الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [هل يشترط في الاستثناء أن يسمع نفسه
؟]
وهل يشترط أن يسمع نفسه أو يكفي تحرك لسانه بالاستثناء، وإن كان بحيث لا يسمعه؟ فاشترط أصحاب أحمد وغيرهم أنه لا بد وأن يكون بحيث يسمعه هو أو غيره. ولا دليل على هذا من لغةٍ ولا عرفٍ ولا شرعٍ، وليس في المسألة إجماع.
قال أصحاب أبي حنيفة -واللفظ لصاحب "الذخيرة"(1) -: "وشرط الاستثناء أن يتكلَّم بالحروف، سواء كان مسموعًا أو لم يكن عند الشيخ أبي الحسن الكرخي، وكان الفقيه أبو جعفر يقول: لا بد وأن يسمع نفسه، وبه كان (2) يفتي الشيخ أبو بكر محمد بن الفضل" وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يميل إلى هذا القول، وباللَّه التوفيق.
وهذا (3) بعض ما يتعلق بمخرج الاستثناء، ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب.
فصل [المخرج الخامس: فعل المحلوف عليه مع الذهول ونحوه]
المخرج الخامس: أن يفعل المحلوف عليه ذاهلًا أو ناسيًا أو مخطئًا أو جاهلًا أو مكرهًا أو متأولًا أو معتقدًا أنه لا يحنث به تقليدًا لمن أفتاه بذلك، أو مغلوبًا على عقله، أو ظنًا منه أن امرأته طلقت، فيفعل المحلوف عليه بناء على أن المرأة أجنبية، فلا يؤثر فعل المحلوف عليه في طلاقها شيئًا.
[الذهول والفرق بينه وبين النسيان]
فمثال الذهول (4) أن يحلف أنه لا يفعل شيئًا هو مُعْتادٌ لفعله، فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله، والفرق بين هذا وبين الناسي أن الناسي يكون قد غاب (5) عنه اليمين بالكلية فيفعل المحلوف عليه ذاكرًا له، عامدًا لفعله، ثم يتذكر أنه كان
(1)(ق/ 104 ب).
(2)
في (ق): "وكان به".
(3)
في (ك): "فهذا".
(4)
عنون في هامش (ق): بقوله: "النسيان والذهول والغفلة واللهوة".
(5)
في (ق) و (ك): "غابت".
قد حلف على تركه، وأما الغافل والذاهل واللاهي فليس بناسٍ ليمينه، ولكنه لَهَا عنها أو ذهل كما يذهل الرجل عن الشيء في يده أو حجره بحديث أو نظر إلى شيء أو نحوه، كما قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} [عبس: 8 - 10] يقال: لهى عن الشيء يَلْهَى، كَغَشِيَ يَغْشَى إذا غفل [عنه](1)، ولها به يَلْهُو، إذا لعب؛ وفي الحديث:"فلها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بشيء كان في يديه"(2) أي اشتغل به، ومنه (3) الحديث الآخر:"إذا استأثر اللَّه بشيء فَالْهَ عنه"(4)، وسئل الحسن عما يجده الرجل من البلل (5) بعد الوضوء والاستنجاء، فقال:"إلْهَ عنه"(6)، وكان ابن الزبير إذا سمع صوت الرعد لَهَا عن حديثه (7)، وقال عمر رضي الله عنه لرجل بعثه بمال إلى أبي عبيدة ثم قال [للرسول](8)"تَله عنه ثم انظر ماذا يصنع به"(9)، ومنه قول كعب بن زهير (10):
(1) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع.
(2)
عزاه في "اللسان"(15/ 260) لسهل بن سعد، ولم أظفر به مسندًا.
وفي (ك) و (ق): "يده".
(3)
في (ك): "ومن".
(4)
ذكره أبو موسى المديني في "المجموع المغيث"(3/ 165)، قال:"أي: اتركه وأعرض عنه، ولا تتعرض له".
(5)
في المطبوع: "البلة"!!.
(6)
ذكره أبو عبيد في "الغريب"(4/ 303).
(7)
وراه بهذا اللفظ: أبو عبيد في "غريب الحديث"(4/ 303) من طريق مالك، عن عامر بن عبد اللَّه بن الزبير، عن أبيه.
