الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أدلتهم التي تقتضي بطلان المنجز]
وأما الأدلة التي تقتضي بطلان المنجز فليس منها دليل صحيح؛ فإنه طلاق صَدَر من أهله في محله؛ فوجب الحكم بوقوعه؛ أما أهلية المطلِّق فلأنَّه زوج مكلف مختار، وأما محلية المطلقة فلأنها زوجة والنكاحُ صحيحٌ فتدخل (1) في قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وفي سائر نصوص الطلاق؛ إذ لو لم يلحقها (2) طلاقٌ لزم واحد من ثلاثة، وكلها منتفية:
• إما عدم أهلية المطلِّق.
• وإما عدم قبول المحلّ.
• وإما قيامُ مانعٍ يمنع من نفوذ الطلاق، والمانعُ مفقودٌ؛ إذ ليس مع مدعي قيامه إلا التعليق المحال الباطل شرعًا وعقلًا، وذلك لا يصح أن يكون مانعًا.
يوضِّحه: أن المانع من اقتضاء السبب لمسببه إنما هو وصف ثابت يعارض سببيته فيوقفها عن اقتضائها، فأما المستحيل فلا يصح أن يكون مانعًا معارضًا للوصف الثابت، وهذا في غاية الوضوح، وللَّه الحمد.
فصل [رد السريجيين]
قال السريجيون (3): لقد ارتقيتم مرتَقًى صعبًا، وأسأتم الظن بمن قال بهذه المسألة وهم أئمة علماء لا يُشَقّ غبارُهم، ولا تُغْمَز قناتُهم، كيف وقد أخذوها من نص الشافعي رحمه اللَّه تعالى، وبَنَوْها على أصوله، ونَظّرُوا لها النظائر، وأتوا لها بالشواهد؟ فنص الشافعي على أنه إذا قال:"أنت طالق قبل موتي بشهر" ثم مات لأكثر من شهر بعد هذا التعليق؛ وقع الطلاق قبل موته بشهر وهذا إيقاعُ طلاقٍ في زمن ماض سابق لوجود الشرط وهو موته، فإذا وجد الشرط تبيَّنا وقوع الطلاق قبله، وإيضاح ذلك بإخراج الكلام يخرج الشرط، كقوله:"إن مت -أو إذا متُّ- فأنت طالق قبل موتي بشهر" ونحن نلزمكم بهذه المسألة على هذا الأصل، فإنكم
(1) في المطبوع: "فيدخل".
(2)
في (ق): "يلحق".
(3)
في (ك) و (ق): "المسرجون" وفي هامش (ق): "أي أتباع ابن سريج".
موافقون عليه، وكذا قوله قبل دخوله:"أنت طالق طلقة قبلها طلقة" فإنه يقع بها طلقتان وإحداهما وقعت في زمن ماض سابق على التطليق، وبهذا خرج الجواب عن قوله:"إن الوقوعَ كما لم يسبق الإيقاع فلا يسبق الطلاقُ التطليق فكذا لا يسبق شرطُه فإن الحكم لا يتقدم عليه، ويجوز تقدمُه على شرطه وأحد سببيه أو أسبابه" فإن الشرط مُعَرِّف محض، ولا يمتنع تقديم المعرف عليه، وأما تقديمه على أحد سببيه فكتقديم الكفارة على الحِنْث بعد اليمين، وتقديم الزكاة على الحول بعد ملك النصاب، وتقديم الكفارة على الجرح قبل الزهوق، ونظائره.
وأما قولكم: "إن الشرط يجب تقدمه (1) على المشروط" فممنوعٌ بل مُقتضى الشرط (2) توقفُ المشروطِ على وجوده، وأنه لا يوجد بدونه، وليس مقتضاه تأخر المشروط عنه، وهذا يتعلق باللغة والعقل والشرع، ولا سبيل لكم إلى نص عن أهل اللغة في ذلك ولا إلى دليل شرعي ولا عقلي، فدعواه غير مسموعة، ونحن لا ننكر أن من الشروط ما يتقدم مشروطَه، ولكن دعوى أن ذلك حقيقة الشرط وأنه إن لم يتقدم خرج عن أن يكون شرطًا دعوى لا دليل عليها، وحتى لو جاء عن أهل اللغة ذلك لم يلزم مثله في الأحكام الشرعية؛ لأن الشروط في كلامهم تتعلق بالأفعال كقوله:"إن رزتني أكرمتك" و"إذا طلعت الشمس جئتك" فيقتضي الشرط ارتباطًا بين الأول والثاني: فلا يتقدم المتأخر ولا يتأخر المتقدم، وأما الأحكام فتقبل التقدم والتأخر والانتقال، كما لو قال:"إذا متُّ فأنت طالق قبل موتي بشهر" ومعلوم أنه لو قال مثل هذا في الحسيات كان محالًا، فلو قال:"إذا زُرْتني أكرمتك قبل أن تزورني بشهر" كان محالًا، إلا أن يحمل كلامه على معنى صحيح، وهو إذا أردت أو عزمت على زيارتي أكرمتك قبلها.
وسر المسألة: أن نقَل الحقائق عن مواضعها ممتنعٌ، والأحكام قابلة للنقل والتحويل والتقديم والتأخير، ولهذا لو قال:"أعْتِق عبدك عني" ففعل؛ وقع العتق عن القائل، وجعل الملك متقدمًا على العتق (3) حكمًا، وإن لم يتقدم عليه حقيقة.
وقولكم: "يلزمنا تجويز تقديم الطلاق على التطليق" فذلك غيرُ لازمٍ؛ فإنه إنما يقع بإيقاعه؛ فلا يسبق إيقاعه، بخلاف الشرط، فإنه لا يوجب وجود
(1) في المطبوع: "تقديمه".
(2)
في المطبوع: "الشرع".
(3)
في (ك): "الملك".