
في "بيان الدليل": "ازداد غمه بي".
(13)
في "بيان الدليل": "صاعي"، وقال (ط):"في بعض الأصول "صاعي"، والصحيح "صواعي" قال تعالى في سورة يوسف: {قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ} اهـ، وقال (و): "في =