لكن رواه مالك في "الموطأ"(2/ 992) -ومن طريقه البخاري في (الأدب): (723) باب إذا سمع الرعد، وابن أبي الدنيا في "المطر والرعد"(رقم 97) - وأحمد في "الزهد"(201)، وابن أبي شيبة (6/ 27)، وأبو الشيخ في "العظمة"(رقم 784)، والخرائطي في "مكارم الأخلاق"(1046)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (3/ 362) ولفظه: أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث، وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، وإسناده صحيح. وصححه النووي في "الأذكار"(ص 164) وشيخنا الألباني في "صحيح الأدب المفرد"(ص 268).
وذكره ابن الجوزي في "غريب الحديث"(2/ 337)، وعزاه في "الدر المنثور"(4/ 98) لابن سعد وابن المنذر في "التفسير".
(8)
ما بين المعقوفتين سقط من (ق).
(9)
ذكره ابن الجوزي في "غريب الحديث"(2/ 337).
(10)
في "ديوانه"(ص 19 - شرح أبي سعيد السكري)، وتحرف فيه موطن الشاهد إلى:"لا ألفينك"، وفي "جمهرة أشعار العرب" للقرشي (ص 37 - ط البجاوي) كما هنا إلا "كل =
وقال كل صديق كنت آملُهُ
…
لا أُلْهينَّكَ؛ إني عَنْكَ مشغول
أي لا أشغلك عن شأنك وأمرك، وفي "المسند":"سألت ربي أن لا يعذب اللاهين من أمتي"(1)، وهم البُلْهُ الغافلون الذين لم يتعمدوا الذنوب، وقيل: هم
= صديق" بدل "كل خليل"، وفي "لسان العرب" (15/ 260) مادة (لها) كما عند المصنف، وعزاه لكعب.
(1)
رواه الضياء في "المختارة"(2639) من طريق المخلص في "فوائده"(9/ ق 23 - 24): عن أحمد بن يوسف التغلبي قال: حدثنا صفوان بن صالح: حدثنا الوليد: حدثنا عبد الرحمن بن حسان الكناني: حدثنا محمد بن المنكدر عن أنس مرفوعًا به.
أقول: هذا إسناد ظاهره الصحة: رجاله ثقات، لكنّ صفوان بن صالح، والوليد بن مسلم يدلسان تدليس التسوية، ولذلك لم يذكرا لمحمد بن المنكدر سماعًا من أنس.
نعم، وقع تصريحه بالسماع منه، رواه ابن بشران في "أماليه"(رقم 1561)، وابن لال في "حديثه"(ق 117/ أ) من طريق ابن سمعان أن محمد بن المنكدر حدثه أنه سمع أنس به.
وابن سمعان هذا هو عبد اللَّه بن زياد بن سليمان، أبو عبد الرحمن المدني، قاضيها، متروك اتهمه بالكذب أبو داود وغيره، انظر:"تهذيب الكمال"(14/ 526).
وقد جاء الحديث من رواية الثقات باثبات يزيد الرقاشي بين ابن المنكدر وأنس.
فقد رواه أبو يعلى (4101)، و (4102)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(2906) -وذكره ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1545) - من طريق صالح بن مالك، وحجين بن المثنى كلاهما عن عبد العزيز الماجشون، عن ابن المنكدر: حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس به.
ورواته كلهم ثقات عدا يزيد الرقاشي وهو ضعيف.
ورواه ابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1544) من طريق قتيبة بن سعيد: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن القاري، عن أبي حازم، عن يزيد الرقاشي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ثم قال: كذا في كتابي، وقد سقط [عن] أنس، وهذا إسناد صحيح إلى يزيد الرقاشي، مما يدل على أن الصواب إثباته.
وله طريق آخر عن أنس.
فقد رواه أبو يعلى في "مسنده"(3570)، وابن عدي في "الكامل" (4/ 1610 و 6/ 2046) عن عبد الرحمن بن المتوكل البصري: حدثنا فضيل بن سليمان: حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق، عن الزهري، عن أنس مرفوعًا به، وقال ابن عدي: وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن الزهري غير عبد الرحمن بن إسحاق، وعن عبد الرحمن فضيل بن سليمان. وهذا إسناد فيه مقال: عبد الرحمن بن المتوكل لم يوثقه إلا ابن حبان (8/ 379)، وانظر:"المجمع"(7/ 219).
وفضيل بن سليمان هذا، وإن أخرج له مسلم، فقد ضعّفه ابن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنسائي، وصالح جزرة. =