الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من هذا النوع، كقوله:"نحن من ماء"(1)، وقوله:" [إنَّا] حاملوك على ولد الناقة"(2)، و"لا يدخل الجنة العُجُز"(3)، و"زوجك الذي [في] عينيه بياض"(4) وأكثر معاريض السلف كانت من هذا، ومن هذا الباب التدليس في الإسناد، لكن هذا مكروه (5) لتعلقه بأمر الدين (6) وكون البيان في العلم واجبًا (7)، بخلاف ما قصد به دفع ظالم [أو دفع ضرر عن المتكلم](8).
[المعاريض على نوعين]
والمعاريض نوعان:
أحدهما: أن يستعمل اللفظ في حقيقته وما وُضع له فلا يخرج به عن ظاهره، ويقصد فردًا من أفراد حقيقته، فيتوهم السامع أنه قصد غيره: إما لقصور فهمه، وإما لظهور ذلك الفرد عنده أكثر من غيره، وإما لشاهد الحال عنده، وإما لكيفية المخبر وقت التكلم من ضحك أو غضب أو إشارة ونحو ذلك، وإذا تأملت المعاريض النبوية والسلفية وجدت عامَّتَها من هذا النوع.
الثاني: أن يستعمل العام في الخاص والمطلق في المقيد، وهو الذي يسميه المتأخرون الحقيقة والمجاز، وليس يفهم أكثر من المطلق والمقيد؛ فإن لفظ الأسد والبحر والشمس عند الإطلاق له معنى، وعند التقييد له معنى يسمّونه المجاز، ولم يفرقوا بين مقيد ومقيد ولا بين قيد وقيد، فإن قالوا:"كل مقيد مجاز" لزمهم أن يكون كل كلام مركب مجازًا؛ فإن التركيب يقيده بقيود زائدة على اللفظ المطلق، وإن قالوا:"بعض القيود يجعله مجازًا دون بعض" سُئِلوا عن
(1) في "بيان الدليل": "مثل قوله: نحن من ماء" اهـ والحديث سبق تخريجه.
(2)
سبق تخريجه، وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
سبق تخريجه، وذكره في "بيان الدليل" قبل الحديث السابق، وما بين المعقوفتين سقط من (ق) و (ك).
(5)
في "بيان الدليل": "كان مكروهًا".
(6)
انظر: "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 627 - 634) و"توضيح الأفكار"(1/ 372). وفي نسخ "الإعلام": "لتعلقه بالدين".
(7)
في "بيان الدليل": "وكون بيان العلم واجبًا".
(8)
في "بيان الدليل": "ونحو ذلك"، وما بعد ذلك تصرف فيه كثيرًا ابن القيم، وقدم فيه وأخّر، فآثرت الإبقاء والإشارة هنا، منعًا من تثقيل الحاشية.
الضابط ما هو؟ ولن يجدوا إليه سبيلًا، وإن قالوا:"يُعتبرُ اللفظ المفرد من حيث هو مفرد قبل التركيب، وهناك يُحكم عليه بالحقيقة والمجاز". قيل لهم: هذا أبعد وأشدُّ فسادًا؛ فإن اللفظ قبل العقد والتركيب بمنزلة الأصوات التي ينعق بها ولا تفيد شيئًا، وإنما إفادتها بعد تركيبها، وأنتم قلتم: الحقيقة هي اللفظ المستعمل، وأكثركم يقول: استعمال اللفظ فيما وضع له أولًا، والمجاز بالعكس؛ فلا بد في الحقيقة والمجاز من استعمال اللفظ فيما وُضع له، وهو إنما يستعمل بعد تركيبه، وحينئذ فتركيبه بعدة بقيود يُفهم منها مراد المتكلم، فما الذي جعله مع بعض تلك القيود حقيقة ومع بعضها مجازًا؟ وليس الغرض إبطال هذا التقسيم الحادث المبتَدَع المتناقض فإنه باطل من أكثر من أربعين وجهًا (1)، وإنما الغرض التنبيه على نَوْعي التعريض، وأنه تارة يكون مع استعمال اللفظ في ظاهره وتارة يكون بإخراجه عن ظاهره، ولا يذكر المُعرِّض قرينة تبين مراده، ومن هذا النوع عامة التعريض في الأَيْمان والطلاق، كقوله:"كل امرأة له فهي طالق" وينوي في بلد كذا وكذا، أو ينوي (2) فلانة، أو قوله:"أنت طالق" وينوي من زوجٍ كان قبله ونحو ذلك؛ فهذا القسم شيء والذي قبله شيء، فأين هذا من قصد المحتال بلفظ العقد أو صورته ما لم (3) يجعله الشارع مقتضيًا له بوجه بل جعله مقتضيًا لضدِّه؟ ولا يلزم من صلاحية اللفظ له إخبارًا صلاحيته له إنشاءً؛ فإنه لو قال:"تزوَّجت" في المعاريض وعَنَى نكاحًا فاسدًا كان صادقًا كما لو بيَّنه، ولو قال:"تزوجت" إنشاءً وكان فاسدًا لم ينعقد، وكذلك في جميع الحيل؛ فإن الشارع لمْ يشرع القَرْضَ إلا لمن قصد أن يسترجع مثل قرضه، ولم يشرعه لمن قصد أن يأخذ أكثر منه لا بحيلةٍ ولا بغيرها، وكذلك إنما شرع البيع لمن له غرضٌ في تمليك الثمن وتملك (4) السلعة، ولم يشرعه قطٌّ لمن قصد به ربا الفضل أو النساء ولا غرض له في الثمن [ولا في المُثْمن](5) ولا في السلعة، وإنما غرضهما الربا، وكذلك النكاح لم يشرعه إلا لراغب في المرأة، لم يشرعه
(1) انظرها في "الصواعق المرسلة".
(2)
في (ق): "سوى".
(3)
في (د)، و (ن):"ما لم"، وقال (د):"في عامة الأصول: مما لم يجعله الشارع -إلخ، وما أثبتناه هو الصحيح، و"ما" مفعول للمصدر المضاف إلى فاعله، وهو قوله: "قصد المحتال"" اهـ.
(4)
كذا في (ق) و (ك)، وفي سائر النسخ:"وتمليك".
(5)
بدل ما بين المعقوفتين في (ك): "ولا في الثمن" وسقطت من (ق).