الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَفْسَ ما حلف عليه، وهذه الحيلة لا تتأتى على قول من يقول: يحنث بفعل (1) بعض المحلوف عليه (2) ولا على قول من يقول: لا يحنث، لأنه لم يرد مثل هذه الصورة قطعًا، وإنما أراد به إذا أكل لقمة مثلًا من الطعام الذي حلف أنه لا (3) يأكله أو حبة من القِطْفِ الذي حلف على تركه، ولم يرد أنه يأكل القِطْفَ إلا حبَّة واحدة منه، وعالم لا يقول هذا.
ثم يلزم هذا المتحيل أن يجوِّز للمكلف فعل [كل](4) ما نهى الشارع عن جملته فيفعله إلا القدر اليسير منه؛ فإن البر والحنث في الأيمان نظير الطاعة والمعصية في الأمر والنهي، ولذلك (5) لا يبر إلا بفعل المحلوف عليه جميعِهِ، لا بفعل بعضه، كما لا يكون مطيعًا إلا بفعله جميعِهِ، ويحنث بفعل بعضه كما يعصي بفعل بعضه، فيلزم هذا القائل أن يجوِّز للمحرم في الأحرام حَلْقَ (6) تسعة أعشار رأسه، بل وتسعة أعشار العشر الباقي؛ لأن اللَّه تعالى إنما نهاه عن حَلْق رأسه كله، لا عن بعضه، كما يُفتي لمن حلف لا يحلق رأسَه أن يحلقه إلا القدر اليسير منه.
وتأمل لو فعل المريض هذا فيما نهاه الطبيب عن تناوله، هل يُعَدُّ قابلًا منه؟ أو لو فعل مملوكُ الرجلِ أو زوجته أو ولده ذلك فيما نهاهم عنه، هل يكونون مطيعين له أم مخالفين؟ وإذا تحيل أحدهم على نقض غرض الآمر وإبطاله بأدنى الحيل، هل كان يقبل ذلك منه ويحمده عليه أو يعذره؟ وهل يعذر أحدًا من الناس يعامله بهذه الحيل؟ فكيف يُعامِل هو بهذا مَنْ لا تخفى عليه خافية؟
فصل [إبطال حيلة لإسقاط حق الحضانة]
ومن الحيل الباطلة المحرمة ما لو أراد الأب إسقاط حَضَانة الأم أن يسافر إلى غير بلدها، فيتبعه الولد.
وهذه الحيلة مُنَاقِضة لما قصده الشارع؛ فإنه جعل الأم أحق بالولد من الأب مع
(1) في (ق): "على فعل".
(2)
في (ن): "يحنث على فعل المحلوف عليه".
(3)
في (ق): "ألّا".
(4)
سقط من "ق".
(5)
في (ن) و (ق): "وكذلك".
(6)
في (ق): "أن يحلق".
قرب الدار وإمكان اللقاء كل وقت لو قضى به للأب، وقضى أن لا تولَّه والدة على ولدها، وأخبر أن مَنْ فَرَّق بين والدة وولدها فرّق اللَّه بينه وبين أحبته يوم القيامة (1)،
(1) رواه أحمد في "مسنده"(5/ 412 - 413 و 414)، والترمذي (1283) في (البيوع): باب ما جاء في كراهية أن يفرق بين الأخوين، و (1566) في (السير): باب في كراهية التفريق بين السبي، والدارقطني (3/ 67)، والطبراني في "الكبير"(4080)، والحاكم (2/ 55)، والقضاعي (456)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 126)، والخطيب في "تالي التلخيص"(212 - بتحقيقي) من طريق حُيي بن عبد اللَّه المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي عن أبي أيوب الأنصاري رفعه.
وقال الترمذي: حسن غريب، وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. قال الزيلعي رحمه الله (4/ 23 - 24): وفيما قاله نظر؛ لأن حيي بن عبد اللَّه لم يخرج له في "الصحيح" شيء، بل تكلم فيه بعضهم، قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 521): "قال البخاري: فيه نظر، وقال أحمد: أحاديثه مناكير، وقال ابن معين: ليس به بأس، وقال النسائي: ليس بالقوي، قال: ولأجل الاختلاف فيه لم يصححه الترمذي.
أقول: وقد وجدت له متابعًا، فقد رواه الدارمي (2/ 227 - 228) من طريق الليث بن سعد قراءةً عن عبد الرحمن، وفي "نصب الراية":"عبد اللَّه بن جنادة" عن أبي عبد الرحمن الحبلي به، وهو كذلك في النسخ الخطية من "السنن"، انظر:"فتح المنان"(9/ 143 رقم 2636).
وعبد الرحمن بن جنادة هذا لم أجد له ترجمة، وهو خطأ لا وجود له، صوابه (عبد اللَّه بن جنادة) أحد أفراد الدارمي، ترجمة البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا، ووثقه الهيثمي في "المجمع"(9/ 289) ويقع هذا غالبًا له فيمن وثقه ابن حبان، ثم وجدته في "ثقاته"(7/ 23).
