الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه (1) أخبر أنه جعلهم أمة [وسطًا أي](2): خيارًا عدولًا (3)، هذا حقيقة الوسط، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شُهداء للرسل على أممهم يوم القيامة، واللَّه تعالى يَقْبل (4) شهادتهم عليهم، فهم شهداؤه، ولهذا نوّه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم؛ لأنه سبحانه لما اتخذهم شهداء أَعلَم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء، وأمر ملائكته أن تصلي عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم، والشاهد المقبول عند اللَّه هو الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندًا إلى علمه به كما قال تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف: 86] فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقًا من غير علم به (5)، وقد يعلمه ولا يخبر به؛ فالشاهدُ المقبولُ عند اللَّه هو الذي يخبر به عن علم؛ فلو كان علمهم أن يفتي أحدهم بفتوى وتكون خطأً مخالفة لحكم اللَّه ورسوله ولا يفتي غيره بالحق الذي هو حكم اللَّه ورسوله إما مع اشتهار فتوى الأول أو بدون اشتهارها كانت هذه الأمة العدل الخيار قد أطبقت (6) على خلاف الحق، بل انقسموا قسمين قسمًا أفتى بالباطل وقسمًا سكت عن الحق، وهذا من المستحيل فإن الحق لا يعدوهم ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعًا ونحن نقول لمن (7) خالف أقوالهم:(لو كان خيرًا ما سبقونا إليه (8)) (9).
[هم المجتبون]
الوجه العاشر: [أن](10) قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} (11)[الحج: 78]،
(1) في المطبوع: "تعالى".
(2)
ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع و (ك).
(3)
في (ك) و (ق): "عدلًا".
(4)
في (ق): "وأن اللَّه يقبل".
(5)
في المطبوع: "من غير علمه به".
(6)
في (ق) و (ك): "قد أصفقت".
(7)
في (ق) و (ك): "لما".
(8)
أي: ما سبقنا مخالفوهم إليه، ويقال:(لو كان خيرًا لسبقونا إليه) أي لسبقنا الصحابة والسلف إليه، إذ هم سابقون إلى كل خير (س)، وسقطت (ما) من (ك).
(9)
ويمكن تقرير دلالة الآية على وجه آخر، فيقال: أقوم الناس بشهادة الحق أعلمهم به وأحرصهم عليه، وهم كذلك، وهذا يقتضي تقديم أقوالهم الدالة على الحق وشهاداتهم به على أقوال غيرهم (س).
(10)
ما بين المعقوفتين سقط من (ك) و (ق).
(11)
بدل ما بين المعقوفتين في (ق): "إلى آخر السورة".
فأخبر سبحانه (1) أنه اجتباهم، والاجتباء كالاصطفاء. وهو افتعال من "اجتبى الشيء يجتبيه"(2) إذا ضمَّه إليه وحازه إلى نفسه (3) فهم المجتبون الذين اجتباهم اللَّه إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين، ولهذا أمرهم سبحانه (1) أن يجاهدوا فيه حق جهاده، فيبذلوا له أنفسهم، ويفردوه بالمحبة والعبودية، ويختاروه وحده إلهًا معبودًا محبوبًا على كل ما سواه كما اختارهم على من سواهم، فيتخذونه وحده إلههم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم (4)، فيؤثرونه في كل حال على من سواه، كما اتخذهم عبيده وأولياءه، وأحباءه وآثرهم بذلك على مَنْ سواهم، ثم أخبرهم سبحانه (5) أنه يسَّر عليهم دينهم (6) غاية التيسير، ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتَّة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم، ثم أمرهم بلزوم ملة إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم، وهي إفراده سبحانه (1) وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرَّجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام (7)؛ فيكون تعلّق (8) ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره (9)، ثم أخبر تعالى أنه نوَّه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسمَّاهم عباده المسلمين قبل أن يُظهرهم، ثم نوَّه بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناءً بهم ورفعة لشأنهم وإعلاءً لقدرهم، ثم أخبر تعالى أنه فعل ذلك (10) ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس؛ فيكونون مشهودًا لهم (11) بشهادة الرسول شاهدين على الأمم بقيام حجج (12) اللَّه عليهم، فكان هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين، والمقصود أنهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده تعالى (13) فمن المحال أن يُحرمهم كلهم الصواب
(1) في المطبوع: "تعالى".
(2)
في (ق): "جبى بالشيء يجبيه".
(3)
قال الزمخشري رحمه الله في "أساس البلاغة"(ص 82 - ط دار صادر): (اجتباه: اختاره، مستعار منه، لأن من جمع شيئًا لنفسه فقد اختصه واصطفاه".
وفي "لسان العرب"(14/ 130 - دار الفكر): "اجتباه: اصطفاه" اهـ، وانظر:"المفردات" للراغب (ص 186 - دار القلم).
(4)
سقط من (ك) و (ق).
(5)
في المطبوع: "تعالى".
(6)
في المطبوع و (ك): "دينه".
(7)
في (ق): "والاستسلام والتفويض".
(8)
في (ك): "تعليق".
(9)
في (ك): "بغيرهم".
(10)
في (ق): "فعل بهم ذلك".
(11)
في (ق): "فيكونوا شهودًا لهم".
(12)
في (ق): "حجة".
(13)
في (ق): "أنهم كانوا بهذه المنزلة عنده سبحانه".