الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المخرج، فقال لهما: كل منكما راضٍ بالتي دخل بها؟ فقالا: نعم، فقال: ليطلق كل منكما امرأته التي عَقَدَ عليها تطليقة؛ ففعلا، فقال: ليعقد كل منكما على المرأة التي دخل بها، ففعلا، فقال: ليمض كل منكما إلى أهله، وهذه الحيلة في غاية اللطف؛ فإن المرأة التي دخل بها كل منهما قد وَطِئها بشبهة؛ فله أن ينكحها في عدَّتها؛ فإنه لا يصان ماؤها (1) عن مائه، وأمره أن يطلق واحدة فإنه لم يدخل بالتي طلقها فالواحدة تُبينها، ولا عدة عليها منه، فللآخر أن يتزوجها (2).
[حيلة للمرأة تريد الخلاص من زوج لا ترضى به]
المثال التاسع (3) والخمسون: إذا تزوجت المرأة وخافت (4) أن يسافر عنها الزوج ويَدَعها أو يسافر بها ولا تريد الخروج من دارها أو أن يتزوج عليها أو يتسرَّى أو يشرب المسكر أو يضربها من غير جُرْم أو يتبين (5) فقيرًا وقد ظنته غنيًا أو مَعيبًا وقد ظنته سليمًا أو أميًا وقد ظنته قارئًا أو جاهلًا وقد ظنته عالمًا أو نحو (6) ذلك، فلا (7) يمكنها التخلص، فالحيلة لها في ذلك كله أن تشترط عليه أنه متى وُجِدَ (8) شيء من ذلك فأمرها بيدها، إن شاءت أقامت معه وإن شاءت فارقته، وتشهد عليه بذلك، فإن خافت أن [لا](9) تشترط ذلك بعد لزوم العقد فلا يمكنها إلزامه بالشرط فلا تأذن لوليها أن يزوجها منه إلا على هذا الشرط، فيقول: زوجتكها (10) على أن أمرها بيدها إن كان الأمرُ كيت وكيت؛ فمتى كان الأمر كذلك ملكت تطليق نفسها، ولا بأس بهذه الحيلة؛ فإن المرأة تتخلص بها من نكاح مَنْ لم ترض بنكاحه، وتستغني بها عن رفع أمرها إلى الحاكم ليفسخ [نكاحها](11) بالغيبة والإعسار [وغيرهما واللَّه أعلم](12).
[عن صحة ضمان ما لا يجب ضمانه]
المثال الستون (13): يصح ضمان ما لا يجب كقوله: "ما أعطيتَ لفلان فهو
(1) في المطبوع و (ك) و (ق): "ماؤه".
(2)
انظر: "إغاثة اللهفان"(2/ 23).
(3)
في (ك) و (ق): "السابع".
(4)
في (ك) و (ق): "فخافت".
(5)
في (ق): "يبين".
(6)
في (ق): "ونحو".
(7)
في (ق): "ولا".
(8)
في (ق): "وجدت".
(9)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(10)
في المطبوع: "زوجتكما".
(11)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(12)
في المطبوع: "ونحوهما".
(13)
في (ك) و (ق): "المثال الثامن والخمسون".
عليَّ" عند الأكثرين، كما دل عليه القرآن في قول مؤذن يوسف:{وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] والمصلحة تقتضي ذلك، بل قد تدعو إليه الحاجة أو الضرورة (1)، وعند الشافعي لا يجوز (2)، وسلم جوازه إذا تبين سبب وجوبه كدرك المبيع. والحيلة في جوازه على هذا القول أنه إذا رضي بأن يلتزم عنه مقدارًا له لم يجب عليه بعد أن يقر المضمون عنه به للدافع ثم يضمنه عنه الضامن، فإن خشي المقر أن يطالبه المقر له بذلك ولا يدفعه إليه فالحيلة أن يقول: هو عليَّ من ثمن مبيع لم أقبضه، فإن تحرج من الإخبار بالكذب فالحيلة أن يبيعه ما يريد أخذه منه بالمبلغ الذي التزم الضامن أداءه، فإذا صار في ذمته ضمنه عنه، وهذا الحكم إذا زوج ابنه أو عبده أو أجيره وضمن للمرأة نفقتها وكسوتها فالصحيحُ في هذا كله جواز الضمان، والحاجة تدعو إليه، ولا محذور فيه، وليس بعقد معاوضة فتؤثر فيه الجهالة، وعقود الالتزام لا تؤثر فيها الجهالة كالنذر، ثم يمكن رفع الجهالة بأن يحد له حدًا فيقول: من درهم إلى كذا وكذا (3).
فإن قيل: ما بين الدرهم والغاية مجهول لا يدري كم يلزمه منه!
قيل: لا يقدح ذلك في جواز الالتزام؛ لأنه يتبين في الآخر (4) كم هو الواجب منه، [ثم] (5) لو أقر بذلك فقال:"له علي ما بين درهم إلى ألف" صح؛ فهكذا إذا قال: "ضمنت عنه ما بين درهم إلى ألف".
فإن قيل: الضامن فرع على المضمون عنه، فإذا كان الأصل لم يثبت في ذمته شيء فعلى أي شيء ينبني الضمان ويتفرع؟
قيل: إنما يصير ضامنًا إذا ثبت في ذمة المضمون عنه، وإلا في الحال فليس هو ضامنًا. وإن صح أن يقال:"هو ضامن بالقوة" ففي الحقيقة هو ضمان مُعَلق على شرط، وذلك جائز، واللَّه أعلم.
(1) هذا مذهب المالكية والحنفية أيضًا وانظر: "مجموع فتاوى ابن تيمية"(29/ 549) و"الإشراف"(3/ 63 مسألة 920) للقاضي عبد الوهاب المالكي وتعليقي عليه.
(2)
"الأم"(3/ 229)، "الإقناع"(102)، "المهذب"(1/ 347).
(3)
انظر: "بدائع الفوائد"(3/ 209 و 4/ 4، 5، 23، 51)، و"إغاثة اللهفان"(1/ 164، 167، 176، 177، 178).
(4)
في (ن) و (ق): "الأجرة"، وأشار في (ق): إليها إشارة تصحيح.
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق)، وفي هامشها:"لعله: كما لو أقر".