وله طريق آخر عن أيوب: رواه البيهقي في "الشعب"(11081) من طريق بقية: حدثنا خالد بن حميد عن العلاء بن كثير عنه.
أقول: هذا إسناد رواته ثقات، ما عدا خالد بن حميد، فقد قال ابن أبي حاتم: لا بأس به. والعلاء بن كثير هو الإسكندراني، وهو ثقة لكنه لم يدرك أبا أيوب الأنصاري، وإنما يروي عن أبي عبد الرحمن الحُبلي، فأخشى أن يكون في الإسناد سقْطٌ.
فإن كان بإثبات أبي عبد الرحمن فتكون متابعة قوية لحيي بن عبد اللَّه المعافري، لكن أخشى من تدليس بقية، فيكون قد صنع شيئًا في الإسناد فانه يدلس تدليس التسوية.
وبعد أن كتبت هذا الكلام على الإسناد، وجدت الزيلعي قد عزا الحديث للبيهقي في "الشعب" بإسناد "السنن" نفسه، ثم نقل عن صاحب "التنقيح" أنه أعله بالانقطاع بين العلاء وأبي أيوب، كما قلت، فالحمد للَّه على توفيقه.
وأخرجه الفزاري في "السير"(109) عن معاوية بن يحيى عمن حدثه أن أبا أيوب به. وللحديث شواهد.
فقد رواه الدارقطني (3/ 68) وأبو نعيم في "معرفة الصحابة"(3/ 1369 رقم 3455) =
ومنع أن تباع (1) الأم (2) دون ولدها والولد دونها، وان كانا في بلد واحد (3)، فكيف يجوز مع هذا التحيلُ على (4) التفريق بينها وبين ولدها تفريقًا تعزُّ معه رؤيته ولقاؤه ويعز عليها الصبر عنه وفقده؟ وهذا (5) من أمحل المحال، بل قضاء اللَّه ورسوله أحق أن الولد للأم: سافر الأب أو أقام، والنبي صلى الله عليه وسلم قال للأم:"أنتِ أحَقُّ به ما لم تنكحي"(6)
= من حديث حريث بن سليم العذري عن أبيه، وعزاه الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(1/ 74) لابن منده.
وفي إسناده الواقدي، كما قال الحافظ ابن حجر، والزيلعي في "نصب الراية"(4/ 24).
وله شواهد عن أبي موسى: رواه ابن أبي شيبة (7/ 193)، وابن ماجه (2250)، والدارقطني (3/ 67) -ومن طريقه ابن الجوزي في "التحقيق"(7/ 174 رقم 1717) - والقطيعي في "جزء الألف دينار"(رقم 307)، والمزي في "تهذيب الكمال"(13/ 462)، وإسناده ضعيف؛ فيه إبراهيم بن إسماعيل، وانظر:"بيان الوهم والإيهام"(2/ 223)، و"تنقيح التحقيق" للذهبي (7/ 174 و 10/ 181).
وله شاهد أيضًا من حديث عمران بن حصين: رواه الدارقطني (3/ 66 - 67)، والحاكم (2/ 55)، وتمام في "الفوائد"(رقم 729 - ترتيبه) والبيهقي (9/ 128)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو منقطع، طليق بن محمد -مع ما قيل فيه- لم يسمع من عمران، قاله الدارقطني في "أسئلة البرقاني" له (رقم 240) وبه جزم المنذري في "الترغيب" (5/ 51) والذهبي في "الميزان" (2/ 345) ووقع خلاف فيه على (طليق) فرواه عنه مرسلًا سعيد بن منصور (رقم 2658) وانظر:"نصب الراية"(4/ 25) و"علل الدارقطني"(7/ 217 - 218)، و"بيان الوهم والإيهام"(2/ 323).
(1)
في (ك): "تبتاع".
(2)
في (ق): "الأمة".
(3)
مضى تخريجه مفصلًا، وانظر تعليقي على "الموافقات"(3/ 471 - 472).
(4)
سقط من (ق).
(5)
في (ك) و (ق): "هذا".
(6)
رواه أبو داود (2276)، والحاكم (2/ 207)، والبيهقي (8/ 4 - 5)، من طريق الوليد بن مسلم: حدثني الأوزاعي: حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمرو مرفوعًا به.
وهذا إسناد جيّد، رجاله ثقات، والوليد بن مسلم مدلس صرّح بالسماع.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي.
ورواه عبد الرزاق (12597)، وأحمد (2/ 182)، والدارقطني (3/ 305) من طريق ابن جريج عن عمرو به، وابن جريج مدلس، ورواه أحمد (2/ 203)، وعبد الرزاق (12596)، وإسحاق بن راهويه -كما في "نصب الراية"(3/ 266) -، والدارقطني (3/ 304) من طريق المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب به، والمثنى ضعيف.
قال المصنف رحمه الله في "زاد المعاد"(5/ 432): "فهو حديث احتاج الناس فيه إلى عمرو بن شعيب، ولم يجدوا أبدًا من الاحتجاج هنا به، ومدار الحديث عليه، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في سقوط الحضانة بالتزويج غير هذا، وقد ذهب إليه الأئمة الأربعة وغيرهم".